نتائج الانتخابات الباكستانية تضر بآفاق تحسين العلاقات مع الهند

في "خطاب النصر" تحدث شريف بإيجابية عن "الدول المجاورة"

AFP
AFP
رئيس "الرابطة الاسلامية - جناح نواز شريف" شاهباز شريف يتحدث أثناء مؤتمر صحافي في لاهور في 13 فبراير

نتائج الانتخابات الباكستانية تضر بآفاق تحسين العلاقات مع الهند

ثمة اعتقاد على نطاق واسع بأن الجيش الباكستاني يتمتع بسلطة حاسمة على السياسة الخارجية للبلاد وعلاقاتها مع الهند. علاوة على ذلك، كانت العوامل الجيوسياسية، ولا سيما الصراع الروسي الأوكراني واهتمام الولايات المتحدة الكبير بهذا الشأن، وراء الإطاحة بعمران خان، الذي أقيل من منصبه من خلال التصويت على الثقة في الجمعية الوطنية شهر أبريل/نيسان 2022.

وجرى ذلك من خلال مناورة سياسية منسقة بدقة، حين اتحدت مجموعة من الأحزاب السياسية المتنوعة تحت اسم "الحركة الديمقراطية الباكستانية"، وعارضت بشكل جماعي إدارة "حركة إنصاف الباكستانية" بقيادة عمران خان. واعتبر المراقبون السياسيون المتمرسون هذا الحدث بمثابة انقلاب، وأيد عمران خان نفسه هذه الفكرة في انتقاداته المتكررة لقائد الجيش السابق قمر جاويد باجوا والولايات المتحدة، واتهمهم بتدبير "مؤامرة" ضده.

وكشف مولانا فضل الرحمن، رئيس الحركة الديمقراطية الشعبية، في مقابلة تلفزيونية أن كلا من باجوا ورئيس المخابرات السابق الفريق فايز حميد، كانا على اتصال مع "جميع" أحزاب المعارضة، لتوجيههم حول كيفية المضي في عملية سحب الثقة من الحركة.

ولكن بغض النظر عن الرأي السائد، فإن الحكومة المدنية والمسؤولين فيها يلعبون دورا هاما في تشكيل السياسة الخارجية الباكستانية وتنفيذها. وفي هذا السياق، فإن وجهات النظر والميول الشخصية والقدرات الفكرية لرئيس الوزراء ووزير الخارجية والدبلوماسيين تكتسب أهمية بالغة.

وكان حظر عرض الأفلام الهندية في باكستان من بين الخطوات التي اتخذتها إدارة عمران خان للاحتجاج على قرار نيودلهي في أغسطس/آب 2019 بإلغاء وضع الحكم الذاتي المحدود لمنطقة جامو وكشمير الخاضعة للإدارة الهندية بموجب المادة 370 من الدستور الهندي. وفي عام 2022، وصف عمران خان أفلام بوليوود بـ"القمامة".

تستمتع عائلة شريف علنا بأغاني الأفلام الهندية وتحاكي طقوس الزفاف في بوليوود، ما يعكس ارتباطا أوسع وأكثر عمقا بالهند

وعلى النقيض من سلوك العائلات السياسية الأخرى، تستمتع عائلة شريف علنا بأغاني الأفلام الهندية وتحاكي طقوس الزفاف في بوليوود، ما يعكس ارتباطا أوسع وأكثر عمقا بالهند. ولنتذكر أن نواز شريف، الذي تولى رئاسة وزراء باكستان ثلاث مرات، كان على علاقة إيجابية مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، كما حافظ على علاقاته مع الراحل أتال بيهاري فاجبايي، وهو عضو في حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، المعروف بموقفه القومي الهندوسي، حاله حال رئيس الوزراء الهندي الحالي مودي (73 عاما) الذي يتوقع فوزه بفترة ولاية ثالثة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وكان نواز شريف (74 عاما)، زعيم حزب "الرابطة الإسلامية الباكستانية– جناح نواز" (PML-N)، يفكر في التنافس على المنصب مرة أخرى، غير أنه قرر أن يعهد بمهمة رئاسة الوزراء لشقيقه شهباز شريف (72 عاما)، في حال تمكن حزبه من تشكيل حكومة ائتلافية.

AFP
مسؤولون في "حركة الإنصاف الباكستانية" المؤيدة لرئيس الوزراء السابق عمران خان أثناء مؤتمر صحافي في إسلام آباد في 19 فبراير

وبالفعل خلف شهباز عمران كرئيس للوزراء في عام 2022، ويعتقد أنه يتمتع بعلاقة مريحة مع المؤسسة العسكرية. ومن المرجح أن يتمتع نواز بصفته رب الأسرة بنفوذ كبير في أي حكومة تقودها "الرابطة الإسلامية الباكستانية- جناح نواز".
وأوضح زعيم الحزب خواجة آصف، وزير الدفاع السابق- وهو جزء من الدائرة الداخلية لشريف- ذلك كثيرا في تصريحاته المنشورة، حين قال: "نواز هو القائد. وحتى لو لم يصبح رئيسا للوزراء، فإن كل قرار أخير سيكون له".
وفوق ذلك، سترشح ابنة نواز، مريم نواز (50 عاما) لمنصب رئيس وزراء البنجاب، الإقليم الذي يضم أكثر من نصف سكان باكستان البالغ عددهم 240 مليون نسمة. ومن المتوقع أن يدعم زعيم حزب الشعب الباكستاني بيلاوال بوتو زرداري (35 عاما) نجل رئيسة الوزراء السابقة المحبوبة التي قضت اغتيالا، بيناظير بوتو، مرشح "حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية- جناح نواز" في الانتخابات التشريعية لرئاسة الوزراء. وكان بيلاوال شغل سابقا منصب وزير الخارجية في الحكومة التي شكلت بعد إقالة عمران خان.
في المقابل، رشحت "حركة إنصاف" الباكستانية عمر أيوب خان، حفيد أول دكتاتور عسكري في باكستان، المشير أيوب خان، الذي قاد البلاد من عام 1958 إلى عام 1969، لمنصب رئيس الوزراء.

يزعم حزب "حركة إنصاف" الباكستانية أنه حرم من تحقيق نصر كبير بسبب التزوير

رسالة مخفية للهند

وفي "خطاب النصر" الذي ألقاه حتى قبل وضع اللمسات النهائية على النتائج الرسمية للانتخابات، ألمح نواز شريف بمهارة إلى إمكانية تحسين العلاقات مع الهند. وأضاف: "إننا نطمح إلى تعزيز علاقاتنا مع المجتمع الدولي والدول المجاورة لنا"، مشددا على أن "باكستان لا تستطيع حاليا تحمل أي شكل من أشكال الصراع". واعتبرت وسائل الإعلام الهندية تصريحاته بمثابة رسالة "خفية"، و"غير مباشرة" للهند.
وتحدث نواز أيضا عن وضع خطة استراتيجية لإخراج باكستان من الاضطرابات السياسية والاقتصادية السائدة. لكن غموض نتائج الانتخابات، مع عدم تحقيق أي حزب نصرا حاسما، يزيد من تعقيد تشكيل حكومة مستقرة قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة في السياسة الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالهند.
شابت انتخابات 8 فبراير/شباط الكثير من الجدل، لكنها أظهرت مع ذلك أن عمران خان وحزبه لا يزالان يتمتعان بشعبية كبيرة، على الرغم من الاضطهاد المستمر لمؤيديهم وقادتهم، مع العلم أن عمران، الذي نجا من محاولة اغتيال في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، لا يزال مسجونا منذ أغسطس/آب من العام السابق، ومعه شاه محمود قرشي، الرجل الثاني في قيادة الحزب ووزير الخارجية السابق.
وكانت المحكمة العليا الباكستانية قد رفضت استخدام حزب "حركة إنصاف" الباكستاني لشعارها التصويتي الخاص، مضرب الكريكت، وهو ما مثل عيبا كبيرا بحق "حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية– جناح نواز" وحزب الشعب الباكستاني. ولذلك قدم الحزب مرشحيه كمستقلين. ومع ذلك، فهم لا يزالون يتصدرون العدد الإجمالي لمقاعد الجمعية الوطنية.
وزعم حزب "حركة إنصاف" الباكستانية أنه حرم من تحقيق نصر كبير بسبب التزوير، وأُعلن عن خسارة العشرات من مرشحيه على الرغم من فوزهم في فرز الأصوات.
ويبقى من الواضح أن نتيجة الاستطلاع لا تساعد على انتهاج سياسة خارجية قوية، وخاصة التعامل مع الهند. فعند التعامل مع الجيران الآخرين مثل إيران وأفغانستان والصين، لا تزال وزارة الخارجية تدير الأمور بتوجيه من المؤسسة العسكرية.

عاد نواز إلى باكستان في أكتوبر الماضي بعد نحو أربع سنوات في المنفى الاختياري، وحرمته المحكمة العليا من تولي أي منصب بسبب مزاعم فساد

أما عند التعامل مع الهند، تصبح الدبلوماسية أكثر تعقيدا وشدة، وتخضع لرقابة إعلامية مكثفة. ورغم أن حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية- جناح نواز قد يحظى بدعم المؤسسة الحاكمة، إلا أن الشرعية العامة تلعب دورا أكبر في المناورات الدبلوماسية مع الهند.
وبالنسبة للهند، لم يكن التعامل مع عمران أو قرشي سهلا. إذ كانا مصرين على أن تحسن العلاقات مع الهند مرتبط بتراجع نيودلهي عن قرار إلغاء الحكم الذاتي لكشمير. وتعتبر قضية كشمير قضية مستعصية على الحل، وستظل كذلك في الدبلوماسية الهندية الباكستانية.
ومع ذلك، يمكن مناقشة أشياء عادية أخرى. وهي أيضا مواضيع لها حساسية معينة في العلاقة بين الجارتين المسلحتين نوويا.
ومن بين هذه المواضيع، يمكن مناقشة عرض الأفلام الهندية عبر الحدود وعرض المسلسلات التلفزيونية الباكستانية في الهند. كما يمكن استكشاف روابط التجارة والنقل بين البلدين، واستعادة التمثيل الدبلوماسي إلى مستواه السابق ما قبل عام 2019، وتعزيز العلاقات في مجالي السفر والرياضة.
وكانت باكستان قد أوقفت آخر رابط نقل مع الهند، وهي خدمة الحافلات التي تربط لاهور مع نيودلهي، في عام 2019 بعد تحرك الهند بشأن كشمير.
وقد بدأ الزعيم الهندي فاجبايي دبلوماسية الحافلات الشهيرة، عند وصوله إلى لاهور عام 1999، واستقبله نوار شريف بحرارة. إلا أنه وخلال أشهر قليلة، اندلعت حرب كارجيل بين البلدين. وفي العام نفسه، أطاح قائد الجيش الجنرال برويز مشرف بنواز شريف. وتولى مشرف رئاسة باكستان منذ عام 2001 إلى عام 2008، وشهدت فترة حكمه فترات من الدبلوماسية الشهيرة والسيئة مع الهند.
ومنذ انتهاء حكم مشرف لم يتمكن الجيش من السيطرة على الحكومة بشكل مباشر، بل كان يمارس نفوذه داخل نظام هجين فعلي، وكثيرا ما كان يتكيف مع قيادة مدنية ضعيفة. وفي الوضع السياسي الحالي، يتعين على الجيش استعادة الدعم الشعبي الذي فقده بسبب الغضب من الطريقة التي أطيح بها بعمران والحملة ضد "حركة إنصاف" الباكستانية. 
وتظل جدوى المبادرات الدبلوماسية تجاه الهند غير مؤكدة، نظرا للمتطلبات الملحة للشؤون الداخلية.
علاوة على ذلك، هناك نهج نواز القيادي الخاص في التعامل مع الهند. فبعيدا عن السياسة، تمتلك عائلة شريف مصالح تجارية كبيرة وتحتفظ بعلاقات مع كبار رجال الأعمال الهنود. وكانت ولاية نواز الثالثة كرئيس للوزراء قد امتدت من عام 2013 إلى عام 2017، قبل أن تكشف فضيحة "أوراق بنما" عن تورطهم في معاملات عقارية خارجية، ملقية بظلالها على سمعة العائلة.

AFP
مظاهرة في منطقة مورو من مقاطعة السند في 20 فبراير ضد ما يقال إنه تجاوزات في الانتخابات الباكستانية العامة

وعاد نواز إلى باكستان في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي بعد ما يقرب من أربع سنوات قضاها في المنفى الاختياري. وحرمته المحكمة العليا من تولي أي منصب بسبب مزاعم الفساد عام 2017.
ومن الغريب أن نواز لم يعين وزيرا للخارجية، بل أدار العلاقات الخارجية من خلال مستشار. وبالنسبة لدولة مسلحة نوويا ولها ارتباطات واسعة النطاق مع القوى الكبرى وتفاعلات وثيقة داخل منظمة التعاون الإسلامي، فإن أمرا كهذا كان يعتبر غريبا لا يمكن تفسيره.
وكان لنواز أسلوب دبلوماسي خاص. فعلى سبيل المثال، لم يعلم المفوض السامي الباكستاني في نيودلهي أن القادة الهنود والباكستانيين سيجتمعون في أوفا الروسية، في قمة منظمة شنغهاي للتعاون عام 2015 إلى أن سمع بذلك من بعض الصحافيين.
وسافر بيلاوال، الذي كان وزيرا للخارجية خلال رئاسة شهباز للوزراء، إلى الهند لحضور اجتماع وزاري لمنظمة شنغهاي للتعاون في مايو/أيار 2023.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يسافر فيها وزير خارجية باكستاني إلى الهند منذ 12 عاما، وأول زيارة رفيعة المستوى منذ أن حضر نواز حفل تنصيب مودي عام 2014. ولم تتضمن زيارة بيلاوال أي ارتباطات ثنائية، وكشفت الكلمات الحادة التي تبادلها الجانبان بشكل غير مباشر طبيعة العلاقة بينهما.
ويواجه رئيس الوزراء الباكستاني المقبل، ووزير الخارجية، والقيادة العسكرية المقبلة، تحديات كبيرة.

font change

مقالات ذات صلة