فوز لاي يسلط الضوء على علاقات الصين بتايوان

ستواصل بكين تعزيز ضغوطها العسكرية في مضيق تايوان

EPA
EPA
الرئيس التايواني المنتخب وليام لاي يحتفل مع مساعديه بالفوز في الانتخابات مساء 13 يناير

فوز لاي يسلط الضوء على علاقات الصين بتايوان

جرى الترحيب بالانتخابات في تايوان باعتبارها نجاحا صارخا للديمقراطية الليبرالية. ومع ذلك، فإن فوز الحزب الديمقراطي التقدمي في تايوان لم يكن مطلقا. ستكون إدارة الرئيس المنتخب وليام لاي بالتأكيد مقيدة إزاء أي تغيير كبير في المسار خلال السنوات الأربع القادمة. وفي الوقت نفسه، أثبتت سياسة بكين تجاه تايوان أنها غير فعالة وتحتاج إلى تغيير في المسار.

كان النجاح السياسي الذي حققه وليام لاي، نائب الرئيس ورئيس تايوان المنتخب، مذهلا في أكثر من جانب؛ إذ إن سجل لاي حافل بالانتصارات السياسية، حيث كان عضوا في مجلس اليوان التشريعي أربع مرات وعمدة مرتين وكان نائبا للرئيس ومرشحا رئاسيا، كما فاز في كل الانتخابات الكبرى التي شارك فيها. وكان فوزه الرئاسي عام 2024 تقديرا للمشاعر العامة المتغيرة بقدر ما كان تقديرا لبراعته السياسية.

ثانيا، يعتبر هذا النجاح هو الفوز الثالث على التوالي للحزب الديمقراطي التقدمي في انتخابات الرئاسة التايوانية، وهي المرة الأولى التي يحقق فيها حزب سياسي مثل هذه الإنجازات منذ بداية إجراء الانتخابات الديمقراطية في تايوان.

ثالثا، جاء فوز الرئيس المنتخب وليام لاي تحت ضغوط كبيرة من الصين، وهذا يعني أن فعالية وشعبية الضغوط العسكرية والاقتصادية من الصين تتناقصان بشكل متزايد بين أفراد الشعب في تايوان.

ومع ذلك، وراء هذا النجاح الباهر هناك انحسار لشعبية الحزب الديمقراطي التقدمي في تايوان؛ إذ فاز الحزب الديمقراطي التقدمي بنسبة 40 في المئة من الأصوات العامة في انتخابات الرئاسة عام 2024. ومقارنة بالأصوات التي فاز بها الحزب في الانتخابات الرئاسية في المرتين السابقتين والتي حقق فيهما نسبة 56 في المئة و57 في المئة، فقد خسر الأغلبية بشكل واضح.

لم يكن "الكومينتانغ" (الحزب القومي الصيني) المؤيد للوحدة، والمنافس الرئيس للحزب الديمقراطي التقدمي، هو المستفيد. بل تعزى خسارة الحزب الديمقراطي التقدمي إلى فقدان الشعبية بين الشباب الذين قاموا بدعم حزب سياسي صاعد، وهو حزب الشعب التايواني، الذي من الممكن أن يصبح أكثر أهمية في مستقبل تايوان السياسي.

جاء فوز الحزب الديمقراطي التقدمي على حساب خسارته 11 مقعدا في مجلس اليوان التشريعي التايواني في هذه الانتخابات، ما أدى إلى فقدانه لأغلبيته التشريعية. وعلى الرغم من انعدام تفاعل "الكومينتانغ" مع الشباب وروايته الضبابية التي تدعم اتفاق عام 1992، إلا أنه نجح في تحقيق تقدم ضئيل، بمقعد واحد أكثر من الحزب الديمقراطي التقدمي في مجلس اليوان التشريعي.

إن حكم الحزب الديمقراطي التقدمي على أساس خسارة الأغلبية في كل من الانتخابات الرئاسية ومجلس اليوان التشريعي سيجعل من سنواته الأربع المقبلة فترة تتسم بالتنازلات وسياسة الحياد، مما يحد من إمكانية إحداث تغيير كبير في المسار.

السياسات التي تنتهجها الصين في تعاملها مع تايوان سوف ترسم مسارا يمكن التنبؤ به، ولو أنها أصبحت غير فعالة على نحو متزايد

كيف ستستجيب بكين؟

أولا، خطوط بكين الحمراء: أعلنت بكين بوضوح أن سياسة "الصين الواحدة" هي جوهر المصالح الصينية الحيوية. وعندما يترجم ذلك إلى خطوط بكين الحمراء، فإن هذا يعني أن على تايوان أن لا تسعى للاستقلال القانوني، وأن لا تقوم  مع الولايات المتحدة (وغيرها من البلدان ذات العلاقات الدبلوماسية مع الصين) بتأسيس علاقات دبلوماسية بحكم الأمر الواقع. وكان الرئيس المنتخب وليام لاي قد أعلن مرارا خلال حملته الانتخابية أن تايوان لن تسعى للاستقلال في ظل إدارته. وعندما سئل الرئيس بايدن عن نتيجة الانتخابات في تايوان، أجاب ببساطة أن "الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان". ويعتبر تحرك كل من الرئيس المنتخب لتايوان وإدارة بايدن بحذر ضمن الحدود التي يمكن أن تتسامح معها بكين.

AFP
مارة أمام علم تايوان في مدينة تايبيه في 13 يناير

وطالما يجري احترام الخطين الأحمرين المذكورين أعلاه، فمن غير المرجح أن تتفاقم الأمور في مضيق تايوان نحو مواجهات عسكرية في المستقبل المنظور. كما أن السياسات التي تنتهجها الصين في تعاملها مع تايوان سوف ترسم مسارا يمكن التنبؤ به، ولو أنها أصبحت غير فعالة على نحو متزايد.

ثانيا، زيادة الضغوط الاقتصادية والعسكرية: لم يفاجئ انتصار الرئيس المنتخب لاي بكين. حيث تعكس استطلاعات الرأي قبل الانتخابات نتائج انتخابية مقاربة. لذا يجب أن تكون استجابة بكين لفوز الدكتور لاي متوقعة أيضا.

أولا، ستكون ردة الفعل الفورية من بكين زيادة الضغط الاقتصادي على تايوان. حيث يعتمد اقتصاد تايوان بشكل كبير على الأسواق الدولية؛ وتُظهر الإحصائيات الشاملة ارتباطا عميقا بين اقتصاد تايوان والصين؛ ففي عام 2022، سجلت تايوان فائضا تجاريا بقيمة 51.9 مليار دولار وأكثر من 150 مليار دولار مع الصين وحدها. أما في عام 2023، حققت تايوان فائضا تجاريا بقيمة 80.5 مليار دولار وفائضا تجاريا بقيمة 80.5 مليار دولار مع الصين وحدها.

وحظرت بكين أكثر من 2000 صنف تصدير من تايوان إلى البر الرئيس للصين في عام 2022 ردا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان. وكان مزارعو الأسماك والفواكه، هم أكثر من شعر بضغط بكين الاقتصادي، بدلا من شركات تصنيع أشباه الموصلات. وقبل أسابيع من انتخابات تايوان عام 2024، رفعت بكين العقوبات عن تصدير سمك الهامور من تايوان على أمل تحقيق نتيجة أفضل لبكين من قبل الناخبين الذين يهتمون بالجوانب الاقتصادية في تايوان.

ستظل سياسة الجزرة والعصا- فرض ورفع العقوبات الاقتصادية عند الحاجة- سياسة بكين الاقتصادية المفضلة في المستقبل المنظور.

لم يفاجئ انتصار الرئيس المنتخب لاي بكين، حيث تعكس استطلاعات الرأي قبل الانتخابات نتائج انتخابية مقاربة

ثانيا، ستواصل بكين تعزيز ضغوطها العسكرية في مضيق تايوان وحوله باستخدام المزيد من الطائرات المسيرة والأساطيل والطائرات المقاتلة والبالونات وغيرها من الأجهزة ذاتية القيادة لردع مبيعات الأسلحة الأميركية إلى تايوان وأي زيادة في الارتباطات السياسية الرسمية بين تايوان والولايات المتحدة.

٣) من انتخابات إلى أخرى: ستجرى مراسم تنصيب الدكتور لاي في العشرين من مايو/أيار المقبل. وستراقب بكين عن كثب الخطاب الرئاسي في حفل التنصيب، وهو أول تعبير رسمي لرؤية السياسة الخارجية لإدارة الدكتور لاي.

ستركز كل من بكين وتايبيه بشدة على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، فهي الركيزة الأساسية لعلاقات واشنطن- بكين- تايبيه. وسيكون من غير الحكيم وغير المرجح أيضا أن يقوم زعيم تايوان بتحول واضح في الاتجاه دون أن يكون متأكدا من شخصية الرئيس القادم للولايات المتحدة وموقفه من قضية تايوان. وستقوم بكين بالتأكيد بصياغة خطط للطوارئ استجابة لنتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وستكون تايوان محور علاقاتها مع الولايات المتحدة.

وسيكون عام 2024 عاما للترقب والانتظار لمعرفة نتائج الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني، وهي متغير أساسي في علاقات الصين وتايوان والسلام الإقليمي. 

لماذا يمكن أن تحتاج بكين لمراجعة سياستها تجاه تايوان؟

يعتبر فوز الحزب الديمقراطي التقدمي انعكاسا لفشل الضغوط الاقتصادية والعسكرية من بكين بمرور الوقت. تحاول بكين دائما أن تظهر للولايات المتحدة أن تأثير العقوبات التجارية والتكنولوجية التي فرضتها واشنطن عليها هو تأثير مؤقت؛ إذ إن أي تشويه لمبادئ السوق الليبرالية لا يكون فعالا اقتصاديا على المدى الطويل. وفي الوقت نفسه، تفرض بكين عقوبات مماثلة على اقتصادات إقليمية أخرى، بما في ذلك تايوان. وستشهد عقوبات بكين الاقتصادية على تايوان وغيرها تراجعا في الفعالية مع مرور الوقت.

EPA
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية مياو نينغ اثناء مؤتمر صحافي في بكين في 15 يناير

أولا، إذا فُرضت جميع الوسائل التجارية والاقتصادية المتاحة لبكين على تايوان الآن، فإنها لن تترك مجالا لفرض عقوبات تأديبية إضافية عندما يتصاعد التوتر حول قضية تايوان. وإذا كانت بكين راغبة في أن تكون العقوبات فعالة في حالات الطوارئ، فيجب عليها الحد من استخدامها في الوقت الحالي.

ثانيا، إذا بدأت تايوان في تحويل علاقاتها الاقتصادية بعيدا عن البر الرئيس الصيني بسبب العقوبات، فإنها ستكون أكثر استعصاء على الضغوط المستقبلية.

على مدى العامين الماضيين، غادرت استثمارات تايوان الصين لصالح أسواق إقليمية نشطة أخرى مثل فيتنام؛ ففي عام 2023، انخفضت صادرات تايوان إلى الصين بنسبة 18.1 في المئة. وتشكل الصادرات إلى الصين حوالي ثلث إجمالي صادرات تايوان، وهو أدنى مستوى في 21 عاما.

وبالنسبة للصين، تكمن المفارقة والحكمة في سياسة مستقبلية للتهدئة الاقتصادية مع تايوان. حيث إن أي دمج سياسي حقيقي- إذا كان ذلك ممكنا وفقا لرغبة بكين- يجب أن يبدأ بالتكامل العميق في الاقتصادات والثقة بين الشعوب. إن الخيارات السياسية التي تزيد من عزلة تايوان ستخلق فقط خوفا من الصين وستُحدث تغييرا في المشهد العام في تايوان يتجه في مسار معاكس لرغبة بكين. ونظرا لعدم وجود خيار أفضل، فإن التهدئة ضمن حدود الخطوط الحمراء لا تعتبر خيارا سيئا.

font change

مقالات ذات صلة