مصر تنشر ملفات "حرب أكتوبر" على وقع التوتر مع إسرائيل

تقدم الوثائق رؤية نادرة لخطط الجيش وتحرير سيناء

AP
AP
ضباط وجنود مصريون يغرسون العلم المصري فوق "خط بارليف" شرق قناة السويس في 13 أكتوبر 1973

مصر تنشر ملفات "حرب أكتوبر" على وقع التوتر مع إسرائيل

نشرت وزارة الدفاع المصرية في وقت سابق من هذا الشهر، لأول مرة منذ عام 1973، ملفات ووثائق حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 ما يضع قدرة الجيش المصري على الدفاع عن الأراضي المصرية تحت دائرة الفحص الدقيق.

ويتزامن رفع السرية عن هذه الملفات مع مرحلة من التوتر الشديد في العلاقات مع إسرائيل، على خلفية الحرب الحالية في غزة وخطط الجيش الإسرائيلي لاجتياح مدينة رفح جنوب قطاع غزة، التي تضم الآن نحو 1.4 مليون فلسطيني نزحوا من شمال قطاع غزة ووسطه.

تقدم الملفات رؤى نادرة عن خطط الجيش المصري لمعارك مختلفة في الحرب، ونجاح القوات المصرية في التعامل مع بعض المخاطر العملياتية، بما في ذلك ما أصبح يعرف باسم "عملية الغزال"، التي شنتها إسرائيل في 16 أكتوبر 1973، باستغلال وجود فجوة بين الفيلقين الميدانيين الثاني والثالث من الجيش المصري في الإسماعيلية، على قناة السويس.

تسلط الملفات الضوء أيضا على الدعم الذي قدمته الدول العربية لمصر خلال الحرب التي أحدثت تحولات زلزالية في الظروف السياسية الإقليمية وتغيرات كبيرة في النظام الإقليمي، عندما كان الجيش المصري يقاتل لاستعادة سيناء التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

تكتسب تلك الملفات فرادتها من كونها بمعظمها مكتوبة بخط اليد من قبل الضباط الذين كانوا يقودون القوات المصرية في معارك مختلفة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي على طريق تحرير سيناء.

حوالي 40 في المئة من الوثائق المنشورة مكتوب بخط يد قادة الجيش المصري في وقت الحرب

بعد مرور 50 عاما

كان من المفترض أن يتزامن رفع السرية عن آلاف الملفات الأصلية، التي يعود تاريخها إلى حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، مع الذكرى الخمسين للحرب في أكتوبر من العام الماضي.
وقد شكلت وزارة الدفاع المصرية لجنة من قدامى المحاربين في أغسطس/آب الماضي لمراجعة الملفات تمهيدا لنشرها.
وكان يفترض أن ينهي قدامى المحاربين مراجعتهم للملفات بحلول شهر أكتوبر. تمثلت مهمتهم في التأكد من أن آلاف الوثائق المطروحة على الطاولة كي تخضع للمراجعة لا تحتوي على أية معلومات سرية أو حساسة حول الجيش المصري قبل نشرها على الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع، وفقا لأحد أعضاء اللجنة.
"لم تكن مهمة مراجعة الملفات سهلة على الإطلاق لأنه كان علينا تدقيق كل وثيقة على حدة للتأكد من أننا لا ننشر أية معلومات حساسة عن الجيش"، هكذا قال اللواء نصر سالم لـ"المجلة"، وهو أحد قدامى المحاربين في حرب أكتوبر وعضو اللجنة. 
وأضاف: "كمية الملفات التي كانت أمامنا مثلت تحديا بكل المعاني".
ونشرت وزارة الدفاع الوثائق على موقعها الإلكتروني تحت عنوان "وثائق حرب أكتوبر 1973: أسرار الحرب– التخطيط الاستراتيجي والعسكري".

Majalla

كان حوالي 40 في المئة من تلك الوثائق المنشورة مكتوبا بخط يد قادة الجيش في وقت الحرب.
وتغطي الوثائق نقاط التحول الرئيسة في الحرب، بما في ذلك تدمير الجيش المصري لـ"خط بارليف"، وهو سلسلة من التحصينات التي بنتها إسرائيل على طول الضفة الشرقية لقناة السويس لمنع المصريين من عبور القناة ودخول سيناء.
يعود تاريخ إحدى الوثائق إلى 22 أبريل/نيسان 1973. وهي موجهة إلى قائد العمليات البحرية.
تشير الرسالة إلى طلب سابق لتوفير الغطاء اللازم للقوات التي تقاتل على الضفة الشرقية لخليج السويس، فيما أصبح يعرف بـ"عملية الغرانيت- 2".
تتحدث وثيقة أخرى عن معركة "المزرعة الصينية"، وهو هجوم شنته قوات الجيش في 26 أكتوبر 1973 ردا على "عملية الغزال". كما تشمل الوثائق عشرات الخرائط ومئات الرسائل ونسخا عن الاتصالات بين مختلف قادة وضباط الجيش المصري، وتغطي مجموعة واسعة من التطورات خلال الحرب بالتفصيل الكامل، بما في ذلك التنسيق بين الجيشين المصري والسوري قبل وأثناء حرب أكتوبر أيضا.

كانت مصر أول دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل، وهو تطور واضح في منطقة ما زال الصراع العربي الإسرائيلي يمثل قلب التركيز فيها

هجوم بعيد المدى

كان لهجوم عام 1973 لتحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي تأثير كبير على مصر والمنطقة وعلى الصراع العربي الإسرائيلي. وكان الهجوم مفاجئا للإسرائيليين، نظرا لحجم الخداع الذي استخدمه المصريون قبل شنه.
اختارت قيادة الجيش المصري شن الحرب، بما في ذلك سلسلة من الغارات الجوية المفاجئة على مواقع الجيش الإسرائيلي في سيناء المحتلة في "يوم الغفران"، وهو أقدس أيام السنة في الديانة اليهودية.
كان هذا أيضا خلال شهر رمضان الذي يصوم فيه المصريون، وهو أكثر وقت غير مرجح لخوض القتال. كما اختار المصريون الهجوم في وضح النهار مما أربك القوات الإسرائيلية بشكل كامل. دفعت الانتصارات التي حققها الجيش المصري في الساعات الأولى من الهجوم الإسرائيليين إلى الركض سعيا للحصول على المساعدة من الولايات المتحدة.

AP
الرئيس المصري أنور السادات (يسار)، ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن (يمين)، والرئيس الأميركي جيمي كارتر (وسط) يتصافحون بعد مؤتمر صحافي في الغرفة الشرقية للبيت الأبيض، في 17 سبتمبر 1978

قادت عدة أيام من القتال إلى وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من معظم أنحاء سيناء، وإلى جهود صنع السلام بوساطة الولايات المتحدة في السنوات اللاحقة. وقد فتحت هذه الجهود الباب أمام التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979.
كانت مصر أول دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل، وهو تطور واضح في منطقة ما زال الصراع العربي الإسرائيلي يمثل قلب التركيز الكامل فيها، حتى بعد مرور عقود.
ورأى بعض العرب أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل كانت السبب في كل النكسات والهزائم العربية اللاحقة، خاصة وأن المعاهدة وضعت مصر على الحياد، وتركت الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين في وضع حرج وهم يكافحون من أجل تحرير أراضيهم من الاحتلال الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، كان النصر المصري في الحرب مفاجئا للمجتمع الدولي ومشجعا للعرب في كل مكان.
لقد كذبت الادعاءات حول التفوق العسكري الإسرائيلي. فالصدمة التي صاحبت الانتصار المصري ناجمة وبعمق عن الفجوة الواسعة بين العتاد الذي يملكه المصريون وذاك الذي يملكه الإسرائيليون. وقد وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، هذه الفجوة في أكتوبر 2018 بأنها سباق بين سيارة سيات قديمة وسيارة مرسيدس حديثة.

الملفات تسلط الضوء على قدرة مصر على الدفاع عن أراضيها

جمال بيومي، الرئيس السابق لقسم إسرائيل في وزارة الخارجية المصرية

خطط التضليل

إن الملفات التي نشرتها وزارة الدفاع المصرية ذات أهمية خاصة لأنها توثق أحد أهم الأحداث في تاريخ مصر الحديث. وهي تكتسب ثقلها من حقيقة أنها تقدم وصفا شخصيا لما جرى خلال هذا الحدث المهم.
يقول قدامى المحاربين إن الملفات نفسها تكذب أيضا الدعاية الإسرائيلية حول الحرب، التي تسعى إلى التقليل من النصر المصري والمبالغة في أداء الجيش الإسرائيلي خلال الحرب. 
وقد قال اللواء سالم: "تدحض هذه الوثائق الكثير من الادعاءات التي أطلقتها إسرائيل بشأن الحرب، والتي كتبها الأشخاص الذين قاتلوا".
وأضاف: "هذا مهم للغاية لوضع الأمور في نصابها الصحيح فيما يتعلق بالحرب دون كذب أو مبالغة".
وتقلل معظم الروايات الإسرائيلية عن الحرب من شأن الإنجازات المصرية في تلك الحرب، وتدعي أحيانا أن المصريين لم يتمكنوا من تحقيق أي انتصارات مهمة باستثناء هجومهم الأولي في 6 أكتوبر. وتركز الدعاية الإسرائيلية أيضا على "عملية الغزال"، والتي لطالما وصفتها بأنها هزيمة مذلة للجيش المصري.

AFP
طفل يلتقط صورا بهاتفه لمشهد حربي أثناء زيارته لمتحف "بانوراما حرب 6 أكتوبر"، القاهرة في الأول من أكتوبر 2023

ومع ذلك، فإن هذه الوثائق التي رفعت السرية عنها مؤخرا تظهر رواية مختلفة تماما حول العملية ذاتها. كما تضيء تلك الوثائق على المعارك المختلفة التي خاضها الجيش المصري لردم الثغرة وتخريب العملية الإسرائيلية. وتلقي الضوء على الخسائر الإسرائيلية خلال تلك المعارك، والتي كانت أكبر من الخسائر المصرية بكثير.

الوقت الحرج

يأتي نشر ملفات الحرب في وقت يشهد توترا شديدا بين مصر وإسرائيل، خاصة وأن إسرائيل تخطط لغزو جنوب غزة، على بعد بضعة كيلومترات فقط من الحدود المصرية.
وتقابل خطط الغزو الإسرائيلي في القاهرة بقلق بالغ، في ظل المخاوف المصرية من النزوح المتوقع للاجئين الفلسطينيين نحو مصر. هذا وقد حذرت القاهرة من أن الغزو الإسرائيلي لرفح سوف يشكل تهديدا للأمن المصري.

REUTERS
عمال يقومون ببناء سياج إسمنتي كبير بالقرب من الحدود المصرية مع غزة في 17 فبراير

وتقوم مصر الآن بتحصين سياجها الحدودي مع غزة لمنع تدافع سكان القطاع الساحلي الفلسطيني إلى سيناء. ورغم ذلك، هناك مخاوف من أن القوات المصرية - التي تقف الآن في حالة تأهب على الحدود - ستكون مقيدة الأيدي إذا اقتحم مئات الآلاف من الفلسطينيين السياج الحدودي، هربا بحياتهم من الهجمات الإسرائيلية في جنوب غزة.
وتخشى مصر أنه بمجرد دخول فلسطينيي غزة إلى سيناء، سوف يتمكنون من تأسيس وجود دائم لهم، خصوصا على خلفية الخطط الإسرائيلية الواضحة لإفراغ غزة من سكانها وإعادة احتلالها.
إن ذلك يجعل الأذهان تتجه نحو أهمية الملفات التي طرحتها وزارة الدفاع المصرية مؤخرا وفقا لما يقول مراقبون في القاهرة.
ويضيف هؤلاء أن هذه الملفات تذكر الجميع بأن مصر أكثر من قادرة على إبقاء التهديدات لأراضيها بعيدة.
الدبلوماسي المتقاعد جمال بيومي، الرئيس السابق لقسم إسرائيل في وزارة الخارجية المصرية، قال لـ"المجلة" إن "الملفات تسلط الضوء على قدرة مصر على الدفاع عن أراضيها".
وأضاف: "إنها تقدم تأكيدات على جاهزية الجيش المصري، الذي يمتلك الآن أحدث الأسلحة، للدفاع عن حدود مصر".

font change

مقالات ذات صلة