الانتخابات المحلية في تركيا وتداعيات فوق المعتاد

هل يستعيد أردوغان اسطنبول؟

Reuters
Reuters
لوحتان انتخابيتان للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" في اسطنبول في 20 فبراير

الانتخابات المحلية في تركيا وتداعيات فوق المعتاد

تستعد الأحزاب السياسية التركية لخوض معركة صعبة في الانتخابات المحلية المقررة يوم 31 مارس/آذار 2024.

وعلى الرغم من أن المفترض ألّا تركز العملية الانتخابية المحلية على الانتماء الحزبي والقناعات الأيديولوجية، وإنما على أداء المسؤولين المحليين في تقديم الخدمات، فإن الحال لا يسير في تركيا على هذا المنوال، في أغلب الأحيان، ولا سيما في هذه الدورة التي ستشكل المعركة الانتخابية الأخيرة في الصراع السياسي الشامل على السلطة، على الأقل خلال السنوات الأربع المتبقية حتى الانتخابات العامة المقبلة.

يقف الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" الذي يتزعمه الآن على قمة هرم السلطة، فيما تحاول المعارضة تحقيق نصر من نوع ما مرة أخرى وإثبات قدرتها على أن تكون بديلا.

قبل عام تقريبا، وفي الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت في مايو/أيار- يونيو/حزيران، نجح أردوغان وحزب العدالة والتنمية، اللذان أنهكهما أكثر من عقدين من الزمن في السلطة، ورغم تعرضهما للدمار الذي خلفه الزلزال ورغم الصعوبات الاقتصادية التي واجهتهما، مرة أخرى في سحب الأرنب من القبعة.

بعد فترة وجيزة من إعادة انتخاب أردوغان رئيسا، وحصوله على أكثر من نصف إجمالي الأصوات بقليل وفوز حزبه بغالبية المقاعد في البرلمان، انهارت جبهة المعارضة الموحدة التي كانت تتكون من ستة أحزاب سياسية.

واستبدل زعيم وكبار مسؤولي حزب المعارضة الرئيس، "حزب الشعب الجمهوري"، فيما انهارت الأحزاب السياسية المعروفة باسم طاولة الستة أو تحالف الأمة، التي شاركت في الانتخابات العامة على أمل الاستحواذ على السلطة لكنها فشلت، وأخذ كل منها يلقي باللائمة في الفشل على الأطراف الأخرى.

لا تستمد إسطنبول أهميتها من كونها المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان فحسب، بل لأنها الأغنى بالموارد أيضا، وتدر الدخل والنفوذ للأحزاب السياسية

من ناحية أخرى، بقيت الشراكة بين حزب "العدالة والتنمية" الذي يتزعمه أردوغان وحزب "الحركة القومية" على حالها، دون أن تمس بأي أذى. وكان أي احتكاك داخلي، سواء داخل الحزب أو في أطراف الشراكة، يبقى شأنا داخليا ضمن الأسرة، على عكس المعارضة.
ولا يدخر الرئيس أردوغان وسعا في تقوية أنصاره وإقناع الناخبين بأنه خيارهم الأفضل مرة أخرى، معتمدا على تكتيكاته الانتخابية المعتادة، بما في ذلك خلق الاحتكاكات والتوترات أو تأجيج التوترات الموجودة.
أولئك الذين يصوتون لأردوغان وحزبه يفعلون ذلك من منطلق حبهم الشخصي لأردوغان، وولاءاتهم الحزبية وقناعاتهم الأيديولوجية، ولكن أيضا لأنهم يعتبرون أن مصالحهم الشخصية تكمن هناك. بينما يصوت النصف الآخر ضد أردوغان وحزبه للأسباب نفسها، ولكن بالاتجاه المعاكس.

Shutterstock

يتجلى هدف حزب "العدالة والتنمية" في استعادة البلديات التي خسرها في الانتخابات السابقة، بما في ذلك أنقرة وأنطاليا ومرسين، لكن جوهرة التاج ستكون إسطنبول كما هو الحال دائما. وكان حزب "العدالة والتنمية" قد خسر إسطنبول أمام حزب "الشعب الجمهوري" في الانتخابات البلدية لعام 2019، والتي ربما اعتبرت واحدة من أكبر هزائم أردوغان في مسيرته السياسية.
ولا تستمد إسطنبول أهميتها من كونها المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان فحسب، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 17 مليون نسمة، بل لأنها الأغنى بالموارد أيضا، وتدر الدخل والنفوذ للأحزاب السياسية.
واختار حزب "العدالة والتنمية" مرشحه ليتحدى عمدة إسطنبول الحالي، أكرم إمام أوغلو، وهو مراد كوروم، وزير البيئة والتخطيط العمراني والتغير المناخي. وتتمحور حملة كوروم حول موضوع "الحماية من الزلازل"، ذلك أن إسطنبول تعتبر منطقة زلازل وتحتاج المدينة إلى استعدادات كبيرة في مواجهة خطرها، بما في ذلك التحول العمراني حيث يجب استبدال المباني القديمة بمبان جديدة مقاومة للزلازل. يدعي مرشح "العدالة والتنمية" أنه قادر على تلبية هذه الاحتياجات بأعداد كبيرة وبسرعة.

تهدف جميع الأحزاب إلى تجاوز جمهورها من الناخبين والحصول على أصوات إضافية من الأحزاب الأخرى أو جذب الناخبين المتقلبين

وإنه لمن الغريب أن ترتكز الحملة الانتخابية لمرشح الحزب الذي يدير البلاد منذ 22 عاما على هذا الموضوع الآن، بينما يفترض أن الاستعداد لكارثة طبيعية بهذا الحجم أمر كان ينبغي القيام به منذ فترة طويلة دون أخذ الانتخابات في الاعتبار.

AFP
صيادون على جسر غلاطة في اسطنبول في 14 فبراير

تعد الزلازل مشكلة رئيسة في أجزاء أخرى من البلاد أيضا، خاصة في المدن التي تضررت بشدة من الزلزال المدمر الذي وقع في 6 فبراير/شباط 2023 في الجزء الجنوبي الشرقي من تركيا.
كان الرئيس أردوغان قد وعد بإعادة بناء سريعة وبجودة أفضل بكثير للمباني التي تعرضت للتدمير، لكن عدد المنازل التي بنيت وسلمت للناجين من الزلزال كان أقل من الوعود بكثير.
ألقى أردوغان مؤخرا خطابا في هاتاي، إحدى المدن الأكثر تضررا من زلزال فبراير العام الماضي، وتضمن خطابه تلميحا إلى أن المدن التي صوتت لصالح حزبه ستحظى بفرصة أفضل بكثير للحصول على الدعم.
وقد أثار هذا التصريح جدلا جديا، حيث إن عمدة هاتاي ينتمي إلى حزب "الشعب الجمهوري" وهو حزب المعارضة الرئيس.
تهدف جميع الأحزاب إلى تجاوز جمهورها من الناخبين والحصول على أصوات إضافية من الأحزاب الأخرى أو جذب الناخبين المتقلبين. وهم منخرطون جميعا بكثافة في تحقيق هذا المسعى، مثل عدم تسمية مرشح في منطقة معينة لصالح حزب آخر، مقابل خدمة مماثلة في مكان مختلف.
وكان كل من حزب "الفضيلة"، الذي انحاز إلى حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات العامة، وحزب "النصر القومي" المناهض للاجئين، والذي دعم مرشح حزب "الشعب الجمهوري" في الانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران، قد أعلنا أنهما سيخوضان الانتخابات مع مرشحيهما هذه المرة.
وفي هذا الصدد، فإن حزب "الشعوب الديمقراطي" المقرب من الأكراد (DEM)، يملك الفرصة الأفضل لإحداث تغيير حقيقي.

في الكثير من المناسبات، كان حزب "العدالة والتنمية" أصلا هو الذي كسر ما يحتاج إلى إصلاح

وتشير التقديرات إلى أن الأكراد يشكلون نحو 10 إلى 12 في المئة من مجموع الناخبين، الذين يصوتون عادة على أساس حزبي ويمكنهم ترجيح كفة الميزان في عدة أماكن. وبالتالي فإن وجود مرشح للحزب الكردي في إسطنبول قد يعني خسارة بعض ناخبي إمام أوغلو وتحسين فرص مرشح حزب "العدالة والتنمية".
حتى السياسة الخارجية تحولت إلى مادة انتخابية. كما أن موافقة تركيا على عضوية السويد في "حلف شمال الأطلسي"، والضوء الأخضر من الولايات المتحدة لبيع طائرات مقاتلة من طراز "F16" إلى تركيا في المقابل، وكذلك زيارة أردوغان لمصر بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي هي من بين قضايا السياسة الخارجية تلك.
حيث تهدف هذه التحركات في السياسة الخارجية أيضا إلى إيصال رسالة إلى الناخبين الأتراك مفادها أنه "إذا كان هناك من يستطيع القيام بذلك، فهو حزب العدالة والتنمية".  
لطالما استخدم أردوغان وحزبه هذا الشعار على مدى العقدين الماضيين، في رسالة تقول إن "كل ما يحتاج إلى إصلاح، فإن حزب العدالة والتنمية يمكنه إصلاحه".
ردا على هذا البيان المفرط في الثقة، تشير المعارضة إلى أنه في الكثير من المناسبات، كان حزب "العدالة والتنمية" أصلا هو الذي كسر ما يحتاج إلى إصلاح.
من المعروف أن أردوغان يتمتع بالإرادة والقدرة على القضاء على أي تحدٍّ لسلطته، ويقول بعض المراقبين السياسيين إنه إذا خرج منتصرا في الانتخابات المحلية، فستكون له اليد العليا على مدى السنوات الأربع القادمة لإجراء تغييرات جذرية بما في ذلك تعديل الدستور وإلغاء المحكمة الدستورية وحتى تقديم تفسير جديد للممارسات الدينية وللعلمانية.
ويعتبر هذا الأمر مدعاة حقيقية للقلق بالنسبة للكثير من الأتراك. ولكن أيا كان الحزب الفائز، فمما لا شك فيه أن نتائج الانتخابات سيكون لها تأثير كبير على المشهد السياسي التركي.

font change

مقالات ذات صلة