محاولات روسية لإنقاذ التطبيع العربي مع الأسد

لم يُظهر النظام أي رغبة حقيقية في تغيير موقفه

محاولات روسية لإنقاذ التطبيع العربي مع الأسد

انعقد الاجتماع الدولي الحادي والعشرون بشأن سوريا يومي 24 و25 يناير/كانون الثاني الماضي في عاصمة كازاخستان، لاستئناف عملية آستانه، وهي منتدى سياسي ثلاثي بقيادة روسيا وتركيا وإيران. وقد حظي هذا التجمع بالاهتمام ليس فقط لأن كازاخستان توقفت بشكل غير متوقع عن استضافة المحادثات في يونيو/حزيران الماضي، وهو ما فاجأ حتى الرعاة الثلاثة الرئيسين له، ولكن أيضا بسبب استخدام موسكو الاستراتيجي للمنتدى للدخول في مفاوضات مباشرة مع الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان، التي شارك ممثلوها كمراقبين.

وتشير هذه المحادثات، التي تهدف إلى الحد من التوترات مع النظام السوري، إلى تحول محتمل في تركيز عملية آستانه نحو مساعدة التطبيع الإقليمي مع الأسد، خاصة في ضوء التحديات الأخيرة.

وقد أطلقت روسيا وإيران وتركيا عملية آستانه في يناير 2017، بهدف خفض مستويات العنف المسلح في سوريا والبحث عن حلول دبلوماسية للصراع. وعادة ما تشارك في المفاوضات وفود من هؤلاء الرعاة، بالإضافة إلى النظام السوري والمعارضة السورية. وفي الوقت نفسه، يحضر ممثلون عن الأردن والعراق ولبنان، وكذلك الأمم المتحدة، كمراقبين.

ومع اختتام المشاركين للجولة العشرين من المحادثات في يونيو/حزيران 2023، ألقت كازاخستان قنبلة صادمة حين أعلنت أنها لن تستضيف المناقشات بعد الآن. وحسب وزارة الخارجية الكازاخية وقتها، فإن المحادثات حققت مهمتها، حيث حققت نجاحات مثل إنشاء مناطق خفض التصعيد، ووضع حد لإراقة الدماء، وتقليل الخسائر البشرية.

وأشارت الوزارة أيضا إلى عودة سوريا مؤخرا إلى جامعة الدول العربية والجهود المبذولة لاستعادة العلاقات مع تركيا كدليل على أن محادثات آستانه قد حققت أهدافها.

الجولة الحادية والعشرون من محادثات آستانة ستعطي الأولوية للمفاوضات مع الدول المجاورة لسوريا

مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا

ومن المثير للدهشة أن ألكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا ورئيس وفد موسكو في المحادثات، قال إن قرار كازاخستان فاجأ الجميع وكان خطوة غير متوقعة، كما تردد على ألسنة آخرين. وبينما ألمح رعاة محادثات آستانه إلى أن الاجتماعات ستستمر في وقت لاحق من ذلك العام، لم يتخذ أي قرار حول مكان جديد للمحادثات المستقبلية، حتى أعلنت كازاخستان في وقت لاحق عن استعدادها لاستئناف المناقشات كبادرة حسن نية إذا توصلت جميع الأطراف إلى الاتفاق على ذلك.
ومع ذلك، ظلت أخبار متى وأين بعيدة المنال حتى 19 يناير، عندما أبلغت وسائل إعلام مختلفة مرتبطة بالأطراف المعنية عن اجتماع جديد مقرر عقده الأسبوع المقبل. ويأتي هذا الإعلان بعد أشهر من أنباء عن تعليق اجتماعات ممثلي النظام واللجنة الوزارية للجامعة العربية، التي شكلت للإشراف على التطبيع مع النظام السوري.
وبحسب ما ورد عُلقت الاجتماعات بعد فشل المحادثات اللبنانية السورية حول عودة مئات الآلاف من السوريين اللاجئين في لبنان. يضاف إلى ذلك، أن رفض نظام الأسد التعاون مع دول الجامعة العربية بهدف الحد من تجارة الكبتاغون أدى دورا في القرار.
وقد توضح هذه التطورات لماذا تسعى روسيا إلى توجيه المحادثات الأخيرة في آستانه إلى منح  الأولوية للتقدم في مناقشة هذه القضايا الخلافية عبر مناقشات مغلقة. وكشف ألكسندر لافرنتييف أن الجولة الحادية والعشرين من المحادثات ستعطي الأولوية للمفاوضات مع الدول المجاورة لسوريا، وهي خطوة لا تتوافق مع الهدف المعلن لمسار آستانه.
وأشار لافرنتييف إلى أنه سيعقد اجتماعا مع الوفد الأردني لبحث الوضع الصعب على الحدود مع سوريا، حيث تتكثف عمليات تهريب المخدرات وما تسببه من مشاكل لدول المنطقة.
كما شدد على عقد لقاء مع الوفد اللبناني لمناقشة التدفق الكبير للاجئين السوريين، قائلا: "إن مشكلة اللاجئين السوريين تسبب صداعا للحكومة اللبنانية".
وأخيرا سيعقد اجتماع مع العراق لبحث القضايا المتعلقة بمكافحة الجماعات الإرهابية والتهديد الآتي من الحدود السورية العراقية. وهذا موضوع آخر في إطار لقاءات التطبيع العربي مع الأسد. وجهود روسيا للانخراط في نقاش القضايا الخلافية مع الدول المجاورة خلال اجتماع آستانه، مع أن لهذه الدول صفة مراقب، تهدف بوضوح إلى زيادة مشاركتها المباشرة في العملية. ولا تهدف هذه الخطوة إلى إنقاذ جهود التطبيع الإقليمية مع الأسد فقط، بل تهدف أيضا إلى تعزيز عملية آستانه وأهميتها الراهنة.

ربط محادثات آستانه بجهود التطبيع الإقليمية من شأنه أن يؤسس لمسار فرعي آخر عقيم

ولا ريب في أن قيام روسيا بدور الوسيط بين النظام السوري وهذه الدول في القضايا المعقدة التي تتطلب عملا مكثفا، هو دليل قوي على نية روسيا في إعادة توظيف منصة آستانه كمنصة تفاوض مكملة لمسار التطبيع الإقليمي مع الأسد.
وإذا تمكنت روسيا من تأمين انضمام هذه الدول، وبالأخص الأردن ولبنان، فمن المحتمل أن يبقي ذلك محادثات التطبيع الإقليمية مع الأسد حية، ولكن على أجهزة الإنعاش. ومع ذلك، فإن السوابق التاريخية، مثل فشل روسيا وعملية آستانه في إعادة العلاقات بين تركيا وسوريا، تشير إلى أن نتيجة هذه المحاولة الجديدة لإحراز تقدم في القضايا المتعلقة بالمخدرات واللاجئين ومكافحة الإرهاب قد لا يكون مصيرها مختلفا.
لم يُظهر النظام أي رغبة حقيقية في تغيير موقفه التخريبي أو تقديم تنازلات ذات معنى. ولذلك، سيكون أمرا مضللا أن نفترض قدرة روسيا على استخدام القدر الذي لا تزال تحتفظ به من نفوذ على الأسد لإحياء محادثات التطبيع مع دمشق، التي أُعلن في السابق أنها ميتة سريريا.
ومع ذلك، فإن تمكن روسيا من ربط محادثات آستانه بجهود التطبيع الإقليمية من شأنه أن يؤسس لمسار فرعي آخر عقيم، مما يؤدي إلى صرف القدر الضئيل من الطاقة المتبقية بعيدا عن السعي لإيجاد حل سياسي للصراع السوري.

font change