سوريا... اغتيال القحطاني لن يضمن السلطة للجولاني

برغماتيته لا تقنع من حوله

أبو ماريا القحطاني الذي اغتيل في 4 أبريل

سوريا... اغتيال القحطاني لن يضمن السلطة للجولاني

يعتبر أبو محمد الجولاني، زعيم "هيئة تحرير الشام"، آخر الرجال الصامدين تقريبا بعد اغتيال أبو ماريا القحطاني، أحد الشخصيات البارزة في الهيئة، في 4 أبريل/نيسان الجاري، بعد أكثر من عقد من المنافسة المريرة بين الجماعات الجهادية في سوريا. ولكن، على الرغم من أن الجولاني يرى في القضاء على القحطاني فرصة لتعزيز قبضته على السلطة شمال غربي سوريا، فإن من المرجح أن يزيد المسار الذي يسلكه من ضعفه.

يسعى الجولاني إلى تعزيز "هيئة تحرير الشام" على أنها الحاكم الشرعي في شمال غربي سوريا، وقام بشكل منهجي بالقضاء على منافسيه من داخل الهيئة وخارجها لتعزيز سلطته.

أ ف ب
مقاتلون من "هيئة تحرير الشام" في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، 16 أغسطس 2023

وكان القحطاني قد أظهر طوال فترة نشاطه في الجماعات الجهادية، نوعا من النزعة البرغماتية التي اعتبرها الجولاني تهديدا في نهاية المطاف، إذ إنه يسعى لأن يكون الرجل البرغماتي الوحيد على الساحة.

بدأ العراقي أبو ماريا القحطاني مسيرته الجهادية كمقاتل للقوات الأميركية في العراق عام 2003. وانتقل إلى سوريا عام 2011 وأصبح أحد مؤسسي الجماعة التابعة لتنظيم "القاعدة" بقيادة الجولاني، وهي "جبهة النصرة". لكن الفترة التي قضاها مع "جبهة النصرة" و"هيئة تحرير الشام" لاحقا اتسمت دائما بالاضطراب والتوتر.

يحاول الجولاني تقديم "هيئة تحرير الشام" ككيان حكم، وإعادة تسمية نفسه كزعيم سياسي

وفي عام 2014، برز القحطاني على الساحة بسبب منشوراته المتكررة على منصة "X" (تويتر سابقا) والتي تنتقد مجموعة واسعة من القادة الجهاديين. إذ رأى القحطاني أن "داعش" يشكل تهديدا مباشرا لـ"القاعدة"، لكنه وسع انتقاداته لتشمل قادة "القاعدة" أيضا، الذين ألقى باللوم عليهم في صعود "داعش". وأدى ذلك إلى تهميشه من قبل الجولاني عام 2015.
في عام 2016، أعلنت "جبهة النصرة" أنها قطعت علاقاتها مع تنظيم "القاعدة"، وبعد عامين أعادت تسمية نفسها باسم "هيئة تحرير الشام". وبدوره، أعاد القحطاني تصنيف نفسه على أنه منتقد قوي لتنظيم "القاعدة". وقام الجولاني باستخدام القحطاني في القتال بين "هيئة تحرير الشام" وتنظيم "حراس الدين" التابع لتنظيم "القاعدة"، الذي أدى إلى إضعاف الأخير بشكل كبير. وأعاد التاريخ نفسه بالنسبة للقحطاني، إذ أمر الجولاني باعتقاله في مارس/آذار 2023 بعد اتهامه بإجراء اتصالات خارجية غير مناسبة.

أبو محمد الجولاني (يمين) وأبو ماريا القحطاني في إدلب

في الوقت نفسه، يحاول الجولاني تقديم "هيئة تحرير الشام" ككيان حكم شرعي، وإعادة تسمية نفسه كزعيم سياسي. وصور الجولاني هجمات "هيئة تحرير الشام" على المنافسين الجهاديين على أنها تهدف إلى مكافحة الجماعات المتطرفة. كما أنشأ ما يسمى "حكومة الإنقاذ" أثناء محاولته سحق الحكومة السورية المؤقتة التابعة لـ"الائتلاف السوري". وبدأ في الظهور علنا، بما في ذلك إجراء مقابلة غير مسبوقة مع البرنامج التلفزيوني الأميركي فرونت لاين عام 2021، وصف فيها تصنيف الولايات المتحدة له كإرهابي بأنه "غير عادل"، وأشار إلى أنه يريد أن تتحدث الولايات المتحدة معه باعتباره ممثلا لـ"جزء كبير من الثورة السورية"، ووصف حملة "هيئة تحرير الشام" على المنافسين بأنها محاولة لتوحيد صفوف الثورة.
إلا أن برغماتية الجولاني لا تقنع من حوله. وهناك انقسام مستمر داخل "هيئة تحرير الشام"، إذ لم يكن القحطاني هو الشخص الوحيد الذي يحاول تحدي الجولاني. ويحمل اغتيال القحطاني بعد شهر من إطلاق سراحه بصمات الجولاني في كل مكان، ويشكل تحذيرا للشخصية الأخرى التي تحاول الحشد ضد الجولاني في أعزاز وعفرين، وهو جهاد عيسى الشيخ، المعروف باسم أبو أحمد زكور.

يتشابه سعي الجولاني للحصول على سلطة منفردة وشرعية مع وضع الرئيس السوري بشار الأسد

وبالتوازي مع الصراع على السلطة داخل "هيئة تحرير الشام"، يواجه الجولاني احتجاجات شعبية مستمرة ضده. ففي إدلب، خرج الناس إلى الشوارع مطالبين برحيله، ومعترضين على قمع "هيئة تحرير الشام"، بما في ذلك سجنها وتعذيبها للمعتقلين، ومطالبين بتفكيك جهاز الأمن العام التابع لـ"هيئة تحرير الشام".
يتشابه سعي الجولاني للحصول على سلطة منفردة وشرعية مع وضع الرئيس السوري بشار الأسد. إذ قام الأسد أيضا بالقضاء على المعارضين، بما في ذلك من داخل صفوف "حزب البعث"، وكان يتوق إلى الشرعية الداخلية والخارجية. وبالمثل، استخدم رواية قمع المتطرفين استجداءً لدعم المجتمع الدولي.

أ ف ب
مقاتل معارض يطلق نيران المدفعية على قوات حكومية سورية من موقع في شمال غربي إدلب، 6 نوفمبر 2022

وقد اتبع كلا الرجلين سياسة تقليص دوائر السلطة من حولهما، وأظهرا عدم الثقة في بعض المقربين منهما، بالإضافة إلى محاولة تركيز عملية صنع القرار في أيديهما. ولكن، مع تقلص دوائر السلطة هذه، زاد خطر موقفهما، إذ أصبح الأسد في النهاية يحكم دولة فارغة، أما الجولاني، ورغم أنه يدعي تمثيل الثورة السورية، فإنه يبدو بأنه يسير على خطى الرجل الذي يسميه "الطاغية المجرم".

"أبو ماريا القحطاني"... من هو؟ ولماذا اغتيل؟

قتل الجهادي ميسر الجبوري المعروف بـ"أبو ماريا القحطاني"، وأصيب اثنان من مرافقيه بجروح خطيرة، في تفجير انتحاري داخل مضافة الجبوري في إدلب شمال غربي سوريا مساء الخميس 4 ابريل/ نيسان 2024.

وأفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أن أبو ماريا القحطاني نقل إلى المستشفى مصابا بجروح خطيرة، بعد استهداف مضافته في بلدة سرمدا.

من هو القحطاني؟

ولد في 1 يونيو/حزيران 1976 في مدينة الموصل بالعراق. وبعد سقوط صدام في 2003، انضم ميسر الجبوري في 2004 إلى تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي. وبعد إعلان "دولة العراق الإسلامية" في 2006 تسلم منصبا "شرعيا" في الموصل وتخصص في التواصل مع عشائر العراق، وأشرف على أمور مالية. وفي 2008 اعتقل لعامين حتى تم إطلاق سراحه منتصف 2010.

أ ف ب
زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني في ريف ادلب في 7 فبراير 2023

أرسله تنظيم "دولة العراق الإسلامية" مع أبو محمد الجولاني إلى سوريا في 2011، لتشكيل "جبهة النصرة" في سوريا. وكان من أشد منتقدي أبو بكر البغدادي. ودعم الانفصال بين "النصرة"، و"داعش". كما شارك لاحقا في الاقتتال الداخلي شمال غربي سوريا. وبقي قريبا ومنافسا للجولاني خلال التحولات التي شهدها تنظيم "النصرة"، إلى "فتح الشام"، ثم إلى "هيئة تحرير الشام"، وقطع العلاقة مع "القاعدة".

لماذا اعتقله الجولاني؟

يعتبر أبو ماريا القحطاني أبرز منافسي أبو محمد الجولاني زعيم "هيئة تحرير الشام" التي تسيطر على إدلب ومناطق شمال غربي سوريا. واعتقل الجهاز الأمني التابع لـ"الهيئة" عشرات العناصر العسكرية، بينهم قيادات في الصف الأول. ويقول خبراء إن زعيم "هيئة تحرير الشام" يريد "التخلص من منافسيه والتفرد بالسلطة".

وخضع "القحطاني" للإقامة الجبرية منتصف أغسطس/آب الفائت، إثر اعتقال خلية "تعمل لصالح التحالف الدولي واعتراف أفرادها بتورطه".

وأعلنت "هيئة تحرير الشام" عن تجميد مهام وصلاحيات القيادي أبو ماريا القحطاني. وقال: "القحطاني أخطأ في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه أو ضرورة الاستئذان وإيضاح المقصود من هذا التواصل".

أ ف ب
زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي الذي اغتيل بعملية أميركية في أكتوبر/تشرين الأول 2019. والصورة مأخوذة من فيديو بثه التنظيم قبل ذلك.

وشهدت مناطق شمال غربي سوريا اغتيالات بارزة بينها اغتيال أميركا لزعيمي "داعش": أبو بكر البغدادي في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وأبو إبراهيم القرشي في فبراير/شباط 2022. كما استهدف التحالف الدولي عددا من العناصر "الجهادية" بغارات جوية.

براءة ثم اغتيال

وأفرجت "هيئة تحرير الشام" عن أبو ماريا القحطاني يوم 7 مارس/آذار بعد 7 أشهر من اعتقاله، بتهمة "التواصل مع جهات معادية".

وجاء في بيان "اللجنة القضائية" أنه "بعد الاطلاع على قضية المتهمين بالعمالة، (نعلن) براءة المدعى عليه ميسر الجبوري (أبو ماريا القحطاني) من تهمة العمالة، والإفراج عنه".

وفي 4 أبريل/نيسان، أفاد "المرصد" بأن أبو ماريا القحطاني نقل إلى المستشفى في باب الهوى على حدود تركيا، نتيجة إصابته بجروح خطيرة، بعد استهداف مضافته بتفجير انتحاري في بلدة سرمدا بإدلب. وأعلن عن مقتله لاحقا.

font change

مقالات ذات صلة