زيارة السوداني لواشنطن: أهداف مشتركة في الظاهر واختلافات في الباطن

أفق العلاقة المستقبلية في مرحلة ما بعد التحالف الدولي

أ.ف.ب
أ.ف.ب
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني

زيارة السوداني لواشنطن: أهداف مشتركة في الظاهر واختلافات في الباطن

مثل كل زيارات رؤساء الوزراء العراقيين السابقين لواشنطن، تحظى زيارة رئيس الوزراء الحالي، محمد شياع السوداني، بكثير من الترقب الإعلامي والسياسي في العراق، بخصوص ما يمكن أن تنجزه الزيارة... على الأغلب، لن يكون كثيراً أو مهماً أو جديداً.

منذ مطلع عام 2009، تنتظم العلاقات العراقية- الأميركية على أساس اتفاق شامل للصداقة والتعاون يُطلق عليه "اتفاق الإطار الاستراتيجي" ويغطي مجالات التعاون المهمة بين البلدين: السياسية والعسكرية والاقتصادية- من ضمنها الطاقة- والثقافية والقضائية والتكنولوجية. ويتحدث الاتفاق عن لجان تنسيق عليا بين البلدين تتناول هذه الملفات.

تقنيا، تأتي زيارة السوداني لواشنطن واجتماعه بالرئيس الأميركي، جو بايدن، في سياق ترؤس الرئيسين لفريقيهما التفاوضيين المؤلفين من هذه اللجان والبت في الملفات التي تشتغل عليها هذه اللجان أو اقتراح ملفات أخرى.

عمليا، لم يتحقق الكثير من هذا الاتفاق، رغم العمل الرسمي الكثير عليه وكثرة استدعائه في الإعلام، لأسباب معظمها عراقية تتعلق بافتقار البلد للقرار السياسي الموحد والنافذ على جميع مؤسساته وغياب الرؤية المتفق عليها بين الفرقاء العراقيين بخصوص مستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة. لكن الاتفاق يوفر إطارا جاهزا ومريحا للطرفين لانتقاء وإثارة القضايا ذات الأولوية لكل واحد منهما.

على سبيل المثال، رحبَ البيان الذي أصدره البيت الأبيض منتصف مارس/آذار الماضي بزيارة السوداني ليشير إلى القضايا التي تتصدر الاهتمام الأميركي، مثل مكافحة "داعش" ومناقشة "الإصلاحات المالية العراقية لدعم التنمية الاقتصادية والتقدم نحو استقلال البلد في مجال الطاقة".

ينتج العراق ثلث طاقته الكهربائية تقريبا باستخدام الغاز الإيراني المستورد

وترتبط الإصلاحات المالية بوضع آليات مصرفية رصينة لمنع تهريب الدولار إلى إيران وسوريا ووصوله أحيانا إلى روسيا الواقعة تحت العقوبات الأميركية أيضا. وقد خَطت حكومة السوداني بعض الخطوات المهمة بهذا الاتجاه في سياق ضغوط أميركية متصاعدة منذ فرضت الولايات المتحدة منصة إلكترونية للتحويلات الخارجية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 لتدقيق المعاملات التجارية للمصارف العراقية التي تجري بالدولار.

وقد أدت عملية التدقيق الإلكترونية هذه إلى رفض معظم هذه المعاملات، ما ساهم في ارتفاع سعر الدولار في السوق العراقية وارتفاع معدل التضخم الذي تضرر منه الأشد فقرا في البلد. وستطلب إدارة بايدن من السوداني أثناء الزيارة المزيد من الإصلاحات في القطاعين المصرفي والمالي، كثيرٌ منها يتعلق بعمليات أتمتة لكبح الفساد والتلاعب وتوفير مستوى معقول من الشفافية لا يزال مفقودا في العراق.

"استقلال البلد في مجال الطاقة" هو الإشارة الأميركية بضرورة أن يتوقف العراق عن استيراد الغاز من إيران لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية. وينتج العراق ثلث طاقته الكهربائية تقريبا باستخدام الغاز الإيراني المستورد. ويُفترض أن العراق يستطيع أن يحقق هذا الاستقلال من خلال تطوير صناعته في الغاز، أي مسك الغاز الذي يخرج مع النفط بدلا من أن يذهب في الهواء ويزيد من التلوث المناخي.

لكن التقدم العراقي في هذا المجال بطيء جدا، فتواريخ تحقيق هذا "الاستقلال" المرتجى تتغير باستمرار، منذ إعلان رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في 2011 أن العراق مستعد لتزويد أوروبا بالغاز "في السنوات المقبلة" (حددت سنوات تالية كموعد لهذا "الاستقلال"، 2020 ثم 2025، ومؤخرا 2030).

تحاول حكومة السوداني طرح تعاون ثنائي شامل باتجاه تطبيع الأوضاع مع أميركا، وتخفيف البعدين العسكري والأمني

معظم هذا "التلكؤ" مرتبط بسوء إدارة عراقية، خصوصا في كيفية كتابة وإدارة العقود مع الشركات النفطية الكبرى التي بدأت بمغادرة العراق كما حصل مع شركتي "شيل"، و"إكسون موبل". وستكون محاولة إعادة هذه الشركات أو إقناع غيرها ذات الرأسمال الكبير والقدرات التقنية العالية للاستثمار في العراق أحد أهدف زيارة السوداني لأميركا. فحسب عدة مصادر، سيلتقي الرجل في ولاية تكساس بممثلي بعض هذه الشركات.

عراقيا، يتصدر الهم السياسي الاهتمام الرسمي، ويتعلق بقدرة حكومة السوداني على إعادة تأطير العلاقة مع أميركا كي تبدو تعاونا ثنائيا شاملا، بعيدا عن التركيز على الجانب العسكري والتذكير بوجود القوات الأميركية في البلد، وهو ما يثير حفيظة الفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران التي تشكل جزءاً مهماً من التحالف البرلماني الذي شكل حكومة السوداني.

رويترز
عامل يتفقد خط أنابيب نفط في حقل نهر بن عمر النفطي، شمال البصرة، العراق، 22 مارس 2022

من هنا الإشارة في البيان الحكومي العراقي إلى بحث الطرفين "أفق العلاقة المستقبلية في مرحلة ما بعد التحالف الدولي لمحاربة (داعش) وأفضل السبل للانتقال إلى شراكة شاملة بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، في ضوء اتفاق الإطار الاستراتيجي بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والثقافية والتعليمية والأمنية".

تحاول حكومة السوداني تفكيك التحالف الدولي لمكافحة "داعش" وطرح تعاون ثنائي شامل كمنجز باتجاه تطبيع الأوضاع مع الولايات المتحدة، وتخفيف البعدين العسكري والأمني، وهما البعدان اللذان يثير تعميقهما ارتياب إيران والفصائل المسلحة العراقية المتحالفة معها.

دفع العلاقة مع واشنطن نحو شراكة فعلية وشاملة، يبدو تحديا هائلا واحتمالات النجاح فيه قليلة

عمليا، وفي سياق أوسع، ليس واضحا ما الذي يعنيه بالضبط هذا التحول نحو الشراكة الشاملة، فاتفاق الإطار الاستراتيجي منذ دخوله حيز التنفيذ قبل 15 عاما يقوم على هذه الشراكة ويدعو لها، لكن معظم هذه الشراكة أسير صراعات السياسة في العراق، خصوصا الموقف من واشنطن، سواء لجهة اعتبارها حليفة أو خصما، فليس هناك مفر من صداقته المريرة.

يتسق الذهاب نحو هذه الشراكة بالأفعال وليس بالأقوال فقط، مع أجندة حكومة السوداني التي تقدم نفسها بوصفها "حكومة خدمات،" ومع سلوك السوداني كشخص على رأس السلطة التنفيذية الذي يبتعد عن إطلاق التصريحات السياسية، أو الدخول في المواجهات السياسية مع الأطراف العراقية الأخرى.

حتى الآن، حقق الرجل بعض النجاح في هذا الصدد، لجهة التركيز على الخدمات والحد من تسييس الملفات الاقتصادية والأمنية وصناعة استقرار نسبي نادر عراقيا، لكن دفع العلاقة مع واشنطن نحو شراكة فعلية وشاملة، كما ينص اتفاق الإطار الاستراتيجي، يبدو تحديا هائلا واحتمالات النجاح فيه قليلة. وستكشف مخرجات هذه الزيارة مقدار الشوط الصعب الذي قطعه السوداني في هذا الصدد.

font change

مقالات ذات صلة