حروب الأشباح

إيران لن تخرج من سوريا بضربات محدودة

حروب الأشباح

نشرت "رويترز" خبر سحب إيران لكبار ضباط "الحرس الثوري" الإيراني من سوريا بعد الضربات الإسرائيلية، ولفتت إلى أن "سحب إيران ضباطها من سوريا مرتبط بعدم رغبتها في الانجرار المباشر لصراع في المنطقة". ولكنها أضافت أن "إيران لا ترغب في إنهاء وجودها بسوريا رغم سحب الضباط".

وبغض النظر عن صحة ما نقلته "رويترز" عن مصدر أمني إقليمي كبير، كما وصفته، من عدمه، فإن الخبر بحد ذاته لا يبدو أكثر من رسالة سياسية في أكثر من اتجاه، رسالة لا يمكن لمتابع للأوضاع السورية أن يرى فيها إلا محاولات إيرانية جديدة لتثبيت احتلالها لسوريا حتى وإن ادعت العكس.

بداية، لقد تحولت سوريا إلى حلبة صراع لكل القوى والجهات التي ترغب في القتال وتوجيه رسائل دموية، وكأنها بقعة جغرافية خالية من البشر تستطيع أي دولة أو جهة خرق سيادتها، وقصفها، والقتال فيها وعليها دون أي رد حقيقي ممن يدعي أنه يمثل "الدولة". وليس آخرها إطلاق مسيّرة مفخخة من قبل ميليشيا "حزب الله العراقي" الموالية لطهران، واستهداف جنود أميركيين على الحدود السورية- الأردنية، وتسببها في مقتل ثلاثة جنود أميركيين وجرح العشرات، والفيلم الهوليوودي الأميركي بعد ذلك بخمسة أيام، وبعد تحذير وتنبيه وإعلام وإعلان بقصف مواقع إيرانية في كل من سوريا والعراق، لم تسفر عن مقتل إيراني واحد كما أعلنت السلطات الرسمية الإيرانية.

لذا من المهم اليوم التذكير بأن انسحاب عدد من ضباط "الحرس الثوري" الإيراني من عدمه من سوريا لا يمكن أن يقرأ بأكثر من كونه تكتيكا في المعركة الدائرة على الأراضي السورية بين إيران وميليشياتها من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، والولايات المتحدة أحيانا. والأمر لا يمكن أن يقرأ، كما يرغب البعض، بأنه بداية لانسحاب الاحتلال الإيراني من سوريا.

شحنات الكبتاغون والأسلحة المهربة يوميا من سوريا إلى الأردن من بين أساليب طهران لإخضاع عمان

قبل خبر الانسحاب المزعوم، نشرت "المجلة" وثائق إيرانية رسمية، سربتها "مجموعة قراصنة" معارضة لمسودات اتفاقات بين دمشق وطهران، بما فيها مسودة "مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي" بين البلدين. ومن يطلع على الوثائق سيتيقن أن الانسحاب الإيراني من سوريا أمر غير وارد، فالتدخل الإيراني في الشأن السوري والوجود الإيراني في سوريا، ليسا محصورين بوجود بضعة ضباط كبار من "الحرس الثوري"، لقد دخلت إيران وتدخلت في الجامعات والمدارس ودور العبادة وحتى في الآثار، ناهيك عن الاقتصاد والمرافق والاستثمارات التي وضعت طهران يدها عليها، والتغيير الديموغرافي والإحلال السكاني.
حتى إن الوثائق المسرية تكشف نوايا إيران تجاه الأردن، فسوريا ممر للمتوسط ولبنان وكذلك الأردن الذي يدرك الجميع أنه الهدف التالي لإيران بعدما وضعت يدها بالكامل على العراق وسوريا ولبنان، وليست شحنات الكبتاغون والأسلحة المهربة يوميا من سوريا إلى الأردن إلا أحد أساليب طهران لإخضاع الأردن، الذي كان ملكها عبدالله الثاني أول من حذر من المشروع الفارسي في المنطقة عام 2004.
الوثائق التي تحدثت عن "الاحتلال" الأميركي لسوريا ذكرت أهمية الممر الذي يربط إيران بالعراق وسوريا واعتبرت أن الوجود الأميركي في قاعدة التنف يحرم طهران من الوصول إلى المتوسط.
ومن بين وثائق أخرى سربتها مجموعة "ثورة لإسقاط النظام" المعارضة، من خلال اختراق موقع الرئاسة الإيرانية، فإن الميزانية التي أنفقتها إيران خلال الحرب في سوريا على مدى 10 سنوات تجاوزت 50 مليار دولار، لكن الاتفاقات التي تم إبرامها مع سوريا لاستعادة هذه الأموال لا تتجاوز 18 مليار دولار.

خروج إيران من سوريا يبدأ بإخراج من أدخلها وسلمها زمام البلاد من سدة الحكم

إيران أيضا وبالوثائق أبدت رغبتها في توطيد علاقة نظام بشار الأسد مع محيطه العربي، وتحدثت عن دورها من خلال بغداد لإعادة النظام إلى جامعة الدول العربية، هذه العودة التي ذكرت سابقا أنها أعطت صوتا إضافيا لإيران في الجامعة، وأرادت من خلالها طهران تخفيف العبء الاقتصادي عن كاهل النظام، وحث الدول العربية على الضغط لرفع العقوبات المفروضة عليه.
هذا بعض ما سرب، وما خفي كان أعظم. ولكن هذا البعض المسرب يؤكد أن من يستثمر كل هذه الأموال ويخلق كل هذه الميليشيات ويلقي بكبار ضباطه في سوريا، لن يخرج ببيان أو طلب وتمنٍ، ولن يخرج بضربات محدودة ومنسقة مسبقا مع أحد أذرعه، فطريق خروج إيران من سوريا يبدأ بخطوة، وهي إخراج من أدخلها إلى سوريا وسلمها زمام البلاد وأمنها واقتصادها وتاريخها وتراثها من سدة الحكم، وإن أقررنا أن هذه الخطوة لن تتحقق اليوم فعلينا أيضا أن ندرك أن خروج إيران من سوريا لن يتم قبل تحقيقها، ونقل ضابط من مكان إلى آخر وإحالة آخر على التقاعد، كل ذلك ليس سوى مشهد ضعيف الإخراج.

font change