تذكرة سفر إلى القدس

تذكرة سفر إلى القدس

قبل نحو أسبوع وفي تصعيد جديد، شنت إسرائيل هجوما على مجمع السفارة الإيرانية في دمشق، أسفر عن مقتل عدد من قوات "الحرس الثوري" الإيراني بينهم قائد "فيلق القدس" في سوريا ولبنان وفلسطين، العميد محمد رضا زاهدي، ونائبه العميد محمد هادي حاجي رحيمي، ومنذ تلك اللحظة بدأت التكهنات بكيفية الرد الإيراني ومكانه.

وفيما تبيانت الآراء حول حتمية الرد الإيراني، فمن الواضح أن طهران تدرك أن التصعيد والخروج عن قواعد اللعبة المرسومة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لن يكون في مصلحتها، وأن أي رد خارج هذه الحدود سيجرها إلى حرب أوسع ومخاطرة بخسارة مكتسباتها خلال الأربعين عاما الماضية.

وقد توقفت هجمات إيران عبر ميليشياتها على القوات الأميركية في سوريا والعراق، بعد أن تسببت في مقتل 3 جنود أميركيين في فبراير/شباط الماضي، يومها جاء الرد الأميركي من خلال عشرات الضربات الجوية على مواقع ميليشيات في سوريا والعراق تابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني، وبدا واضحا من خلاله أن الطرفين- أي الولايات المتحدة الأميركية وإيران- لا يرغبان في المواجهة المباشرة ولا الانزلاق نحو حرب أوسع.

رد إيران الأكثر احتمالا هو تسريع برنامجها النووي دون أن تخاطر بتعريض نفوذها في المنطقة للخطر

وبينما نقلت الصحافة الإسرائيلية خبر إخلاء إسرائيل 7 من سفاراتها وممثلياتها تحسبا لرد إيراني، فإن إيران تدرك أن أي عمل ضد المصالح الإسرائيلية سيتبعه رد إسرائيلي قد يطال الداخل الإيراني، وستكون فرصة جديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المأزوم داخليا وخارجيا والذي يسعى للخروج من مأزق غزة بتوسيع رقعة الحرب، كما حذر من أن كل من يلحق الضرر بإسرائيل أو يخطط لذلك سيلحق به الضرر.
كذلك التصعيد في البحر الأحمر لا يبدو أمرا مرجحا، خصوصا بعد إعلان الإدارة الأميركية عن عزمها النظر في إلغاء تصنيفها الأخير لجماعة "أنصار الله الحوثية" كمنظمة إرهابية، حيث نقلت وكالة "بلومبرغ" للأنباء عن المبعوث الخاص للرئيس بايدن إلى اليمن تيم ليندركينغ قوله: "آمل أن نتمكن من إيجاد مخارج دبلوماسية، بمعنى إيجاد طرق لخفض التصعيد تسمح لنا بشطب التصنيف في نهاية المطاف، وبالطبع إنهاء الضربات العسكرية على القدرات العسكرية للحوثيين"، وهذا بطبيعة الحال يعني أن مفاوضات أميركية إيرانية تجري حول الأمر، مما يجعل أي تصعيد إيراني ضد المصالح الأميركية في البحر الأحمر أمرا مستبعدا الآن.
أما في لبنان وفي الخطاب الذي ألقاه بمناسبة "يوم القدس العالمي"، فقد قال أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله: "كونوا أكيدين ومتيقنين بأن الرد الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق آت لا محالة على إسرائيل". ولكنه قال أيضا: "أين ومتى وكيف وحجم الردّ، هذه أمور نحن لسنا معنيين بالسؤال عنها ولا التدخل بها". بمعنى أوضح هو لم يتلق بعد أي تعليمات من طهران بالرد، أو بتغيير "قواعد الاشتباك" وتوسيع رقعة الحرب.

نحو نصف قرن وشعوب المنطقة ودولها تدفع ثمن طموح إيران وأطماعها

يبقى الرد الإيراني الأكثر احتمالا في تسريع وتوسيع برنامجها النووي دون أن تخاطر بتعريض نفوذها في المنطقة لمخاطر كبرى. فعلى المستوى السياسي والاستراتيجي تدرك طهران أن مصلحتها تكمن في الاحتفاظ بحق الرد، أما على المستوى الشعبوي والجماهيري فباستطاعة "حزب الله" أن يوزع ما شاء من تذاكر سفر إلى القدس، وهو ما فعله، إذ وزع الحزب أثناء خطاب نصرالله على الجمهور في ضاحية بيروت الجنوبية تذاكر سفر إلى القدس إلا أن موعد الرحلة لم يحدد، بل كتب على التذكرة: "تذكرة إلى القدس. تاريخ الذهاب قريبا.. ستثمر الدماء انتصارات وسنعبر".
تذاكر السفر هذه ذكرتني بمفاتيح الجنة التي كان الخميني يوزعها قبل أن يزج بشباب وأطفال إيرانيين إلى جبهات القتل أثناء الحرب العراقية الإيرانية. 
وبين مفاتيح الجنة وتذاكر السفر نحو نصف قرن من تغييب العقول والمتاجرة بالدين وفلسطين، ونحو نصف قرن من مخطط إيراني لم يتزعزع من نشر الفوضى والسيطرة على دول عربية بالمباشر أو من خلال ميليشياتها، نصف قرن وشعوب المنطقة ودولها تدفع ثمن طموح إيران وأطماعها.

font change