الانتخابات التركية... اردوغان يقاتل للفوز

يزيد وعوده للناخبين قبل الاقتراع

Majalla
Majalla

الانتخابات التركية... اردوغان يقاتل للفوز

يقود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحالفا انتخابيا من ستة أحزاب سياسية، هو "تحالف الجمهور"، وعلى رأسه حزب العدالة والتنمية (AKP)، ومرشحه الرئاسي هو أردوغان نفسه. وفي المقابل، رشّح "تحالف الأمة" ويتألف أيضا من ستة أحزاب سياسية، بقيادة حزب الشعب الجمهوري (CHP)، كمال كليشدار أوغلو، ليكون رئيسا للجمهورية. وكلا التحالفين يخوض معركة سياسية شرسة من أجل السلطة. وستجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو/أيار المقبل.

حكم رجب طيب أردوغان تركيا على مدار 22 عاما، أولا كرئيس للوزراء (2003 إلى 2014) ثمّ كرئيس للجمهورية (2014 حتى اليوم). ويعمل جاهدا من أجل انتخابه رئيسا للمرة الثالثة. وفي سبيل أن يحافظ حزب العدالة والتنمية على أغلبيته في البرلمان.

ستكون الانتخابات المقبلة هي الأصعبَ بالنسبة لأردوغان، وتشير الاستطلاعات، إلى أن كليشدار أوغلو اليوم في المقدمة. ولكن معسكر أردوغان، كما هو متوقع، يتجاهل هذه الاستطلاعات ويدعي أنه لا يزال يتمتع بمكانة متقدمة بشكل مريح.

يقود أردوغان تحالفا محافظا/ قوميا، وهو في الحقيقة أمر شديد الغرابة من نواح كثيرة. فقد تآزرت أحزاب قومية متطرفة وحزب متطرف للأكراد المتدينين، ومعها أحزاب انقسمت من أحزاب أخرى داخل التحالف، لتضمن إعادة انتخاب أردوغان.

وعلى الرغم من الهيكل المعقد لتحالف أردوغان، يصرّ الرئيس على انتقاد المعارضة باعتبارها مجموعة من الأحزاب التي ليس لديها أي شيء مشترك سوى الطموح الأعمى لإبعاده عن السلطة. ويقول إن المعارضة ليس لديها رؤية أو مشروع و"ستخرج تركيا عن مسارها وهي في طريقها إلى القيادة العالمية".

تشير الاستطلاعات، إلى أن كليشدار أوغلو اليوم في المقدمة. ولكن معسكر أردوغان، كما هو متوقع، يتجاهل هذه الاستطلاعات ويدعي أنه لا يزال يتمتع بمكانة متقدمة بشكل مريح.

وكثف أردوغان جهوده لوصم كليشدار أوغلو وحلفائه بأنهم متعاونون مع منظمة حزب العمال الكردستاني، التي تصنفها تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية، ويزيد أن كليشدار أوغلو، في حال انتخابه، سوف يفرج في لمحة عين عن المدانين بالإرهاب.

بيد أن المعارضة تسخر من مزاعم أردوغان باعتبارها مهزلة انتخابية.

AP
لافتة انتخابية للرئيس رجب طيب أردوغان في أحد شوارع إسطنبول، 27 أبريل، 2023.

الاقتصاد سيحدد توجهات الناخبين

يأتي في مقدمة الاهتمامات في هذه الانتخابات الاقتصاد التركي، الذي يعاني من خلل ملحوظ، فحتى مكاتب الإحصاء الحكومية، التي ترسم في العادة صورا وردية إلى أقصى حد ممكن، لم تعد تستطيع إخفاء ذلك.

في العام 2002، صوّت الناس لصالح حزب العدالة والتنمية بسبب سوء الاقتصاد وزلزال عام 1999. الآن، بعد 21 عاما، إذا قُيِّض لأردوغان وحزب العدالة والتنمية أن يخسرا الانتخابات، فسيكون ذلك بسبب الاقتصاد والزلزال الجديد.

واليوم، تكشف البيانات الاقتصادية بشكل عام أن تركيا عادت، من حيث التضخم ومستويات المعيشة ومعدلات الفقر، إلى مستويات عام 2002. وازداد أيضا مستوى التضخم وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى حدّ كبير، وحتى الضروريات، مثل الغذاء، باتت مكلفة للغاية لدرجة جعلت الناس أكثر فقرا وقوتهم الشرائية أقل.

شكّل زلزال فبراير/شباط الماضي، الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص، تحديا خطيرا لأردوغان، الذي تعرض هو وحكومته لانتقادات شديدة لعدم اتخاذ تدابير وقائية في مناطق الزلزال المعروفة الواقعة على خطوط الصدع، وأيضا للتأخر في التدخل وعدم كفايته بعد الكارثة.

يأتي في مقدمة اهتمامات هذه الانتخابات الاقتصاد التركي، الذي يعاني من خلل ملحوظ، فحتى مكاتب الإحصاء الحكومية، التي ترسم في العادة صورا وردية إلى أقصى حد ممكن، لم تعد تستطيع إخفاء ذلك.

EPA
أردوغان ومنافسوه في إحدى بطاقات الاقتراع.

ويتعين على أردوغان الآن أن ينجح في إقناع الناس بأنه القائد القادر على تحسين الاقتصاد وإعادة بناء المناطق التي ضربها الزلزال وضمان أن يتمكن الناس من أن يعيشوا بشكل آمن ومقاوم للزلازل في جميع أنحاء تركيا.

هناك جملة من الأسباب التي تجعل الاقتصاد أمام صعوبات كبرى، في مقدمتها سوء الإدارة وخضوع الاقتصاد لسيطرة شخص واحد هو الرئيس، وفقدان البنك المركزي استقلاليته، والتضخم. ويرى كثير من الاقتصاديين والخبراء الآخرين أن طريقة أردوغان وسياساته في معالجة هذه المشكلة لم تكن الخيار الصحيح، فقد أصر أردوغان على خفض أسعار الفائدة على الرغم من ارتفاع التضخم، وغالبا ما كان يردّد، على خلاف رأي النقاد، أنه دارس للاقتصاد ويعرف ما يفعله.

إلى ذلك، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بشكل لا يليق بمؤهلات تركيا وإمكانياتها. إن ما يبحث عنه المستثمرون ليس خطابات العظمة للسياسيين، ولكن قضايا أخرى، مثل الثقة في البلد المضيف.

ولذلك، يحتاج أردوغان، إذا أراد الخروج من هذا الوضع، إلى أشخاص ذوي مهارات وسمعة طيبة في الاقتصاد يمكنهم إعادة بناء الثقة. أحد هؤلاء هو علي باباجان، نائب رئيس الوزراء السابق والذي كان مسؤولا عن الاقتصاد، ولكن الرجل استقال من حزب العدالة والتنمية وأنشأ حزبه الخاص، وهو الآن جزء من تحالف "الأمة". الاسم الآخر هو محمد شيمشك، وزير المالية السابق الذي التقى بأردوغان مؤخرا، ووعد بأن يفعل ما في وسعه دوما لمساعدة الاقتصاد التركي، ولكنه رفض الدخول مرة أخرى في السياسة النشطة.

وبالفعل، أطلق أردوغان، في محاولة لكسب قلوب الناس وأصواتهم، عددا من المخططات الشعبوية، فضاعف الحد الأدنى للأجور، ونجح في اعتماد القانون الذي طال انتظاره بشأن التقاعد المبكر وإطلاق خطة قروض عقارية مواتية نسبيا، تغطي من خلاله الدولة نصف تكلفة المنازل، في مسار التحول الحضري وإعفاءات من الديون الضريبية.

كل هذه الأمور تبدو جيدة، لكن كثيرا من الاقتصاديين والخبراء حذّروا، إلى جانب نقاط أخرى، من تكلفة هذه المبادرات على الخزانة وتأثيرها على التضخم.

وفي مجال دمل جروح الزلزال، انخرطت الحكومة في مخططات كبرى لإعادة بناء البلدات والمدن التي ضربها الزلزال وبناء وحدات سكنية أصلب وأمتن وتستخدم أفضل المواد في كل مكان.

ويبقى السؤال الكبير هو: لماذا لم يتم القيام بذلك في السنوات العديدة التي قضاها حزب العدالة والتنمية في السلطة. إن التسرع في اتخاذ الخطوات مع التركيز على الانتخابات والقيام بمهمة بهذا الحجم دون تخطيط مناسب تلقي بظلال من الشك على نتيجة هذه الجهود.

يحتاج أردوغان، إذا أراد الخروج من هذا الوضع، إلى أشخاص ذوي مهارات وسمعة طيبة في الاقتصاد يمكنهم إعادة بناء الثقة.


يستند أردوغان في حملته الانتخابية إلى شعار "الوقت المناسب، الرجل المناسب للقرن التركي". وتركز رسالة "تحالف الشعب" على أنه خلال 22 عاما في ظل حكم أردوغان، أكملت تركيا بنيتها التحتية من الطرق والجسور والمطارات وما إلى ذلك، وبنت صناعة دفاعية قوية وهي الآن في طريقها إلى الريادة العالمية. ولا شك أن الحكومة قامت بالفعل بعدة مشاريع مهمة.

من هذه المشاريع:

السيارة الكهربائية الوطنية التركية (TOGG) صارت تجري على الطرقات، وبات الوزراء يتجهون إلى حملاتهم الانتخابية في تلك السيارات.

تم تشغيل حاملة الطائرات "أناضول" (TCG Anadolu)، التي صممتها وطورتها إسبانيا وتم بناؤها في إسطنبول، وفتحت الناقلة للزيارة العامة طوال عطلة العيد، فقام عشرات الآلاف بزيارتها.

وجرى تسليم أول دفعة من الغاز الطبيعي إلى محطة كهرباء على البر التركي من احتياطي تم اكتشافه في البحر الأسود، وترافق ذلك مع إعلان أردوغان أن الأسر التركية ستكون قادرة على الحصول على الغاز التركي مجانًا لفترة معينة.

وقد عُرضت هذه الإنجازات على الجمهور في احتفالات براقة وبثت على جميع القنوات التلفزيونية قبل الانتخابات بفترة وجيزة، وكان الهدف من ذلك إثارة إعجاب الجمهور كجزء من رؤية أردوغان لنقل تركيا إلى المستقبل.

وتجد هذه الإنجازات صدى طيبا بين الأتراك من جميع قطاعات الطيف السياسي تقريبا، بيد أن المعارضة تنتقد ما تسميه خلافات وعلامات استفهام في الكواليس في كل مشروع من هذه المشاريع.

Reuters
مناصرون لمرشح المعارضة كمال كليشدار أوغلو.

وبالإضافة إلى إنجازاته الاقتصادية، قدم الرئيس أردوغان أيضا السياسة الخارجية كمثال على نجاحه. والحق أن حكومة حزب العدالة والتنمية، التي كانت قد اختلفت مع عدد من الدول المهمة في الشرق الأوسط، حاولت جاهدة، في العامين الماضيين، عكس هذا المسار، وأحرزت بالفعل بعض التقدم في العلاقات مع معظم البلدان التي توترت العلاقات معها، على الرغم من أن المشاكل معها لم تتوقف تماما.

وفيما يتصل بالعلاقات مع سوريا، على الرغم من أن الحكومة بذلت أفضل ما تستطيع لتحسين العلاقة مع الأسد، فإن الأخير حرص على وجود مسافة بينه وبين أردوغان، وقال علنا بأن "تكون تركيا جاهزة بشكل واضح ودون أي التباس للخروج الكامل من الأراضي السورية، والتوقف عن دعم الإرهاب".

وكما كان الحال في الأيام الخوالي، يواصل أردوغان نوبات غضبه العرضية حول بعض القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية، سوى أن ردود أفعاله ونبرته أكثر ليونة كما تبدّى في مثالي الأعمال الإسرائيلية في الحرم القدسي الشريف خلال شهر رمضان، واعتقال راشد الغنوشي في تونس.

يشعر الرئيس أردوغان بالاستياء من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ووجه مؤخرا سهام نقده للسفير الأميركي في أنقرة بسبب زيارته كمال كليشدار أوغلو، خصمه الرئيسي في السباق الرئاسي.

حكومة حزب العدالة والتنمية، التي اختلفت مع عدد من الدول المهمة في الشرق الأوسط، حاولت جاهدة، في العامين الماضيين، عكس هذا المسار، وأحرزت بالفعل بعض التقدم على الرغم من أن المشاكل لم تتوقف تماما.


إذا أعيد انتخاب الرئيس أردوغان في 14 مايو/أيار المقبل، فمن المتوقع أن تستمر سياساته "الشعبوية والبرغماتية للغاية" في العلاقات الدولية، حيث ستكون هناك حاجة إلى موارد من خارج تركيا لإصلاح الاقتصاد.

قد يواجه أردوغان صعوبات، وقد يكون متراجعا في استطلاعات الرأي، ولكنه لا يزال يتمتع بقاعدة صلبة من المؤيّدين المتعصبين.

ولعل التحدي الأكبر بين التحديات الكثيرة التي يواجهها هو الاقتصاد. وهو يحاول جاهدا تعويض خسائره من خلال الوعد بكل الأشياء التي يقول إنه سيفعلها إذا جرى انتخابه، بما في ذلك خفض أسعار المواد الغذائية ومعاقبة من يتسبب في ارتفاع الأسعار.

لدى أردوغان الكثير ليخسره إذا لم تتم إعادة انتخابه. وبالتالي، فهو مستعد تماما لفعل كل ما يتطلبه الأمر لكي لا يخسر.

font change

مقالات ذات صلة