المطارات المصرية تتطلع الى صفحة جديدة مع القطاع الخاص

في الخطوات المنتظرة بعد القرارات الاقتصادية الأخيرة ووعود الإصلاح

Shutterstock
Shutterstock
طائرة بوينغ 777 تابعة للخطوط الجوية المصرية أثناء الإقلاع.

المطارات المصرية تتطلع الى صفحة جديدة مع القطاع الخاص

تتجه الحكومة المصرية حالياً نحو اتخاذ العديد من الإجراءات لتحقيق إصلاحات حقيقية في هياكل المؤسسات العامة للنهوض بالاقتصاد وعدم العودة الى المأزق نفسه، بعد الاضطرابات الاقتصادية الأخيرة الخطيرة. وقد أدركت الحكومة أهمية تغيير واقع المطارات المصرية وضرورة طرحها للاستثمار لشركات القطاع الخاص، بما في ذلك مطار القاهرة الدولي، للتشغيل والإدارة، والاستعانة بخبرات شركات عالمية متخصصة. يأتي هذا في إطار استهداف مصر لجذب نحو 30 مليون سائح سنوياً، مما يتطلب بالطبع تقديم خدمات جيدة وصالات فسيحة في المطارات لخدمة المسافرين.

ونتيجة للتطورات الدولية في صناعة النقل الجوي، أصبحت تلك الصناعة ركيزة أساسية وقاطرة للاقتصادات العالمية، مما يدفع العديد من الدول إلى تحقيق معدلات نمو سريعة ومتلاحقة في هذا المجال. وعلى إيقاع الاضطرابات الجيوسياسية الراهنة، تبحث العديد من الدول عن فرص الاستثمار والاستحواذ في مشاريع كبرى ذات جدوى مستدامة، ومنها مشاريع المطارات للاستثمار والبناء أو للتشغيل والإدارة، للخروج من أزماتها المالية.

ويبدو أن الدولة المصرية حاليا متحمسة لإحداث نقلة في اقتصادها بعد نجاحها في صفقة "رأس الحكمة" مع دولة الامارات وتحرير سعر الصرف، وإبرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، الأمر الذي أدى إلى ضبط السوق الموازية للدولار، وتحسن التحويلات بالعملات الأجنبية، والخروج من دوامة التعثر في تسديد أقساط الديون الخارجية.

للمزيد إقرأ: مصر تفرح بالاتفاق مع "صندوق النقد الدولي"... ولكن

الهدف الأساسي من تخصيص عمليات الطيران المدني هو تحسين الكفاءة والخدمات، وتقديم مستويات عالية من الجودة والابتكار، وتحويل السفر الى تجربة ممتعة للمسافرين

بدأت مشاورات صفقة طرح المطارات للقطاع الخاص قبل أشهر، وكان الحديث مقتصراً في البداية على طرح ستة مطارات فقط للتشغيل والإدارة. وكانت هذه المطارات تشمل مطار القاهرة الدولي وبرج العرب في الإسكندرية ومطار شرم الشيخ في جنوب سيناء ومطار الغردقة في البحر الأحمر، بالإضافة إلى مطاري أسوان والأقصر الدوليين. لكن مع تقدم المباحثات الحكومية، اتُّخِذ قرار طرح المطارات المصرية كلها، سواء التي تملكها الشركة القابضة للمطارات أو التي تديرها، كما هي الحال في مطاري سوهاج الدولي ومطار سفنكس الواقع في الجيزة إلى الغرب من القاهرة. يُذكر أن مطار سفنكس افتُتِح عام 2016 ويقع في الجيزة غرب القاهرة وهو يُعتبَر من المطارات التي تتبع أحدث المعايير العالمية .

وعلى الرغم من أن الطرح يشمل المطارات المصرية كلها، ثمة قطاعات مستثناة لا تشملها الصفقة، وتتعلق بالأمن القومي، مثل الجوازات والجمارك والقطاعات الخاصة بحماية البلاد، إذ ستظل هذه القطاعات تابعة لأجهزة الدولة المصرية.

Shutterstock
مطار القاهرة الدولي.

الهدف الأساس من تخصيص عمليات الطيران المدني هو تحسين الكفاءة والخدمات، وتقديم مستويات عالية من الجودة والابتكار، وتحويل السفر الى تجربة ممتعة للمسافرين. ويبدو أن نية الحكومة طرح إدارة المطارات وتشغيلها، بما في ذلك مطار القاهرة، أمام القطاع الخاص من دون نقل للملكية أو بيع حصص فيها، لاعتبارات سياسية تتعلق بحساسية الموضوع والحفاظ على الأمن القومي للبلاد. ويُعتبَر هذا البرنامج أولى طرق الإصلاح، نظرا الى استمرار الترتيب السيئ لشركة "مصر للطيران" ومطار القاهرة في قوائم المؤسسات العالمية لتصنيف شركات الطيران والمطارات!

ويتوقع أن يتم اعلان مزايدات عالمية لإدارة المطارات المصرية وتشغيلها، وإشراك المطارات كلها، بمشورة استشاري دولي ذي خبرة، وستُدعَى أهم الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال للمشاركة في طرح أفضل العروض وفق خطة برؤية متكاملة.

وصلت الطاقة الاستيعابية للمطارات المصرية عام 2023 إلى 63.5 مليون مسافر، وتواصل وزارة الطيران المدني خطتها لزيادتها إلى 72 مليون راكب

ويتوقع أن يتم إعلان مزايدات عالمية لإدارة المطارات المصرية وتشغيلها، وإشراك المطارات كلها، بمشورة استشاري دولي ذي خبرة، وستُدعَى أهم الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال للمشاركة في طرح أفضل العروض وفق خطة برؤية متكاملة.

واقع المطارات المصرية بالأرقام

تمتلك مصر 27 مطاراً دولياً ومحلياً، من بينها مطاران يعملان بنظام الشراكة مع القطاع الخاص (البناء والتشغيل ونقل الملكية): مرسى علم ومطار العلمين. وتُقدَّر الطاقة الاستيعابية للمطارات المصرية بنحو 30 مليون راكب سنوياً. وبُنِيت أربعة مطارات جديدة في السنوات الأخيرة، وهي مطارات سفنكس والعاصمة وبرنيس والبردويل، مما يعكس اهتمام الدولة المصرية بتطوير صناعة النقل الجوي.

حالياً يُعمَل على تطوير البنية التحتية وزيادة القدرة الاستيعابية في ثلاثة مطارات أخرى: برج العرب، وسانت كاترين، والعريش. هذه الجهود تأتي في إطار رؤية وخطة وطنيتين تهدفان إلى تحقيق التنمية المستدامة وأهداف رؤية مصر 2030، بما في ذلك زيادة عدد السياح الوافدين إلى مصر إلى 30 مليون سائح في حلول عام 2028. 

ومن المقرر تحويل مطار القاهرة ليصبح مطاراً محورياً للركاب والبضائع، وهو صُنِّف كواحد من المطارات الأكثر تشغيلاً العام الماضي، إذ أدار نقل نحو 26 مليون مسافر على متن 198 ألف رحلة جوية. كذلك يُخطَّط لإنشاء مبنى ركاب جديد بسعة استيعابية إضافية تبلغ 30 مليون مسافر سنوياً، وإنشاء مدينة لوجستية للبضائع والشحن في مطار القاهرة، لتصبح مصر بوابة أفريقيا الرئيسة لحركة الشحن الجوي وحركة التجارة العالمية.

وارتفع عدد المسافرين عبر المطارات المصرية بنسبة 28 في المئة عام 2023، ليصل العدد الإجمالي إلى نحو 47 مليون مسافر، وزادت الرحلات الجوية بنسبة 23 في المئة لتصل إلى أكثر من 356 ألف رحلة العام الماضي. ووصلت الطاقة الاستيعابية للمطارات المصرية عام 2023 إلى 63.5 مليون مسافر ، وتواصل وزارة الطيران المدني خطتها لزيادتها إلى 72 مليون راكب.

تأمل الحكومة في تحسين البنى التحتية وتكنولوجيا المطارات وتقديم خدمات أفضل للمسافرين، على أن يبقى للدولة الدور الرقابي على معايير الأمن والجوازات والجمارك والسلامة والجودة

تُعَد صناعة النقل الجوي من الركائز الأساس لنمو الاقتصادات العالمية، إذ تؤدي دوراً حيوياً في تعزيز التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز حركة السياحة والتجارة العالمية. ويتجلى تأثيرها الإيجابي في زيادة حركة الركاب على مستوى العالم. عام 2019، سجلت حركة المسافرين العالمية نحو 4.5 مليارات مسافر، ثم انخفضت إلى نحو 3.5 مليارات مسافر عام 2022. مع ذلك، شهدت زيادة ملحوظة عام 2023 إذ بلغت نحو 4.3 مليارات مسافر، وفق الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا).

Shutterstock
بوابة المغادرين في مطار القاهرة الدولي في 18 سبتمبر 2023.

يُذكر أن الحكومة المصرية طرحت عام 2006 عدداً من المطارات المحلية للخصخصة، إذ طُبِّق نظام المشاركة بنسبة تتراوح بين 49 في المئة و51 في المئة لصالح وزارة الطيران. وتمت الموافقة على خصخصة مطارات بورسعيد والوادي الجديد ومطروح. وعلى الرغم من أن وزارة الطيران كانت تعمل لتسويق بعض المطارات بالتعاون مع إدارة أجنبية، إلا أن الإجراءات فشلت في ذلك بسبب عدم التوصل إلى اتفاقات في ذلك الوقت.

وترى الخبيرة الاقتصادية الدكتورة حنان رمسيس لـ"المجلة"، أن الطرح الحالي لإدارة المطارات وتشغيلها في مصر "لا يُعتبَر خصخصة بالمعنى التقليدي، بل هو مشاركة في الإدارة"، ونظرا إلى "مكانة مصر السياحية وأهميتها الجغرافية، فإن هذا يوفر فرصة لزيادة الإقبال على رحلاتها". وأشارت إلى أن فكرة التطوير وطرح المرافق والخدمات على القطاع الخاص في المطارات تحصل في دول العالم كلها. مثلا، طُرِحت حصص مملوكة لصندوق دبي للاستثمار في مرافق وخدمات على مستثمرين، لافتة إلى وجود اتجاه في بعض الدول الخليجية إلى إسناد إدارة المرافق كليا إلى القطاع الخاص، نظراً إلى فاعليته في إدارة الموارد وتحسين الكفاءة وخفض التكاليف. وتوقعت رفع رسوم الخدمات في المطارات، لكن بالاتفاق مع الدولة للحفاظ على القدرة التنافسية وتجنب التأثير السلبي في السفر والترانزيت. 

من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر لـ"المجلة"، أن طرح إدارة المطارات وتشغيلها على القطاع الخاص "ليس بالضرورة خصخصة تقليدية، بل هو شكل من أشكال التعاون بين القطاعين العام والخاص". ويوضح أن هذه الخطوة "يمكن أن تساهم في تحسين تجربة المسافرين وتقديم خدمات متطورة، لكن قد تحمل بعض الأخطار مثل التركيز على الربحية وما لذلك من تأثير في الأولويات العامة مثل الأمن والسلامة والمرونة في عملية التشغيل"، مشيرا إلى ضرورة ضبط رسوم المطارات في شكل مناسب لضمان التوازن بين أرباح الشركات وتحمل المسافرين للأعباء.

ومن المنتظر أن تستمر الدولة في المراقبة والتدخل لضمان التزام الشركات الخاصة المعايير والتنظيمات المحددة. وستضع الحكومة إطاراً تنظيمياً للتأكد من توفير خدمات عالية الجودة والأمان والسلامة في المطارات المشاركة في الاستثمار. كذلك تأمل الحكومة في تحقيق تحسينات في البنية التحتية وتكنولوجيا المطارات وتقديم خدمات أفضل للمسافرين، على أن يبقى للدولة الدور الرقابي على معايير الأمن والجوازات والجمارك والسلامة والجودة.

font change

مقالات ذات صلة