"قمة بلومبرغ" في جدة... خطوة جديدة في تحول السعودية إلى مركز رياضي عالمي

تعقد بالتزامن مع سباقات "فورمولا وان" وتجمع شخصيات رائدة في صناعة الرياضة

Nash Weerasekera
Nash Weerasekera

"قمة بلومبرغ" في جدة... خطوة جديدة في تحول السعودية إلى مركز رياضي عالمي

في أواخر عام 2022 عندما التقت السعودية والأرجنتين في بطولة كأس العالم الماضية، بدا وكأن العالم يتعرف للمرة الأولى على شغف السعوديين بالرياضة على نطاق واسع. الآلاف من المشجعين الذين احتشدوا في الملعب خلف منتخبهم في مباراة ميؤوس منها من الناحية النظرية كانوا في حد ذاتهم دليلا على عمق جذور الاهتمام بالرياضة في المجتمع السعودي. لكن اللحظة التي انطلقت فيها صافرة النهاية معلنة فوز السعودية المفاجئ على المنتخب الأرجنتيني الذي أنهى المونديال بطلا للعالم كانت أكبر من أن لا تستفيد منها الرياض، لتتحول إلى إحدى القاطرات التي تدفع بلادهم إلى بُعد مختلف في عالم الرياضة.

قد تكون كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في السعودية تماما كغيرها من جيرانها في المنطقة، لكن المشروع الرياضي السعودي لا يبدو محصورا فقط على تغذية اهتمام الجمهور المحلي بلعبته المفضلة. الدفعة الفنية والجماهيرية التي نالها الدوري المحلي بعد فوز المنتخب على الأرجنتين بوصول نجوم عالميين من أمثال كريستيانو رونالدو وكريم بنزيمة ونيمار وغيرهم كانت حيوية للفت أنظار العالم لبطولة تحاول الصعود لمنافسة البطولات التقليدية في عالم الكرة، لكنها أيضا كانت فرصة لتسليط الضوء على الفرص التي يقدمها الاستثمار السعودي لتغيير واقع صناعة الرياضة بشكل عام، حتى في بعض الرياضات التي قد تبدو للوهلة الأولى بعيدة عن أولويات المشاهد المحلي.

واحدة من تلك الرياضات هي سباقات "فورمولا وان"، التي تحتضن مدينة جدة على شريطها الساحلي في مارس/آذار المقبل جولة من بطولة العالم للعام الرابع على التوالي. وبالتزامن مع ذلك الحدث تعقد قمة "بلومبرغ باور بلايرز" التي تجمع بحسب منظميها شخصيات رائدة في صناعة الرياضة لبحث آخر التوجهات والأفكار حول مستقبل قطاع الرياضة العالمي، الذي يبدو أن السعودية بدأت في رسمه بالفعل باهتمام يعكس أهمية القطاع في الرؤية المستقبلية لمستقبل البلاد ولدور المملكة الدولي.

ربما تنال الاستثمارات لجلب لاعبي كرة القدم العالميين إلى الدوري السعودي النصيب الأكبر من الاهتمام الإعلامي المصاحب لتحركات المملكة الرياضية، خاصة مع التهديد الذي تشعر به بعض الكيانات الكروية الكبرى في أوروبا من تسارع وتيرة انتقال لاعبيها إلى السعودية، لكن دور هذه الاستثمارات في إعادة رسم خريطة عالم الرياضة يبدو أوضح ما يكون في رياضة الغولف. اللعبة اهتزت أركانها بدعم صندوق الاستثمارات العامة السعودي لمشروع بطولة "ليف غولف" (Liv Golf)التي نمت كقوة منافسة لجولة "بي جي إيه"(PGA) الأميركية الشهيرة، ونجحت في سنوات قليلة في جذب كبار نجوم اللعبة للانضمام إليها.

تنال استثمارات جلب لاعبي كرة القدم العالميين إلى الدوري السعودي النصيب الأكبر من الاهتمام الإعلامي المصاحب لتحركات المملكة الرياضية

من آخر هؤلاء كان الإسباني "جون رام" الذي أعلن نهاية العام الماضي عن انضمامه إلى "ليف غولف". الضغط الذي شعرت به جولة "بي جي إيه"منذ ظهور منافستها المدعومة سعوديا مهد الطريق في النهاية لاتفاق لدمج البطولتين، لتتغير مفردات تلك الرياضة وتبدأ مرحلة مختلفة بظهور طرف جديدعلى الساحة، بعد ما يقرب من قرن من الهيمنة الأميركية المطلقة على مقدرات هذه اللعبة.

ولعل أماندا ستافليلي التي ستكون حاضرة في قمة بلومبرغ في جدة من أقدر من يمكنهم الحديث عن طموح صندوق الاستثمارات العامة السعودي في عالم الرياضة. السيدة التي تشغل حاليا منصب الرئيس التنفيذي المشارك في نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي مرت مع مسؤولي الصندوق بتجربة الاستحواذ على النادي في عام 2021 بينما كان يصارع لتفادي الهبوط للدرجة الثانية. لكن الاستثمار المحسوب في ناد يتمتع بقاعدة جماهيرية كبيرة وتاريخ كروي لا بأس به أتى بثماره سريعا بشكل لم يتوقعه أكثر المتفائلين.

بعد عامين بالضبط من تاريخ الاستحواذ كانت ستافليلي ومسؤولو النادي يحتفلون مع مشجعيه بأول مشاركة للفريق في دوري أبطال أوروبا منذ عشرين عاما، في وقت غابت فيه أندية كبرى مثل تشيلسي وليفربول عن البطولة نفسها، وفي ظل منافسة من أندية كبرى تستثمر مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية في كل موسم. يقدم مشروع نيوكاسل حتى الآن مثالا على نمط استثمار أكثر تدريجية يختلف عن ذلك الذي قدمه الصندوق السعودي في الغولف، والخطوات الصغيرة التي يخطوها النادي نحو القمة الكروية في الدوري الإنجليزي تحاول أن تمضي بحذر لا يضع النادي تحت ضغط تحقيق نتيجة عاجلة للإنفاق السخي، ولا يعرضه لعقوبات مادية تعرضت لها أندية أخرى أبرزها إيفرتون لم تلتزم بحدود ما تسمح به القوانين المالية للدوري الإنجليزي الممتاز. 

لم يكن غريبا على سبيل المثال أن تقدم الرياض في العامين الماضيين تشكيلة من النزالات بين كبار الملاكمين نالت حفاوة متابعي اللعبة عالميا

وفوق ما تقدمه السعودية من فرص للاستثمار في الأشكال التقليدية للرياضة تغير من واقعها الحالي، يبدو أن للابتكار مكانا في الرؤية السعودية بشأن ما قد يحمله المستقبل. الاستثمار غير المسبوق للمملكة في مجال الألعاب الإلكترونية من جهة، واستحداث بطولات في رياضات مختلفة من جهة أخرى يمثلان التجديد الذي تأتي به الرؤية السعودية لتلبية احتياجات متابعي الرياضة من الجيل الجديد الذي نشأ في ظل ثورة الاتصالات والباحث عن التجديد كطبيعة أي جيل صاعد.

لم يكن غريبا على سبيل المثال أن تقدم الرياض في العامين الماضيين تشكيلة من النزالات بين كبار الملاكمين نالت حفاوة متابعي اللعبة عالميا، أو بطولة تضع كبار المصنفين العالميين في التنس وجها لوجه، أو أن تصبح ملاذا سنويا لبطولات السوبر الكروية لأكبر الأندية الإسبانية والإيطالية بشكل موسع عما اعتادوا عليه في بلدانهم. ولعل القادم يحمل المزيد، خاصة في ظل توافد لصناع الرياضة من مختلف مجالاتها على أحداث رياضية أصبح عاديا أن تقام في المملكة التي لا يبدو أن مشروعها الرياضي سيتوقف عند اللحظة التي ستدخل فيها التاريخ عندما تصبح أول دولة تنظم بمفردها كأس العالم لكرة القدم بمشاركة 48 منتخبا عام 2034 في حدث كفيل بترسيخ مكانتها كمركز رياضي عالمي.

font change


مقالات ذات صلة