مشعل طهران

الذين خرجوا في كل العالم للتعاطف مع آلام الفلسطينيين لا يحتاجون لـ"حماس" لحثهم على الخروج

مشعل طهران

هل تذكرون "طلائع طوفان الأقصى"؟

في ديسمبر/كانون الأول من العام الفائت وبعد نحو شهرين على عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت "حماس" تأسيس "طلائع طوفان الأقصى" انطلاقا من لبنان، ودعت في بيان لها آنذاك "أبناء الشعب الفلسطيني وكل الشباب والرجال إلى الانضمام لطلائع المقاومين والمشاركة في صناعة مستقبل القضية الفلسطينية وفي تحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك".

ولكن ما هي إلا ساعات يومها حتى تراجعت "حماس"، وأوضحت في بيان أصدرته أن أسباب إطلاق "مشروع طلائع طوفان الأقصى" في لبنان، هو "منع الشباب من الانجذاب إلى الظواهر المجتمعية الخطيرة والانجرار للاستخدام في مشاريع معادية ومضرّة، وربطهم بالقضية الفلسطينية والعمل من أجلها والدفاع عنها"، مؤكدة "احترام سيادة لبنان، والالتزام بقوانينه، والحرص على أمنه واستقراره، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية".

ولكن يبدو أن ما ينطبق على لبنان المحكوم بـ"حزب الله" لا ينطبق على بقية العالم العربي وفقا لـ"حماس"، فرئيس الحركة في الخارج خالد مشعل لم يكتف بمطالبة الملايين بالنزول للشارع بشكل وصفه بـ"المستدام"، بل قال: "على جموع الأمة الانخراط في معركة طوفان الأقصى"، وأن "تختلط دماء هذه الأمة مع دماء أهل فلسطين حتى تنال الشرف". وهل تختلط الدماء بمظاهرات سلمية وتضامنية مع الفلسطينيين في غزة؟ أم إنها دعوة صريحة لمزيد من الفوضى وإراقة الدماء؟

الذين خرجوا في كل العالم للتعاطف مع آلام الفلسطينيين لا يحتاجون لـ"حماس" لحثهم على الخروج

إن "حماس" التي تحاول بشتى الوسائل حماية استقرار الأنظمة التابعة لطهران لا تتوانى في دعوة الشعوب العربية لتجاوز كل القيود والقوانين والمعاهدات، والمفارقة ليست أن كلام مشعل جاء بعد زيارة وفد من "حماس" لطهران، ولا آيات الشكر والامتنان التي لا يتوقف قادة "حماس" عن إلقائها عند الحديث عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقياداتها، ولا أن حسابات تابعة للإعلام العسكري لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري للحركة، أعادت نشر مقطع صوتي لقائد الكتائب، محمد ضيف، يدعو فيه الشعوب المسلمة ويخص شعوب الأردن ومصر والمغرب والجزائر إلى الزحف نحو فلسطين، قائلا: "ولا تجعلوا حدودا ولا أنظمة ولا قيودا تحرمكم شرف الجهاد والمشاركة في تحرير المسجد الأقصى".

ولن أتوقف عند تحييد الحركة لسوريا، علما أنها من دول الطوق ونظامها ينتمي لمحور الممانعة، وكان من الأجدى دعوة سوريا إلى الزحف وفتح الجبهات، ولا على عدم الرد على اغتيال إسرائيل لصالح العاروري القيادي في الحركة في ضاحية بيروت الجنوبية، ولا على اغتيالات قيادات في الحركة داخل لبنان، لكن المفارقة التي يجب التوقف عندها أنه في الوقت الذي تحرض فيه الحركة على الفوضى وتدعو لـ"اختلاط الدماء"، تصدر بيانا تقول فيه إن نجاح أي مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل يعتمد على 4 محددات أساسية، هي: "وقف العدوان بشكل شامل، وانسحاب الاحتلال بشكل كامل من كل قطاع غزة، وحرية عودة النازحين (إلى شمال القطاع) وإدخال المساعدات واحتياجات شعبنا وأهلنا في القطاع"، أي بمعنى أدق العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر كما ذكرنا سابقا.

الوقوف مع فلسطين ورفض ما يتعرض له أهالي غزة من حرب إبادة هو موقف أخلاقي وإنساني قبل أن يكون موقفا عربيا أو إسلاميا، والشعوب العربية والإسلامية وكثير من شعوب العالم تتألم وتتوجع من هول ما يحدث في فلسطين، والملايين الذين خرجوا في كل العالم لإظهار تعاطفهم مع آلام الفلسطينيين في كل مكان لا يحتاجون لـ"حماس" أو غيرها لحثهم على الخروج، فمن ألقى بالفلسطينيين في فم التنين وهو يدرك تمام الإدراك أن نتنياهو مجرم لا رادع له، بل ومأزوم داخليا جاءت الحرب لتعطيه فرصة ليماطل ويناور، مَن أقصى شروطه في المفاوضات العودة إلى ما قبل عملية طوفان الأقصى، كيف له أن يحرض على مزيد من الدماء.

المظاهرات للتضامن مع مأساة شعب وليست لإظهار التأييد لمغامرة السنوار المدمرة

المظاهرات للتضامن مع مأساة شعب وليست لإظهار التأييد لمغامرة السنوار المدمرة، وأي محاولة لتشويه تعاطف الشعوب مع فلسطين ومحاولة تصويره وكأنه تأييد لـ"حماس" إهانة لآلام الشعب الفلسطيني ولقضيته واستثمار سياسي رخيص في تضحيات هذا الشعب، بل ربما يصل الأمر إلى حد القول إنه ربما تنفيذ لأجندة حزبية وليس تعاطفا حقيقيا مع هذه الكارثة..

وإلى "حماس" وأشباهها: اتركوا الشعوب العربية تعبر عما تريد ولا تصادروا صوتها ولا تحاولوا تشويه حراكها وتحويله لحسابكم، أم إن لطهران رأي آخر، وما فشلت فيه حتى الآن شحنات الكبتاغون والأسلحة المهربة من سوريا، قد ينجح من خلال اختراقها و"حماس" للمظاهرات المتضامنة مع غزة؟

طهران التي أشعلت المدن العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن لا يمكن أن تحمل مشعلا لحرية أي بلد عربي لا فلسطين ولا غيرها.

font change