ما بعد 7 أكتوبر كما قبله؟

ما حل بالفلسطينيين كيف يتم إصلاحه؟

ما بعد 7 أكتوبر كما قبله؟

مع اقتراب مرور خمسة أشهر على بدء الحرب الهمجية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والفلسطينيين، وسقوط أكثر من 28 ألف فلسطيني وفلسطينية وتهجير ما يقارب مليوني فلسطيني من بيوتهم في القطاع، تتوالى الأنباء عن تقدم في المفاوضات التي تجري في العاصمة الفرنسية باريس بمشاركة وفد إسرائيلي برئاسة رئيس الموساد ديفيد برنيع، ورئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز، ورئيس وزراء قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل، في محاولة للوصول إلى صفقة بين إسرائيل و"حماس".

وفيما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن مسؤولين مطلعين أن "المفاوضات كانت جيدة واستمرت لفترة أطول من المخطط لها"، تحدثت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية عن "أربعة مطالب لحماس تعارضها إسرائيل".

وكان رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية قد سبق وأعلن أن "مقترح وقف إطلاق النار يجب أن يُفضي إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي وإنهاء العدوان كليا ورفع الحصار وإعادة الإعمار وإنجاز صفقة تبادل متكاملة وعودة جميع سكان شمال القطاع".

يقف المرء طويلا أمام مطالب حركة "حماس" ويسأل: هل هذه هي أهداف عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها "حركة المقاومة الإسلامية" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الفائت؟ فالحركة بهذه المطالب تريد العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر، وعمليات تبادل الأسرى بين الطرفين ليست بجديدة ولا وليدة عملية السابع من أكتوبر.

هل أدركت "حماس" أن إيران وميليشياتها لم ولن يقدموا شيئا في رحلة تحرير فلسطين؟

لقد نجحت "حماس" يوم السابع من أكتوبر في إظهار ضعف إسرائيل على المستوى الأمني والسياسي والعسكري، وكسرت ليلتها مقولة "الجيش الذي لا يقهر"، وفرح قسم كبير من الشعوب العربية وانتشى بالنصر، ولكن منذ الثامن من أكتوبر والفلسطينيون في غزة يدفعون ثمن هذا "الانتصار" وحدهم، فآلة الإجرام الإسرائيلي لم تدع وسيلة إلا واتبعتها لقتل وتجويع وتهجير أهالي غزة، ولكن ألم تقم أساسا دولة إسرائيل على القتل والإجرام والتهجير؟ فهل يعقل أن "حماس" تفاجأت بقدرة إسرائيل على الإجرام؟
قد يقول البعض إن "حماس" أخطأت في حساباتها عند القيام بالعملية، أو إنها راهنت على دعم وتدخل فصائل "المقاومة" في المنطقة، كما تذكر الوثائق المسربة. ولكن ألم نكتفِ من تجميل الحقائق؟ ألم ندفع أثمانا كبيرة جدا لأننا رفضنا تسمية الأمور بأسمائها؟ نعم إسرائيل مجرمة ويجب أن تحاسب على كل نقطة دم سالت في غزة وغير غزة، ولكن هل يحق للفلسطينيين أيضا ومعهم كل الشعوب العربية وغير العربية المتألمة لمصاب أهالي غزة أن يحاسبوا حكومة "حماس" في غزة سياسيا وأخلاقيا؟ الخطأ يمكن إصلاحه، ولكن ما حل بالفلسطينيين كيف يتم إصلاحه؟ وهل بالنية الطيبة تدار شؤون البلاد والمواطنيين؟ ألم تكن النتيجة واضحة منذ اللحظة الأولى لمن يتعقل ولو قليلا؟ فكيف لم تكن واضحة لمن هم في سدة الحكم والمسؤولية؟
الأولوية اليوم هي لوقف إطلاق النار الفوري في غزة، ولا شيء ولا أحد يحق له أن "يجاهد" بدماء الفلسطينيين، معركة فلسطين هي معركة تحرر وطنية يخوضها الفلسطينيون وليست رحلة انتحار أو نحر جماعي للفلسطينيين في غزة.
وقف إطلاق نار فوري تلحقه خارطة طريق فلسطينية- فلسطينية، تنهي الانقسام الفلسطيني، وتنضوي بموجبه جميع الفصائل التي تؤمن بقيام دولة فلسطين تحت مظلة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بالتزامن مع إصلاحها، ولكن هل أدركت "حماس" أن إيران وميليشياتها لم ولن يقدموا شيئا في رحلة تحرير فلسطين؟ وأن أجندتهم في الواقع لا تختلف عن أجندة إسرائيل، وأن فلسطين ليست سوى ذريعة ومادة للمتاجرة والضحك على أصحاب العقول البسيطة؟

تعليق ردة فعل العالم بانتظار حكم محكمة العدل الدولية عار أخلاقي على الجميع

وإن كان من حق الفلسطينيين محاسبة "حماس" على ما ألحقته بغزة، وهي الحكومة المسؤولة في غزة وعنها، فإنه على العالم بأسره أن يحاسب إسرائيل على الفظائع التي ارتكبتها وترتكبها. لم يعد مقبولا أن تبقى إسرائيل "طفلا مدللا" لعالم يدعي التحضر، فالمشاهد الآتية من غزة يوميا على مدى الشهور الخمسة الماضية برهنت أن حكومة يرأسها بنيامين نتنياهو ومن هو على شاكلته لا مكان لها في عالم متحضر أو عالم يدعي أنه يسعى للسلام، وإن اختار العالم أن تبقى إسرائيل خارج رادار المحاسبة فلا يستغرب أحد كم نتنياهو جديد قد يطل علينا في إسرائيل وغير إسرائيل.
وأيا كان حكم محكمة العدل الدولية سواء حكم لصالح الفلسطينيين أو ضدهم، فإن تعليق ردة فعل العالم بانتظار حكم المحكمة هو عار أخلاقي يقع عبؤه على الجميع، فالدول والشعوب والمنظمات الدولية مطالبة بأن تمسك زمام المبادرة وتدين إسرائيل على جرائمها، وتعاقبها دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا، هذا ما يمليه القانون الدولي وقواعد العدل والإنصاف التي يفترض أن تحكم عالم اليوم، أما تعليق كل شيء بانتظار ما سيقوله 15 قاضيا جليلا فهو مجرد هروب من استحقاق أخلاقي، وهو تلطٍ وراء محكمة لا تملك من القوة سوى قوة كلمتها الأخلاقية.

font change