النساء يعززن بقاء "داعش"

النساء المؤيدات لـ"داعش" يوسّعن نفوذه في مخيم الهول

النساء يعززن بقاء "داعش"

عاد مخيم الهول في محافظة الحسكة، شرقي سوريا، إلى الأضواء من جديد؛ ففي 28 ديسمبر/كانون الأول، شنت قوات الأمن الكردية السورية، المدعومة من الولايات المتحدة، عملية استهدفت مسؤولا كبيرا في "داعش" يُدعى "أبو عبيدة" في المخيم، مما أدى إلى مقتله.

وطوال السنوات الفائتة، أطلقت قوات الأمن الكردية السورية كثيرا من العمليات الأمنية المماثلة لضمان أمن واستقرار مركز الاحتجاز الذي يضم آلافا من النازحين داخليا وعائلات يشتبه في انتمائها لـ"داعش". وعلى الرغم من هذه الجهود، ظل المخيم يشهد مستويات عالية من العنف وانتشار التطرف بين سكانه.

ويعود سبب فشل الجهود الأمنية الكردية إلى حد كبير إلى ميلها المفرط لاستهداف الذكور من قادة وعناصر التنظيم. ولكن النساء المؤيدات لـ"داعش" هن من يوسعن الآن نفوذه، بخلاف ما حدث عام 2014، عندما قاد المقاتلون الذكور في هذه الجماعة المسلحة عمليات الاستيلاء على الأراضي في العراق وسوريا وخارجها. وما لم يفهم هذا التحول على نحو صحيح، فإن صعود التنظيم داخل مخيم الهول وعودة ظهوره خارجه، أمران مضمونان.

تاريخيا، اقتصر دور المرأة في الجماعات المتطرفة العنيفة على الأسرة، وانصب على دعم الزوج والأطفال. ومع أن "داعش" سمحت للنساء بالعمل في مهن مثل الطب والتعليم والشرطة الدينية، فإن التنظيم، وعلى الأخص في ذروة صعوده، شجع بقوة معظم النساء على الالتزام بأدوارهن التقليدية داخل المنزل.

يقتصر تأثير النساء الداعمات لتنظيم "داعش" في معظمه على مخيم الهول في الوقت الحالي، إلا أن التكنولوجيا تمكنهن من طلب الدعم الخارجي

إلا أن الحال تغير على نحو عميق بعد هزيمة "داعش" على الأرض عام 2019. فمع مقتل الأعضاء الذكور أو احتجازهم أو فرارهم، أخذت النساء على عاتقهن مهمة الحفاظ على آيديولوجيا التنظيم حية. وسهل عليهن مهمتهن إنشاءُ مخيم الهول، الذي يضم أكثر من 50 ألف شخص من مختلف الجنسيات، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال. وبالإضافة إلى التركيز العالي للأشخاص أصحاب التفكير المتماثل في مكان واحد، فإن غياب إشراف الذكور داخل المخيم سمح للنساء بأخذ زمام المبادرة وتطبيق ممارسات "داعش".

أحد أكثر التطورات إثارة للقلق في مخيم الهول هو تلقين الأطفال عقائديا على يد نساء مؤيدات لـ"داعش". وتشير التقارير إلى أن قرابة 28 ألف طفل يعيشون داخل المخيم من دون أن يحصلوا على التعليم المناسب. وللاستفادة من هذا الفراغ، أنشأت النساء المؤيدات للتنظيم مدارس مؤقتة لغرس أيديولوجيا "داعش" في أوساط الشباب.

تدرس هذه المدارس مناهج الشريعة، وتوفر التدريب الأيديولوجي والعسكري للأطفال الأكبر سنا. ومن المؤسف أن الحكومات المشرفة على سكان المخيم تنظر إلى هؤلاء الأطفال كتهديد وليس كضحايا، وهو ما يفسر غياب الجهود لإنقاذهم من هذه التنشئة الأيديولوجية. ومن هنا يخشى المحللون والمسؤولون من أن مخيم الهول بات يستخدم كـ"أرض تفريخ" للجيل القادم من تنظيم "داعش".

كما شكلت النسوة المنتميات لـ"داعش" نظام الحسبة، وهي وحدات من الشرطة الدينية، لدعم الالتزام بآيديولوجيا "داعش" وفرض معاييرها على النساء الأخريات في المخيم. وبحسب ما ورد، أجبرت هذه القوة النساء على ارتداء الحجاب وحضور دورات غير رسمية لتدريس الشريعة. كما يحظر التدخين والرقص والاستماع إلى الموسيقى وارتداء السراويل والتحدث مع الرجال.

وأكثر من ذلك، أنشأت النساء المؤيدات لـ"داعش" محكمة شرعية خاصة بهن، على نمط النظام القضائي لـ"داعش"، لمحاسبة من ينتهكن التعاليم الدينية للجماعة. وتشمل العقوبات الجلد والسجن والتعذيب والحرمان من الطعام وحرق الخيام والقتل.

يقتصر تأثير النساء الداعمات لتنظيم "داعش" في معظمه على المخيم في الوقت الحالي، إلا أن التكنولوجيا تمكنهن من طلب الدعم الخارجي. لقد تغير الآن النموج الذي اعتمدته "داعش" في مرحلة صعودها، عندما استبعدت النساء إلى حد كبير عن الدعاية التي كانت تنتجها الآلة الإعلامية المركزية لـ"داعش".

الخوف من الانتقام والظروف المعيشية الصعبة داخل مخيم الهول تجعل السكان أقل ميلا إلى التعاون مع السلطات

وفي مخيم الهول، تطلق المنتميات لـ"داعش" حملات خاصة بهن عبر الإنترنت تروج لأيديولوجيا التنظيم وتطلب التبرعات من خارج المخيم. ويستخدم هذا التمويل، الذي يحول معظمه عبر نظام تحويل الأموال غير الرسمي ، لتغطية النفقات ودفع أموال للمهربين لمساعدتهن على الهروب. وفي نهاية المطاف، يمكن لمصادر الإيرادات هذه تمويل الأنشطة خارج السياج المحيط بالمخيم.

ويبدو أن قوات الأمن، مع علمها بهذه الممارسات، غير قادرة على وقفها. ويرجع ذلك جزئيا إلى حداثة هذه الهياكل التي تقودها النساء، مما يجعل من الصعب اكتشافها.

يضاف إلى ذلك أن الخوف من الانتقام والظروف المعيشية الصعبة داخل المخيم تجعل السكان أقل ميلا إلى التعاون مع السلطات. ونتيجة لذلك، اقتصرت الإجراءات الأمنية إلى حد كبير على مصادرة المواد الدعائية، وتفكيك البنية التحتية التي تستخدمها مناصرات "داعش"، بما في ذلك المدارس والمراكز الشرعية .

لن تجدي هذه العمليات داخل مخيم الهول نفعا إلا إذا تم تحديد الهياكل التي تقودها نساء "داعش" ومواجهتها بشكل صحيح. كما ينبغي في الوقت نفسه تنفيذ الجهود الهادفة لإعادة تأهيل مناصرات "داعش" وإعادة دمجهن على نطاق واسع، داخل المخيم وخارجه، وهو أمر ضروري لضمان الهزيمة الدائمة للتنظيم.

ومع ذلك، فإن هذه العمليات الأمنية لن تسفر عن نتائج ذات معنى إلا إذا تم تحديد الهياكل التي تقودها نساء "داعش" بدقة ومواجهتها بشكل فعال. وفي الوقت نفسه، ينبغي تنفيذ الجهود الرامية إلى إعادة تأهيل وإعادة إدماج أنصار "داعش" على نطاق واسع، سواء داخل المخيم أو خارجه، لضمان الهزيمة الدائمة للجماعة. ودون هذه الإجراءات، سيستمر مخيم الهول- والمخيمات الأخرى المشابهة له- في لعب دور رئيس لاستمرار وجود "داعش".

font change