بايدن في خطاب "حالة الاتحاد"... محاولة لتحسين الصورة الانتخابية

ركز على نقاط ضعف خصمه ترمب

أ.ف.ب
أ.ف.ب
الرئيس الأميركي جو بايدن يلقي خطابه الثالث عن حالة الاتحاد في قاعة مجلس النواب بمبنى الكابيتول في العاصمة واشنطن في 7 مارس 2024

بايدن في خطاب "حالة الاتحاد"... محاولة لتحسين الصورة الانتخابية

نجح الرئيس جو بايدن البارحة، في خطاب حالة الاتحاد، بعدم ارتكابه خطأ فادحا يعيد تركز انتباه الأميركيين على النقطة الأضعف في رئاسته: عمره الكبير بما يعنيه من افتقاد القدرة على التركيز. تعتقد أغلبية أميركية ساحقة، نحو 86 بالمئة، أن عمر بايدن ( 81 عاماً) كبير على نحو يعيق قدرته على أن يكون رئيسا فاعلا لفترة رئاسية ثانية.

حاول الرجل على مدى 67 دقيقة تبديد هذا الانطباع الشعبي القوي، وهو يلقى خطابه بنشاط وحضور ذهني عال، في قاعة الكونغرس الرئيسية، المكتظة بكل زعماء وممثلي الدولة الأميركية تقريبا من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، ومسؤولين في إدارته وقضاة المحكمة العليا وقادة القوات المسلحة فضلاً عن ضيوف كثيرين تصدرهم رئيسا وزراء فنلندا والسويد، آخر عضوين ينضمان لحلف لناتو. باستثناء بعض الكلمات التي كررها ليصحح لفظها بسبب سرعته المعروفة في نطق الجمل، القى الرجل خطاباً ناجحاً في إطار التحديات التي تعترض طريقه لفترة رئاسية ثانية.

كانت الحيوية بادية عليه منذ دخوله القاعة وهو يؤدي التقليد الرئاسي المعتاد بقضاء بعض الوقت وهو يحيي مبتسماً الحاضرين ويلتقط الصور مع بعضهم ويمازح البعض الآخر، قبل اعتلاء المنصة والبد بإلقاء الخطاب.

حاول الرجل على مدى 67 دقيقة تبديد الانطباع الشعبي القوي عن تقدمه في العمر، وهو يلقى خطابه بنشاط وحضور ذهني عال، في قاعة الكونغرس الرئيسية

أمضى بايدن عطلة نهاية الأسبوع، مع مساعديه، في منتجع كامب ديفيد، يتدرب على الخطاب الذي يحظى عادةً بأعلى نسب مشاهدة بالنسبة للرؤساء الأميركيين (خطابات دونالد ترامب رئيساًحظتَ بمتابعة أعلى من الجمهور، تقريباً 47 مليون مشاهد  لترامب في عام  2019 مقابل  أكثر من 27 مليون لبايدن في 2023، السنة الثالثة لحكم كل واحد منهما).

كان خطابه انتخابيا بامتياز بتركيزه على ما يعتبره الديموقراطيون نقاط الضعف الأقوى في سجل ترمب الذي لم يذكره بايدن بالاسم مكتفيا بالاشارة اليه ب "سَلَفي" ونقاط قوة إدارته الديموقراطية.  استهل الحديث بدعم ترامب لروسيا ورفض مجلس النواب الذي يهيمن عليه الجمهوريون بأقلية بسيطة، إمرارَ حزمة المساعدات العسكرية لأوكرانيا البالغة نحو 60 مليار دولار. 

هنا كانت استعادته خطاب حالة الاتحاد للرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت في 1941، ضربةً بارعة ضد تعنت الجمهوريين الحالي لصد الاعتداء الروسي على أوكرانيا و"الدفاع عن الديموقراطية،" عبر المقارنة الضمنية بين فلاديمير بوتين وادولف هتلر.

في ذلك العام وقف روزفلت، الرئيس الديموقراطي ذو الشعبية العالية وصاحب الاصلاحات الأهم في أميركا القرن العشرين، محاججاً ضد الانعزال الأميركي الذي قاده الجمهوريون حينها واثمانه الفادحة إذا لم تقف الولايات المتحدة ضد ألمانيا النازية بوصف الأخيرة "عدوة الديموقراطية". 

كان خطابه انتخابيا بامتياز بتركيزه على ما يعتبره الديموقراطيون نقاط الضعف الأقوى في سجل ترمب

لكن القضايا الأهم التي تناولها الخطاب واستغرقت معظمه  ارتبطت بالشأن الداخلي، وعلى رأسها الهجرة غير الشرعية والاقتصاد. يواجه بايدن الكثير من الانتقاد بسبب تصاعد معدلات الهجرة غير الشرعية عبر الحدود الجنوبية مع المكسيك (في شهر ديسمبر الماضي، اعترض حرس الحدود الأميركي نحو  ربع مليون شخص  حاولوا عبور الحدود على نحو غير شرعي)، إذ حاول إلقاء اللوم على الجمهوريين الذين رفضوا إمرار قانون حماية الحدود الأخير، بعد ربطهم المتعسف له بالمساعدة العسكرية لأوكرانيا، وتدخل ترمب الشخصي، الذي أشار اليه بايدن في الخطاب، مع المشرعين الجمهوريين لحثهم على رفض إمرار القانون رغم ان يستوفي معظم المطالب الجمهورية.

الهجرة قضية مهمة في هذه الانتخابات، إذ يعتبرها نحو 57 من الناخبين أولوية تحتاج التعامل معها، وحجج بايدن ضد التصلب الجمهوري بهذا الصدد لن تكون مؤثرة على المدى البعيد، رغم صحتها عموماً لأن الناس يتعاملون مع الهجرة غير الشرعية كواقع يومي تتحمل الإدارة التي في البيت الأبيض نتائجها.

أ.ف.ب
نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس تصفق بعد أن أثنى عليها الرئيس جو بايدن خلال خطاب حالة الاتحاد مع رئيس مجلس النواب مايك جونسون في واشنطن

جاء مقتل الطالبة الجامعية في ولاية جورجيا لَيكن رايلي البالغة من العمر 22 عاماً نهاية الشهر الماضي، على يد مهاجر فنزويلي غير شرعي ليمنح الجمهوريين فرصة مواتية لإظهار فشل بايدن في ملف الهجرة غير الشرعية.

فقد سارع الجمهوريون في مجلس النواب بامرار مقترح قانون يحمل اسم القتيلة "قانون لَيكن رايلي" كي يتصادف مع إلقاء الرئيس خطاب حالة الوحدة لتوجيه ضربة سياسية له واحراجه اعلامياً. يطالب مشروع القانون أن تقوم السلطات الاتحادية باحتجاز المهاجرين غير الشرعيين من المتهمين بالسرقة. ليس لمشروع القانون هذا فرصة حقيقية بأن يصبح قانونا نافذا بسبب المعارضة له في مجلس الشيوخ.  

الهجرة قضية مهمة في هذه الانتخابات، إذ يعتبرها نحو 57 من الناخبين أولوية تحتاج التعامل معها

أكثر من أي قضية أخرى، احتل الاقتصاد، الذي يعده 73 بالمئة من الأميركيين القضية الانتخابية الأهم، الوقت الأكثر من الخطاب. رغم أن الأرقام تدعم بايدن بقوة كحصول نحو 15 مليون أميركي على وظائف وانخفاض التضخم من أعلى نسبة له منذ أربعين عاماً، في عام 2022 حين بلغ 8 بالمئة  الى 4.1 بالمئة في عام 2022، لا يشعر أغلبية الأميركيين (نحو 80 بالمئة) هذه الأرقام في حياتهم اليومية، خصوصاً في ظل الأسعار المرتفعة للمواد الاستهلاكية بضمنها الغذائية على أثر جائحة كورونا.

لم تتراجع هذه الأسعار على نحو ملحوظ حتى مع التراجع الملحوظ للتضخم. هذا هو التحدى الأكبر أمام بايدن ففي آخر المطاف يُصوّت الناس  على أساس الانطباعات وليس الأرقام. ما لم تتغير هذه الانطباعات على مدى الأشهر الثمانية المقبلة، كما يأمل مساعدون لبايدن، مع استمرار تحسن الأرقام بخصوص الاقتصاد، فسيواجه الرجل مشكلة حقيقية بإقناع الكثير من المترددين بالتصويت له في انتخابات نوفمبر.

احتل الاقتصاد، الذي يعده 73 بالمئة من الأميركيين القضية الانتخابية الأهم، الوقت الأكثر من الخطاب

ما يثير الانتباه في خطاب بايدن هو تعامله مع الحرب في قطاع غزة كقضية داخلية، وليست ضمن شؤون السياسة الخارجية، كما فعل في إشارته إلى الحرب الأوكرانية-الروسية.

يعكس إسهابُ الرجل في إظهار تعاطفه مع عناء الفلسطينيين وجهود إدارته لتخفيف هذا العناء عبر إنشاء ميناء مؤقت على ساحل البحر الأبيض المتوسط لنقل المساعدات إلى القطاع المنكوب قلقاً متصاعداً في أوساط حملته الانتخابية من فقدان الدعم الانتخابي لقسم مؤثر من الجمهور التقليدي الديموقراطي من العرب والمسلمين والشباب، خصوصاً من طلاب الجامعات.

بدت كلماته نابعة عن إحساس حقيقي وصادق بالتعاطف مع الفلسطينيين، لكن الوقائع والخطوات الملموسة التي يتخذها لوقف الحرب في غزة وإعادة بنائها هي التي ستقنع هذا الجمهور الديموقراطي المتشكك وليس فقط المشاعر الطيبة والنيات النبيلة. هذا تحد آخر لبايدن أمامه اشهر للتعاطي معه على نحو عملي يتجاوز الكلمات وبراعة القائها.

font change

مقالات ذات صلة