هل يبعد شهباز شريف باكستان عن حافة الهاوية؟

تبشر عودته إلى السلطة بفصل جديد في المشهد السياسي

أ ف ب
أ ف ب
باكستانيان يشاهدان عبر شاشة التلفاز رئيس الوزراء الجديد شهباز شريف في كراتشي في 4 مارس

هل يبعد شهباز شريف باكستان عن حافة الهاوية؟

يشكل صعود شهباز شريف، السياسي المخضرم وشقيق رئيس الوزراء السابق نواز شريف، إلى منصب رئيس الوزراء للمرة الثانية، تحولا فائق الأهمية في الأحداث. ويشير فوزه الحاسم في الجمعية الوطنية بحصوله على 201 صوت، إلى تحول كبير في الديناميات السياسية في باكستان ويثير التساؤلات حول الوجهة المستقبلية للحكم والقيادة فيها.

قلة من الشخصيات، في التاريخ السياسي الباكستاني المعقد، هي التي تثير الاهتمام والفضول كما يثيرها شهباز شريف. فقد أحدث صعود هذا السياسي المحنك وشقيق نواز شريف رئيس الوزراء السابق إلى منصب رئيس الوزراء للمرة الثانية تداعيات عبرت الطيف السياسي كله في البلاد. ويراقب المجتمع الدولي باهتمام، كيف ينبسط مسار الحكم في باكستان تحت قيادة شهباز على خلفية من التحديات الهائلة والتحالفات المعقدة والسعي الدؤوب لتحقيق الاستقرار والتقدم.

تكمن في قلب انتصار شهباز شريف قصة المرونة والبصيرة السياسيتين. ففي تحول فائق الأهمية للأحداث، جاء تفويضه المدوي، إذ حصل على غالبية حاسمة في الجمعية الوطنية، ليمثل ذلك تحولا كبيرا في الديناميات السياسية في باكستان. وانتصار شهباز، الذي حظي بدعم من رئيس "الرابطة الإسلامية الباكستانية" (جناح نواز) وائتلاف من سبعة أحزاب أخرى، يؤكد جاذبيته الدائمة ونفوذه في المشهد السياسي. كما أن إلحاقه الهزيمة بعمر أيوب خان، المدعوم من "الحركة الوطنية من أجل العدالة" (تحريك إنصاف)، والمرشح من "مجلس الاتحاد السني"، عزز موقعه بوصفه رئيس وزراء باكستان الرابع والعشرين.

اتسمت الجلسة الافتتاحية للجمعية الوطنية، رغم تأخرها قليلا، بالترقب والأجواء المتوترة. وبينما اجتمع المشرعون ليشهدوا هذه اللحظة التاريخية، مهدت تلاوة خاشعة من الآيات القرآنية وترديد النشيد الوطني المسرح لتنصيب شهباز شريف. وأضفى حضور شخصيات سياسية بارزة منهم نواز شريف وبيلاوال بوتو جاذبية على المناسبة، وتأكيدا على أهمية عودة شهباز إلى السلطة.

يواجه شهباز شريف سلسلة معقدة من التحديات الدبلوماسية

إلا أن الطريق أمام شهباز شريف تحفه التحديات. فعدم الاستقرار الاقتصادي والاستقطاب السياسي والتهديدات الأمنية والتعقيدات الدبلوماسية تلوح بظلالها الكبيرة في الأفق، على نحو يستدعي اهتماما فوريا بها واتخاذ إجراءات حاسمة. ومع تولي شهباز منصبه يتطلع الناخبون والآمال بالتغيير والتقدم تحدوهم، إلى قيادته وما سيقدمه من حلول للقضايا الملحة التي تواجه الأمة.

أ ف ب
شبهاز شريف (الثاني من اليسار) يؤدي اليمين إلى جانب الرئيس الباكستاني عارف علوي في إسلام آباد في 4 مارس

 تحتل مهمة إنعاش الاقتصاد الباكستاني موقع الصدارة في أجندة شهباز. فمع ارتفاع التضخم وانكماش الاحتياطي من العملات الأجنبية وتزايد العجز في الميزانية، يعد الاستقرار الاقتصادي أمرا بالغ الأهمية لرفاهية الأمة. وقد تعهد شهباز بتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي شامل يركز على تحفيز النمو وجذب الاستثمار الأجنبي وخلق فرص عمل جديدة. وشهدت فترة ولايته السابقة كرئيس للوزراء تطويرا كبيرا للبنية التحتية وإصلاحات اقتصادية، بما يوفر اساسا للسياسات الاقتصادية لإدارته الحالية. 
كما ينبغي على شهباز بالإضافة إلى التعامل مع التحديات الاقتصادية، أن يدير دفة المشهد السياسي المعقد في باكستان. ففي ظل تنافس مجموعات متنوعة من الأحزاب السياسية وجماعات المصالح على السلطة والنفوذ، سوف يشكل عقد التحالفات وبناء الإجماع ضرورة أساسية للحكم الفعال. وما يتمتع به شهباز من خبرة في السياسة الائتلافية مع حذاقته الدبلوماسية وبصيرته السياسية، تضعه في موقع أفضل لإدارة دفة التعقيدات السياسية في الساحة الباكستانية.
لا يزال الأمن مصدر قلق عميق لباكستان، إذ تشكل النزاعات الداخلية والإرهاب والتوترات الإقليمية تهديدات كبيرة للاستقرار والسلم. وعلى حكومة شهباز أن تعطي الأولوية للأمن القومي وأن تعزز هيئات إنفاذ القانون وجهود مكافحة الإرهاب لحماية الأمة ومواطنيها. ويكشف سجله الحافل في الحفاظ على القانون والنظام في فترة ولايته السابقة كرئيس لوزراء البنجاب عن التزامه بالأمن والاستقرار.
أما على الساحة الدولية، فيواجه شهباز شريف سلسلة معقدة من التحديات الدبلوماسية. فلا تزال علاقات باكستان مع الدول المجاورة ولا سيما الهند وأفغانستان علاقات متوترة، حيث تؤدي النزاعات الطويلة الأمد والصراعات الإقليمية إلى زيادة حدة التوترات. ونهج شهباز البرغماتي الذي يؤكد على الحوار والتعاون وحل الصراعات، في التعامل مع السياسة الخارجية، يوفر طريقا محتملا للسلام والاستقرار في المنطقة. وستؤدي شبكة علاقاته الدولية الواسعة وخبرته الدبلوماسية دورا رئيسا في حسن إدارة علاقات باكستان الخارجية.
وفي خضم التحديات الكثيرة التي تواجه باكستان، ينبغي على حكومة شهباز شريف أن تعطي الأولوية للمصالحة الوطنية والوحدة. فالاستقطاب السياسي والانقسامات الأيديولوجية أدت إلى إعاقة التقدم وإلى عرقلة الجهود المبذولة لمعالجة القضايا الملحة التي تواجه الأمة. وأسلوب شهباز في القيادة الذي لا يقصي أحدا والتزامه ببناء الإجماع يوفران الأمل في رأب الصدع السياسي وتعزيز روح التعاون بين جميع الأطراف المعنية. وتستطيع حكومة شهباز بتعزيزها ثقافة الحوار والتعاون، أن تمهد الطريق لتحقيق تقدم ملموس وتنمية مستدامة في باكستان.

من المتوقع أن يواصل شهباز شريف إرث شقيقه نواز

وإذ تتصدر مزاعم التزوير والمخاوف من المساءلة السياسية مقدمة المشهد السياسي الباكستاني، تقتضي معالجة هذه المخاوف بذل جهود متناسقة بغية تعزيز المؤسسات الديمقراطية وضمان الفصل بين السلطات. وتشير ادعاءات أحزاب المعارضة بتلاعب المؤسسات القوية إلى مشكلة أوسع نطاقا وتحتاج إلى المعالجة دعما لمبادئ الديمقراطية في باكستان.
وعند التفكير في الولاية السابقة لحزب "الرابطة الإسلامية الباكستانية- جناح نواز شريف"، من المهم أن نلاحظ الإنجازات الكبيرة التي تحققت بقيادة نواز شريف. فعندما تولى حزبه السلطة عام 2013، كانت باكستان تواجه تحديات كبيرة، بما فيها آثار الحرب على الإرهاب والانقطاع الشديد في الكهرباء. فتعاملت حكومة شريف مع هذه التحديات على نحو مباشر، مما أدى إلى الحد كثيرا من انقطاع الكهرباء ومعالجة القضايا الملحة الأخرى. وعلى الرغم من هذه الإنجازات لا تزال التحديات قائمة، وسوف يُقاس نجاح زعامة شهباز بمدى قدرته على إدارة دفة باكستان في هذه الأوقات العاصفة.

رويترز
مؤديون لرئيس الوزراء السابق عمران خان يراقبون صدور نتائج الانتخابات على الشاشة في إسلام آباد في 8 فبراير

وبينما ينبسط المشهد السياسي، من المتوقع أن يواصل شهباز شريف إرث شقيقه نواز. وتأتي رغبته في إعادة تشكيل باكستان كقوة اقتصادية عند منعطف حرج. وإذا كتب لقيادة شهباز النجاح في هذا الوقت الذي تواجه فيه البلاد تحديات على جبهات متعددة، فقد تشكل المسار الذي سيأخذه مستقبل باكستان. أما إذا كان قادرا على تأمين الدعم المطلوب والتعامل مع القضايا الحزبية الداخلية وحشد دعم الجيش، فهو أمر لا يزال قيد الانتظار، غير أن انتخابه رئيسا للوزراء يشكل نقطة انعطاف محتملة في المشهد السياسي المعقد في باكستان.
تبشر عودة شهباز إلى السلطة بفصل جديد في المشهد السياسي الباكستاني، يتسم بالمرونة والعزيمة والتجديد. وتبدأ فترة ولايته الثانية كرئيس للوزراء، والأمة تقف عند منعطف حرج تواجه فيه تحديات هائلة وعقبات صعبة. إلا أن ما يتمتع به شهباز من التصميم والرؤية والالتزام الثابت برفاهية الشعب، تجعله قادرا على ترك إرث دائم من التقدم والازدهار في باكستان، سيتردد صداه، ليس داخل البلاد فحسب، بل في الساحة العالمية أيضا.

يشدد خبراء المال على حاجة باكستان الملحة إلى استئناف المفاوضات مع "صندوق النقد الدولي"

ومع تطور المشهد السياسي، سيؤدي نواز شريف دور صانع الملك الواثق من قدرته على إخراج هذه الدولة النووية، التي يبلغ عدد سكانها 240 مليون نسمة بأغلبية مسلمة، من المشاكل التي تواجهها من خلال أشخاص مختارين بما فيهم شهباز شريف ومريم نواز في كل من الوسط والبنجاب على التوالي.
ويعاني الاقتصاد الباكستاني الهش ضغوطا متزايدة مع تراجع الصادرات وتوقف الاستثمار الأجنبي المباشر توقفا تاما. وتعزى أسباب هذا الوضع إلى حد كبير إلى المناخ السياسي المضطرب في البلاد وتدهور الوضع الأمني. وستكون الحكومة الجديدة بأمس الحاجة إلى حزمة إنقاذ طارئة بقيمة 6 مليارات دولار من "صندوق النقد الدولي" لتفادي الانهيار الاقتصادي.
والسؤال الملح هو، هل تملك الحكومة الائتلافية التي يقودها رئيس الوزراء شهباز شريف القدرة على التفاوض بشأن المساعدات الحيوية التي يقدمها "صندوق النقد الدولي" والارتقاء إلى مستوى التحدي الهائل المتمثل في تحقيق استقرار اقتصاد البلاد.
يشدد خبراء المال على حاجة باكستان الملحة إلى استئناف المفاوضات المتوقفة مع "صندوق النقد". فالبلاد عليها التزامات مالية كبيرة تجاه الصندوق وموعد استحقاقها يقترب بسرعة. والفشل في التوصل إلى اتفاق معه قد تكون له عواقب وخيمة على اقتصاد البلاد.
 الوقت ينفد، وعلى حكومة شريف أن تعالج هذه الأزمة الاقتصادية على الفور. ولكن نجاح جهودها الرامية إلى إبعاد باكستان عن حافة الهاوية يظل أمرا غير مؤكد.

font change

مقالات ذات صلة