"يمام" وحدة التصفيات التي فشلت في غزة

الوحدة المسؤولة عن قتل ثلاثة ناشطين في مستشفى "ابن سينا" في جنين

AFP
AFP
صورة لكاميرا مراقبة في مستشفى ابن سينا تظهر عناصر القوات الخاصة الإسرائيلية أثناء لحظة الاقتحام

"يمام" وحدة التصفيات التي فشلت في غزة

رغم أن الضفة الغربية بمدنها ومخيماتها باتت مسرحا واسعا للاقتحامات والعمليات العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي، خاصة بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة، فإن حادثة جنين التي قامت خلالها قوات إسرائيلية- بعضهم كان "مستعربا"- باغتيال ثلاثة شبان فلسطينيين داخل مستشفى ابن سينا، لفتت الأنظار بشكل خاص مع انتشار فيديو يوثق العملية، إذ ظهر نحو عشرة مسلحين متنكرين بزي أطباء ومواطنين وهم يتجهون الى إحدى غرف المستشفى في ساعات الفجر لقتل االشبان الثلاثة، وسط حالة من الدهشة والذهول في أوساط المرضى والفريق الطبي.

يظهر فيديو التوثيق النادر كما تؤكد روايتا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني أن المدة الزمنية لعملية الاقتحام بما فيها الاغتيال لم تتجاوز عشر دقائق، وهو ما لم يوفر الفرصة للشبان المستهدفين للتحرك.

تقول "كتيبة جنين" التابعة لـ "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، إن مجموعة من المستعربين تسللت إلى مستشفى ابن سينا واغتالت عددا من مقاتليها، كما تشير المصادر الطبية في جنين إلى أن أحد الشبان الثلاثة كان يخضع للعلاج في المستشفى، فيما ذكر بيان مشترك للجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام ووحدة "اليمام" أن الشاب محمد جلامنة ناشط في "حماس" وكان يخطط لتنفيذ عملية ضد أهداف إسرائيلية في وقت قريب، بالإضافة إلى أن الشقيقين محمد وباسل غزاوي كانا ناشطين في "حماس"، و"الجهاد الإسلامي".

لم تتجاوز المدة الزمنية لعملية الاقتحام بما فيها الاغتيال عشر دقائق

ومع ورود الأنباء عن عملية الاغتيال توالت ردود الفعل الإسرائيلية التي أثنت على عمل الوحدات المشاركة فيها، وأكدت أن "يد إسرائيل" ستطول كل من تسول له نفسه العبث بأمنها في أي  مكان أو زمان. ومن بين أبرز ردود الفعل في إسرائيل كان رد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي وصف عملية الاغتيال بالبطولية التي استهدفت ثلاثة "مخربين" على حد قوله، متوعدا بأن القوات الإسرائيلية ستصل إلى كل مكان لتوفير الأمن للإسرائيليين.

وليس الالتفات إلى موقف الوزير المتشدد بن غفير صدفة، فهو الوزير المكلف بشؤون الشرطة والوحدات التابعة لها ومن بينها وحدة "اليمام" التي كانت تسمى الوحدة الشرطية الخاصة قبل أن  تختصر من العبرية اسم الوحدة الوطنية الخاصة لمكافحة الإرهاب، وكان لها دور أساسي في عملية الاغتيال في جنين.

أنشئت "اليمام" في سبعينات القرن الماضي لتكون وحدة النخبة التابعة لجهاز الشرطة الإسرائيلية وحرس الحدود، وأوكلت إليها في البداية مهمات التعاطي مع عمليات الاختطاف أو التفاوض بشأن رهائن على خلفية أحداث أمنية كانت تعدها إسرائيل خطرا أمنيا بارزا مثل عملية مجموعة "أيلول الأسود" التي قتلت أفرادا في البعثة الرياضية الإسرائيلية إلى أولمبياد ميونيخ، قبل أن تتسع وظائفها لتشمل بشكل أساسي إحباط ما تصفه إسرائيل بالعمليات الإرهابية، واعتقال مسلحين ومقاتلين أو اغتيالهم إلى جانب المشاركة في عمليات داخل الخط الأخضر لإحباط هجمات ذات خلفية جنائية أو أمنية، وكثيرا ما تنشط بالتعاون مع وحدات تقابلها في الجيش الإسرائيلي كوحدة الكوماندوز أو خلايا تابعة لجهاز الأمن العام (الشاباك). لكن معظم نشاط "اليمام" تلفه سرية كبيرة واحتياطات أمنية لا تظهر إلا في حالات خاصة أو ضمن محاولات إبراق رسائل إسرائيلية للفصائل الفلسطينية.

سجلت وحدة "يمام" على مدار نصف قرن عددا كبيرا من العمليات

الفرق بين "يمام" ووحدة المستعربين

تتمتع الوحدة الوطنية الخاصة لمكافحة الإرهاب (يمام) بشكل كبير من الاستقلالية في العمل والتنظيم، وينتسب إليها غالبا جنود سابقون في ألوية ووحدات قتالية، وثمة فرق بين المهمات الموكلة إليها وتلك الموكلة لوحدة المستعربين (يماس) التابعة للشرطة الإسرائيلية  والتي أنشئت خلال الانتفاضة الأولى، وترتكز مهماتها غالبا على اعتقال مواطنين عرب وقمع  مظاهرات أو تجمعات مناهضة لإسرائيل من خلال التنكر بزي يلائم بيئة الحدث ومسلحين سريين يجيدون اللغة العربية و"اللكنة" الفلسطينية.

سجلت وحدة "يمام" على مدار نصف قرن عددا كبيرا من العمليات كان من بين أواخرها المواجهة مع مقاتلي "حماس" والفصائل الفلسطينية الذين سيطروا على محطة شرطة سديروت جنوبي إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ قتل خلال تلك الأحداث تسعة من أفراد الوحدة. كما نسب للوحدة اغتيال المواطن العربي في إسرائيل نشأت ملحم الذي نفذ عملية إطلاق نار في منطقة ديزينغوف في تل أبيب في يناير/كانون الثاني 2016 واشتبك مع أفراد "يمام" بالقرب من منزل عائلته بعد أسبوع من العملية.

كما اعتقلت الوحدة الأسير الفلسطيني حسام القواسمي الذي أدين باختطاف ثلاثة فتية مستوطنين جنوبي الضفة الغربية وقتلهم عام 2014، وقبلها بأعوام (2003) شاركت وحدة "يمام" باعتقال ثلاثة نشطاء في رام الله اتهمتهم إسرائيل بالمسؤولية عن مقتل عشرات الإسرائيليين في عمليات مختلفة. لكن أول عملية بارزة شاركت فيها الوحدة في أواخر السبعينات كانت محاولة السيطرة على الحافلة التي استقلتها مجموعة من نشطاء "فتح" القادمين من لبنان ضمن عملية "كمال عدوان" المعروفة إسرائيليا بـ"حافلة الدماء".  

ثمة تساؤلات في الآونة الأخيرة حول قدرة "يمام" على تخليص الرهائن دون دفع ثمن

لا تختلف وحدة النخبة "يمام" عن سائر وحدات الشرطة من ناحية الخلفية العسكرية لأفرادها فحسب، بل إن الانضمام إليها يحتاج اجتياز اختبارات وتدريبات ذهنية وبدنية خاصة تستمر نحو عامين وتشمل التدرب على آليات تخليص الرهائن ومكافحة الإرهاب في مواقع معقدة والتعاطي مع وسائل تكنولوجية متقدمة. كما أن المستعربين في الوحدة  يتبعون ما يعرف بفريق "نوفخ" الذي يتلقى تدريبات مختلفة عن تلك التي يتلقاها أفراد وحدة "يماس" لا تقتصر على إتقان اللغة العربية واللهجة.

وعلى مدار الأعوام باتت وحدة "يمام" موضع تقدير لدى الأروقة العسكرية والأمنية في إسرائيل، إذ تعدها تلك الأروقة "رائدة" في مجال تصفية الشبان الفلسطينيين بعد مئات العمليات التي شارك فيها عناصر "يمام" رفقة الجيش الإسرائيلي وتزايدت وتيرتها منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية. لكن ثمة تساؤلات تطفو في الآونة الأخيرة عن قدرة الوحدة على تحقيق أحد الأهداف وراء تأسيسها وهو القدرة على تخليص الرهائن دون دفع ثمن ينتهي بإطلاق سراح أسرى أو تجاوب مع شروط جهات مقابلة، مع استمرار احتجاز ما يزيد على مئة وثلاثين منهم في قطاع غزة.

font change

مقالات ذات صلة