مرشحان ضعيفان يتنافسان على الرئاسة الأميركية

رويترز
رويترز
مؤيد لترمب يرفع لافتة مناهضة للرئيس جو بايدن اثناء تجمع انتخابي في مدينة روما في ولاية جورجيا في 9 مارس

مرشحان ضعيفان يتنافسان على الرئاسة الأميركية

الحزب الديمقراطي ليس في أسعد أيامه، فرغم أن الاقتصاد الأميركي ينمو، وسوق الأوراق المالية في وول ستريت في أفضل حالاتها، ونسبة البطالة في أقل مستوياتها، فثمة أمر آخر يقض مضاجع الديمقراطيين، وهو انخفاض شعبية الرئيس بايدن في الكثير من استطلاعات الرأي الوطنية. أحد المخاوف الملحوظة أن 59 في المئة من الناخبين المسجلين في استطلاع أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" مع وكالة "سيينا"، أواخر فبراير/شباط الماضي، أعربوا عن وجهة نظر غير مواتية لبايدن.

يُظهر التاريخ أن المرشحين الرئاسيين يجدون صعوبة بالغة في الفوز بالانتخابات عندما يكون لدى غالبية الناخبين رأي سلبي تجاههم. وفي الاستطلاع المذكور، قال 65 في المئة من الناخبين إن الولايات المتحدة تسير في الاتجاه الخاطئ، ما يشير إلى رغبة الناخبين الكبيرة في تغيير الاتجاه، وهذا لا يبشر بالخير عادة بالنسبة للرئيس الذي يكون في البيت الأبيض. ومثل جميع استطلاعات الرأي الأخيرة، قال نحو ثلاثة أرباع الناخبين في هذا الاستطلاع إن جو بايدن أكبر من أن يكون رئيسا فعالا.

ليس من المفاجئ إذن أن تظهر جميع استطلاعات الرأي الوطنية الأخيرة أن دونالد ترمب يتقدم قليلا على بايدن بين الناخبين المحتملين، على الرغم من أن الهامش ليس كبيرا جدا، ففي استطلاع "التايمز"/سيينا، تقدم ترمب بنسبة 48 في المئة مقابل 44 في المئة لبايدن، بينما أظهر استطلاع أجرته صحيفة "وول ستريت جورنال" أيضا في الأسبوع الأخير من فبراير حصول ترمب على 47 في المئة مقابل 45 في المئة لبايدن. وأظهر استطلاع أجرته شبكة "سي بي إس نيوز" منذ بداية مارس/آذار أن 52 في المئة من الناخبين يدعمون ترمب مقارنة بـ48 في المئة لبايدن. وتشير استطلاعات الرأي أيضا باستمرار إلى تقدم ترمب على بايدن في الولايات الانتخابية المتأرجحة، وهي أريزونا ونيفادا وجورجيا ونورث كارولينا وميتشيغان وويسكنسن وبنسلفانيا. وأشار أحد المحللين الأسبوع الماضي إلى أن تقدم ترمب في جورجيا وأريزونا ينمو بشكل مطرد، ما يجعل من الضروري جدا أن ينجح بايدن في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في ميتشيغن وويسكنسن وبنسلفانيا للحفاظ على البيت الأبيض.

تحسن الظروف الاقتصادية يمكن أن يعزز مكانة بايدن لدى الناخبين

لا يمكن المبالغة في الأهمية الحاسمة لولاية ميتشيغن في الانتخابات المقبلة بالنسبة لبايدن، خاصة في ظل تحفظات الجالية العربية الأميركية على ترشيحه. ويؤكد فوز بايدن بفارق ضئيل في ميتشيغن عام 2020 (150 ألف صوت)، أهمية كل صوت، خاصة عند الأخذ في الاعتبار أن 100 ألف ديمقراطي في الانتخابات التمهيدية بالولاية اختاروا عدم دعمه. إن التردد في تعديل سياسته بشأن غزة قد لا يساعد في التأثير على هؤلاء الناخبين البالغ عددهم 100 ألف في نوفمبر. بالإضافة إلى ذلك، يواجه الحزب الديمقراطي مخاوف بشأن التحول التدريجي لبعض الناخبين السود والهسبانيين (الأميركيين اللاتينيين) نحو ترمب، وهو اتجاه مثير للقلق بالنظر إلى أن هذه المجموعات كانت لردح طويل من الزمن تشكل قاعدة رئيسة للحزب، ناهيك عن الناخبين الشباب الذين خرجوا بأعداد كبيرة عام 2020 للتصويت ضد دونالد ترمب ودعم بايدن. كما تشير الدراسات الاستقصائية الأخيرة والأدلة على أرض الواقع في ولايات مثل ميتشيغان إلى أن الناخبين الأصغر سنا لم يعودوا متحمسين لبايدن.

لا بديل للحزب الديمقراطي


لقد استفاقت حملة بايدن الانتخابية وبدأت تأخذ الاحتجاجات حول غزة في التجمعات الانتخابية لبايدن بعين الاعتبار، وراحت تغير من تكتيكاتها. وذكرت شبكة "إن بي سي نيوز" في الأول من مارس أن بايدن سيتحدث في تجمعات صغيرة مع الناخبين لتجنب الاحتجاجات بشأن غزة. كما ستخفف الحملة أيضا من زيارات الرئيس إلى الجامعات التي تكررت فيها الاحتجاجات حول غزة. وهذا يعني أن بايدن سيلتقي بعدد أقل من الناخبين بشكل عام وعدد أقل من الناخبين الأصغر سنا مقارنة بهيلاري كلينتون على سبيل المثال في عام 2016.

أ ف ب
ترمب يتحدث اثناء تجمع انتخابي للحزب الجمهوري في مدينة فانداليا في ولاية اوهايو في 16 مارس

ولا تزال قيادة حملة إعادة انتخاب بايدن متفائلة، وهي تذكرنا بأن الانتخابات لا تزال على بعد ثمانية أشهر وأن تحسن الظروف الاقتصادية يمكن أن يعزز مكانة بايدن لدى الناخبين. بالإضافة إلى ذلك، لا يرى الحزب الديمقراطي حاليا أي بديل عملي لبايدن. كان عضو الكونغرس دين فيليبس منافسا في الانتخابات التمهيدية، لكن بايدن حقق انتصارات حاسمة في الانتخابات، ما عزز موقعه كمرشح متوقع للحزب. ونظرا للتوقيت، فقد فات الأوان لظهور أي مرشح جديد وبناء حملة تنافسية للانتخابات التمهيدية المقبلة. لذلك، ومع ثبات نية بايدن في السعي لإعادة انتخابه عام 2024، فإنه من المقرر أن يكون مرشح الحزب الديمقراطي، على الرغم من التحديات والمخاوف التي تواجه حملته.

من في كيسه نصف مليار دولار نقدا؟


تشير حملة إعادة انتخاب بايدن إلى التحديات الداخلية التي يواجهها الحزب الجمهوري، وتسلط الضوء على القيود والانقسامات المالية التي يواجهها، وخاصة في الولايات الحاسمة مثل أريزونا وجورجيا وميتشيغان. هذه المعارك الداخلية، التي تدور في الغالب بين الموالين لترمب والجمهوريين المعتدلين، تؤول تدريجيا في صالح ترمب. ومع ذلك، فإن هذه الانقسامات على مستوى الولايات يمكن أن تعيق جهود الحزب الجمهوري لجمع الأموال للحملات الانتخابية لمرشحيه في الكونغرس وحكومات الولايات. وسوف يكون تأثير هذه الانقسامات على مستوى الولايات على حملة ترمب الرئاسية الوطنية أقل. بسبب نهجها المباشر في جمع التبرعات، والذي يعتمد بشكل كبير على التبرعات عبر الإنترنت من قاعدة صلبة من المؤيدين المخلصين.

تشكل الضغوط المالية تحديا كبيرا لحملة ترمب، وسط معاركه القانونية المستمرة

ومع ذلك، فإن حملة بايدن محقة عندما تؤكد أن ترمب، رجل الأعمال السابق، يعاني من مشكلة نقدية، بعد أن تسببت إدانة ترمب في محاكمتين مدنيتين في نيويورك في فرض عقوبات مالية ضخمة، ما يؤدي إلى تفاقم مشاكل التدفق النقدي لديه. وأهم هذه العقوبات غرامة قدرها 355 مليون دولار، بالإضافة إلى فوائد بقيمة 98 مليون دولار ــ يبلغ مجموعها ما يقرب من 454 مليون دولار ــ مرتبطة بإدانة بالاحتيال التجاري، مع موعد نهائي للدفع في 25 مارس. وتزداد هذه العقوبة بمقدار 112 ألف دولار يوميا حتى تاريخ الاستحقاق. بالإضافة إلى ذلك، حكمت محكمة أخرى على ترمب بمبلغ 83 مليون دولار بتهمة التشهير ضد الكاتبة جين كارول، مع موعد نهائي للدفع في 10 مارس. وبالتالي، يحتاج ترمب إلى تأمين أكثر من نصف مليار دولار في الأسابيع المقبلة لتسوية هذه الأحكام. وبينما يستأنف ترمب كلتا القضيتين، فإن قانون نيويورك يلزمه بإيداع المبالغ كاملة مقدما، بما في ذلك عشرة في المئة إضافية لقضية كارول، مما يرفع إجمالي التزامه إلى 545 مليون دولار. وتشكل هذه الضغوط المالية تحديا كبيرا لحملة ترمب وأمواله الشخصية، وسط معاركه القانونية المستمرة.
صحيح أن ترمب ملياردير، ولكن كما لاحظ أحد المحللين الماليين الأميركيين، فإن أحدا من كبار المتمولين، مثل جيف بيزوس وإيلون ماسك ودونالد ترمب، لا يحتفظ بنصف مليار دولار نقدا في حسابه في البنك. لقد ادعى ترمب، في أبريل/نيسان 2023، أن لديه نحو 400 مليون دولار نقدا لكنه لم يقدم الدليل على ذلك. وفي أواخر فبراير، طلب محاموه من القاضي في قضية الاحتيال قبول 104 ملايين دولار كدفعة أولية، لكن القاضي رفض هذا الطلب في 28 فبراير، وأصر على أن ترمب يجب أن يدفع كامل المبلغ البالغ 454 مليون دولار. في الوقت نفسه، إذا لم يقم ترمب بإيداع 91 مليون دولار بحلول التاسع من مارس/آذار لدى الحاكم في قضية جين كارول، فإن قانون نيويورك سيسمح لمحاميها ببدء عملية الاستيلاء على أصول ترمب المالية أو العقارية لدفع مبلغ الحكم. وتواجه إمبراطورية ترمب التجارية، التي تركز إلى حد كبير على العقارات، مشكلة نقدية كبيرة ويجب حلها فورا في مارس.

يستغل ترمب مشاكله القانونية للادعاء بأنه ضحية للاضطهاد السياسي من القضاء الأميركي والإدارة الديمقراطية

ولحل هذه الأزمة، قد يحاول ترمب بيع بعض أصوله العقارية، مثل المباني في نيويورك، ولكن عليه أن يبيع بسرعة، وسيحتاج المشترون أولا إلى تقييمات دقيقة لقيمة المباني. بالإضافة إلى ذلك، فإن حاجة ترمب إلى البيع السريع من شأنها أن تعطي ميزة للمشترين في المفاوضات. ويمكن أن يحاول ترمب أيضا إيداع المبالغ من الأموال المقترضة. واعترف محامو ترمب بأن الرئيس السابق لا يستطيع دفع الغرامات نقدا، وأنه بدلا من ذلك سيحاول تقديم كفالة. ويعد هذا السند بمثابة ضمان من شركة تمويل بأنه سيتم سداد حكم المحكمة في حالة عدم نجاح الطعون القضائية التي قدمها ترمب. ولكن شركات التمويل ستطلب حصولها على أصول ترمب التي يمكن بيعها بسرعة مثل الأسهم والسندات الحكومية وسندات الشركات والنقد إذا كان يتعين على الشركة المالية في النهاية الدفع للمحكمة. وقد تأخذ الشركة المالية ملكية مشروطة للعقارات، ولكن التقييم المالي لهذه العقارات سيكون لبّ المشكلة. وسوف تتقاضى الشركة المالية رسوما باهظة، قدر مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في الأول من مارس أن الرسوم ستكون ثلاثة في المئة على الأقل. وبما أن حجم هذا السند القضائي أعلى بكثير من المعتاد، فمن المحتمل أن تكون الرسوم أكبر. ويزعم محامو ترمب أن هذه الغرامات الضخمة ستسبب ضررا دائما لشركات ترمب.
أزمة السيولة التي ألحقت الأضرار التي لحقت بإمبراطورية ترمب التجارية لن تقف عند هذا الحد، بل ستلحق الضرر أيضا بحملة ترمب الرئاسية. وكان ترمب قد أنشأ بموجب قانون الانتخابات الأميركي لجنتي عمل سياسي "political action committee" (PAC)، هما "أنقذوا أميركا"، و"لنجعل أميركا عظيمة من جديد" (MAGA)، لتمويل حملته الانتخابية عن طريق جمع التبرعات، خاصة عبر الإنترنت. وفي الأشهر الستة الأخيرة من عام 2023، جمعت أكثر من 36 مليون دولار. ومع تحويل كميات كبيرة من تبرعات الحملة الانتخابية (24 مليون دولار) لتغطية النفقات القانونية، أصبحت قدرة ترمب على تخصيص الموارد لأنشطة الحملة المباشرة مقيدة. وعلى الرغم من جمع أموال كبيرة من خلال لجان العمل السياسي هذه، فإن تخصيص جزء كبير للنفقات القانونية، وسط التحديات القانونية المتزايدة، يؤكد الضغط المالي على موارد حملته.

رويترز
الرئيس جو بايدن اثناء الاحتفال بتوقيعه امرا تنفيذيا بتحسين الابحاث المتعلقة بصحة المرأة في البيت الابيض في 18 مارس

هذا فقط ما يتعلق بالمحاكمات المدنية، أما المحاكمات الجزائية فلها قصة أخرى، حيث يواجه ترمب هذا العام جلسات استماع في أربع قضايا جنائية مختلفة في واشنطن ونيويورك وجورجيا. ويستغل ترمب مشاكله القانونية للادعاء بأنه ضحية للاضطهاد السياسي من النظام القضائي الأميركي والإدارة الديمقراطية، ويصدق أنصاره هذا الادعاء ويستمرون في التبرع بملايين الدولارات لمساعدته. لكن المشاكل القانونية تشكل عبئا كبيرا على موارد حملة ترمب الانتخابية. ومن الجدير بالذكر أن ترمب قام للتو بتعيين إحدى المواليات له على رأس اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري. وكانت منافسته السابقة في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نايكي هيلي، قد حذرت من أن ترمب سيستخدم أموال الحزب الجمهوري لدفع أجور محاميه بدلا من إنفاق أموال الحزب فقط على الحملة الانتخابية.

لا يزال أمام بايدن متسع من الوقت لإطلاق حملته الانتخابية واسعة النطاق

صحيح أن ثمانية أشهر فترة طويلة في الحملة الانتخابية الأميركية، وصحيح أيضا أن استطلاعات الرأي الأميركية لا يمكن الاعتماد عليها في التنبؤ بالنتيجة الدقيقة للانتخابات، فهي مؤشر عام فقط للاتجاهات العريضة. وبالتالي، لا يزال أمام بايدن متسع من الوقت لإطلاق حملته الانتخابية واسعة النطاق، والتي من المحتمل أن تنطوي على جهود إعلانية مكلفة. ومع ذلك، فإن المخاوف المتعلقة بعمره، وموقفه من غزة، والتحديات المتعلقة بالهجرة غير الشرعية على الحدود الجنوبية قد تشكل عقبات أمام زخم حملته. وعلى العكس من ذلك، قد يستمد ترمب التفاؤل من حكم المحكمة العليا الأخير في 4 مارس، والذي يسمح له بالترشح في جميع الولايات على الرغم من الجدل الدائر حول أعمال الشغب في الكابيتول يوم 6 يناير 2021، مما يشير إلى قوته المبكرة في الولايات الحاسمة التي تمثل ساحة معركة. ولكن الضغوط المالية المتزايدة قد تؤثر على حملته، إلى جانب التهديد الذي يلوح في الأفق بالإدانة في أربع قضايا جنائية جارية حاليا. وفي خضم هذا، فإن غياب مرشح مقنع من طرف ثالث يجعل الكثير من الأميركيين يشعرون بأنهم محصورون في الاختيار بين ترمب وبايدن في الانتخابات المقبلة.

font change

مقالات ذات صلة