العائلة المالكة البريطانية تتناقص وتواجه تحديات حقيقية

أميرة ويلز تعلن إصابتها بالسرطان

روب كارتر
روب كارتر

العائلة المالكة البريطانية تتناقص وتواجه تحديات حقيقية

صدَمَ الإعلان عن إصابة أميرة ويلز بالسرطان بريطانيا. لقد بذلت العائلة المالكة جهودا مضنية، منذ أن دخلت الأميرة المستشفى لإجراء عملية جراحية في البطن- وهو بالمناسبة المستشفى عينه الذي كان يعالج فيه حموها الملك تشارلز- للحد من التكهنات حول حالتها الصحية وأُعلنت أنها تعافت من الإجراء وستعود إلى التزاماتها الملكية بعد عيد الفصح.

ولكن الأمور لا تكون عادة بهذه البساطة عندما يتعلق الأمر بالشؤون الملكية، فحتى أصغر قصاصة من الأخبار الملكية تكفي لتغذية دورة إخبارية كاملة، حيث تخصص القنوات التي تعمل على مدار اليوم ساعات طويلة لنقد الأسرة الملكية البريطانية وترسل مراسليها الملكيين في جميع الأحوال الجوية للوقوف أمام قصر باكنغهام.

وتتمتع وسائل الإعلام البريطانية بشهية لا حدود لها لأخبار العائلة المالكة. وحين تنضب الأخبار الراهنة عن أعضاء الأسرة الحاليين، نجد الإعلام يعود إلى الوراء فيستعيد حلقات من ملحمة الليدي ديانا. وتواصل وسائل الإعلام تقديم التقارير عنها حتى بعد أن تقاعد منذ سنين آخر المصورين الذين كانوا يلاحقونها بكاميراتهم.

(أ.ف.ب)
صورة من الفيديو الذي أعلنت فيه أميرة ويلز إصابتها بالسرطان في 22 مارس

ومع ذلك، فقد شكل دور وسائل التواصل الاجتماعي فصلا جديدا في كيفية استهلاك الأخبار الملكية ومشاركتها، ما يؤكد أن الحماس للقصص الملكية يمتد إلى ما هو أبعد من منافذ الأخبار التقليدية والصحف الشعبية إلى الجمهور نفسه. واتضح أن الجمهور منغمس بالقدر نفسه في الروايات الملكية.

وهكذا، بينما تموت وسائل الإعلام القديمة واقفة على قدميها، وبينما يكتسب الصحافيون بشكل متزايد مظهرا مطاردا لأنواع من الإعلام مهددة بالانقراض، تولى الجمهور دور ناشري الأخبار. وقد تجلى هذا التحول بوضوح من خلال الضجة التي أثيرت حول صورة الملكة المستقبلية مع أطفالها الثلاثة في عيد الأم والتي كان المقصود منها نقل صورة مريحة للأمومة. وأثارت الصورة التي تظهر فيها الوجوه المبتسمة، شكوكا لدى أحد الصحافيين الذي تساءل: "متى تمكن أي شخص في تاريخ التصوير الفوتوغرافي من جعل ثلاثة أطفال يبتسمون في الوقت نفسه؟".

وبعد ذلك، ظهرت علامات التلاعب في الصورة، وكانت الصورة وهمية حقا، وأكد النقاد افتقار الصورة إلى الصحة، ما دفع الصحف إلى التراجع عنها بسرعة. وأثار ذلك موجة من التكهنات حول دوافع القصر لنشر مثل هذه الصورة، مما اضطر الأميرة إلى تقديم اعتذار. وجرى في الوقت عينه الكشف عن صورة لاحقة، يُزعم أنها للملكة الراحلة مع مجموعة من الأطفال المبتهجين.

(أ.ف.ب)
الملك تشارلز والأمير وليام والأميرة كاثرين أثناء خدمة عيد الشكر في كاتدرائية سانت جيل في أدنبره في 5 يوليو

أثار الجدل الدائر حول صورة عيد الأم مخاوف بشأن تآكل ثقة الجمهور في النظام الملكي. وأشارت صحيفة "ديلي ميل"، التي عادة ما تكون مؤيدة بشدة للملكية، بحزن إلى أن النظام الملكي بأكمله قد يكون أمام خطر ومنعطف حرج، مستشهدة بأن أحد الممثلين في المسلسل الساخر "آل وندسور"، يلعب دور الأمير ويليام، ومؤكدة أن العائلة تمر بـ"أزمة دستورية".

ومع ذلك، بدت هذه الحلقة غريبة تقريبا في سياق التحديات الحديثة مثل تقنية التزييف العميق. على سبيل المثال، عندما شوهد أمير وأميرة ويلز في متجر ريفي بالقرب من وندسور في مقطع فيديو سجل على هاتف ذكي، كان كثيرون متشككين، ويشتبهون في استخدام امرأة بديلة للأميرة (دوبلير).

أثار الجدل الدائر حول صورة عيد الأم مخاوف بشأن تآكل ثقة الجمهور في النظام الملكي. وأشارت صحيفة "ديلي ميل"، التي عادة ما تكون مؤيدة بشدة للملكية، بحزن إلى أن النظام الملكي بأكمله قد يكون أمام خطر ومنعطف حرج

لقد أصبحت هذه الشكوك سمة مميزة لنظريات المؤامرة، حيث لا يؤخذ أي شيء على محمل الجد. إن ظهور الذكاء الاصطناعي وقدرته على خلق صور مقنعة، لكنها غير حقيقية لن يكون له إلا أن يغذي حالة عدم الثقة هذه. ولكن هذا الشك يمكن أن ينطبق على كل شيء. إنها مرحلة "ما بعد الحقيقة" التي تعني أن الحقيقة قد باتت شيئا من الماضي.
كانت التكهنات حول غياب كيت ميدلتون عن الجمهور تدور منذ أسابيع على منصات مختلفة، خاصة على بعض المنصات المعروفة مثل "X" ("تويتر" سابقا). ولا يزال مصدر هذه التكهنات المتفشية غير واضح، وقد أرجعه البعض إلى افتتان الولايات المتحدة بنظريات المؤامرة، بينما أشار آخرون إلى حملة تضليل تقوم بها الروبوتات الروسية. ولكن بغض النظر عن مصادرها، فإن هناك شعورا سائدا بأن الناس مدفوعون لكشف "الحقيقة" وسط عدم تصديق واسع النطاق للمعلومات المتاحة. ويسهم منظرو المؤامرة والروبوتات في إحداث الارتباك. لكن المؤثرين في وسائل الإعلام الحديثة لا يحتاجون حتى إلى ذلك في إدامتهم لتلك الروايات.

لحظة مؤثرة

الآن، بعد مرور أشهر ومع وصول الشائعات حول صحتها إلى ذروتها، ظهرت أميرة ويلز على الملأ وكشفت عن تشخيص إصابتها بالسرطان وقالت إنها تخضع للعلاج الكيميائي. لقد أدلت بهذا الإعلان على مقعد في الهواء الطلق، وكانت زهور الربيع مرئية في الخلفية، بتوازن ملحوظ. لقد كانت لحظة مؤثرة نادرة وحقيقية تماما، كان ينبغي أن تُخجل كل المضاربين بالإشاعات السخيفة.
يدل ما سبق على رباطة جأش ملحوظة تتمتع بها أميرة ويلز. وقد كانت هذه اللحظة من الصدى العاطفي الحقيقي بمثابة استجابة مباشرة للتكهنات التي لا أساس لها، والتي كانت في تناقض حاد مع الإثارة السابقة. كان لديها أبسط الأسباب لأخذ كل هذا الوقت قبل أن تعلمنا بحقيقة حالتها: كانت تريد أن تخبر أطفالها بنفسها أولا، لأن أي إعلان سابق لأوانه كان سيصل بالتأكيد إلى آذانهم من خلال الثرثرة الملكية التي لا تشبع قبل أن تتاح لأمهم فرصة للشرح. إذن كانت المسألة شأنا عائليا ذا حساسية.
وعلى الرغم من استمرار تدفق نظريات المؤامرة بلا توقف كما هو متوقع، فإن هذا الحدث يسلط الضوء على قلق أوسع بشأن مستقبل عمل المؤسسة الملكية. وقد برزت مفارقة واضحة، فقد كانت الملكة إليزابيث تقول إن النظام الملكي يجب أن يُرى حتى يتم تصديقه. ومع ذلك، فإن هذا الانسحاب القسري من أعين الجمهور قد أثار اهتماما أكبر بالجيل المتوسط من أفراد العائلة المالكة، وكيت على وجه الخصوص، أكثر من أي وقت مضى. وقد شهدت أيضا بروزها اليوم كمتواصلة استثنائية.

تقليص حجم النظام الملكي

لقد كانت نية الملك تشارلز الصريحة هي تقليص حجم النظام الملكي، ولم تكن النتائج تبشر بالخير، فها هو ذا المرض يزيح اثنين من لاعبيه الرئيسين من الميدان. ولئن حاولت زوجته الملكة كاميلا بشجاعة أن تتولى المسؤولية، كما فعلت أخته الأميرة آن وشقيقه إدوارد، فإن أيا منهم لا يتمتع بجاذبية النجوم المؤثرة، بينما لا يزال الأحفاد الأصغر سنا، الذين يحتمل أن يكونوا من الشخصيات الشعبية، على بعد سنوات من تولي أدوار ملكية نشطة، ما يمثل معضلة للمستقبل القريب للنظام الملكي.
وكما هو متوقع، هناك حديث عن الضغط على الأعضاء المتبقين. ومع ذلك، فإن أفراد العائلة المالكة فوق صراع السياسة ولا يتم انتخابهم. الطريقة التي يصعدون بها إلى مناصبهم تكون من خلال حق الولادة. وحتى عندما تشعر المجموعة الأصغر والأصغر من أفراد العائلة المالكة بضغوط الارتباطات، فإنهم يعلمون أن الخلافة آمنة.

تجد العائلة المالكة نفسها في حاجة إلى شكل جديد من الظهور، شكل يبقيها حالة ذات شأن في عالم سريع التغير

علاوة على ذلك، فإن وجودهم في كل مكان على موجات الأثير، وفي الصحف، حتى في ظل موضوعات التكهنات الجامحة على وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح أكثر تأكيدا من أي وقت مضى.

(أ.ف.ب)
الأمير وليام والأميرة كاثرين أثناء ورشة عمل في بلدة مارلو قرب لندن في 12 أكتوبر (أ.ف.ب)

اعتادت الملكة إليزابيث ارتداء الألوان الزاهية حين تظهر بين رعاياها، وتجنبت الاختباء عن الجمهور كما فعلت جدتها الملكة فيكتوريا بعد وفاة حبيبها ألبرت. ومع ذلك، بعد وفاة ديانا المفاجئة، تدنت شعبيتها بشكل خطير عندما تجنبت هي وعائلتها أعين الجمهور، حين اختارت العائلة المالكة الخصوصية خلال فترة الحداد الوطني.
ولكن في القرن الحادي والعشرين، لم يعد من الممكن تصديق الأمور بمجرد رؤيتها، بل بتنا نشكك بكل ما تراه أعيننا. ربما كانت العواقب المخيبة للآمال التي خلفها حفل زفاف مجيد في وندسور– زواج هاري التعس بممثلة أميركية ساحرة– نذير شؤم، وأدى إلى خيبة الأمل حتى بين المؤيدين الملكيين المخلصين. ولم تعد الأساليب التقليدية في التعامل مع الجمهور، مثل المظاهر الاحتفالية والأعمال الخيرية، كافية للحفاظ على الدعم الشعبي. واليوم،  تجد العائلة المالكة نفسها في حاجة إلى شكل جديد من الظهور– شكل يبقيها حالة ذات شأن في عالم سريع التغير، مما يشير إلى أن الحديث عنها، حتى بشكل مثير للجدل، أمر حيوي لبقائها في الوعي العام.

font change

مقالات ذات صلة