لقاء السوداني - بايدن... أولويات أميركية وعراقية مختلفة

قائمة من القضايا سيقدمها الأميركيون للسوداني

رويترز
رويترز
جندي اميركي يغطي وجه تمثال الرئيس العراقي صدام حسين بعلم الولايات المتحدة في بغداد في 9 ابريل 2003

لقاء السوداني - بايدن... أولويات أميركية وعراقية مختلفة

لسفارة الولايات المتحدة في بغداد موقع مثالي يطل على نهر دجلة، وهي سفارة ضخمة كانت معدة لاستيعاب أكثر من ألف موظف، لكن معظم مكاتبها اليوم خالية. وعند افتتاحها عام 2007، ضمت مكاتبها ممثلين من 14 إدارة ووكالة حكومية أميركية. ولم أزل أتذكر وقوفي بجانب السفير ريان كروكر خلال الحفل عندما أعلن أن افتتاح السفارة سيمثل بداية فصل جديد في العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق.

ومع ذلك، وبعد مرور سبعة عشر عاما، نجد أن عددا كبيرا من هذه الوزارات، بما في ذلك وزارة الخزانة والزراعة والتجارة، قد سحبت ممثليها من العراق. وتتزامن عمليات المغادرة، التي ترجع جزئيا إلى الهجمات المتكررة التي تشنها الميليشيات المدعومة من إيران، مع تحول التركيز الأميركي– منذ إدارة الرئيس باراك أوباما– بعيدا عن العراق نحو آسيا وأوروبا. ونتج عن ذلك كله أن فقد اتفاق الإطار الاستراتيجي الذي وقعه كروكر الاهتمام الذي كان يحظى به ذات يوم في واشنطن، حيث طغى عليه الصراع المستمر الذي يشمل الميليشيات الموالية لإيران والقوات الأميركية. واليوم، يستعد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للسفر إلى واشنطن الأسبوع المقبل على أمل إعادة تنشيط هذا الاتفاق، على الرغم من المخاوف الأميركية السائدة بشأن النفوذ الإيراني في العراق.

التحول إلى علاقة أمنية جديدة

في أعقاب هجوم "داعش" في موسكو، أعرب بعض المسؤولين الأميركيين عن مخاوف متجددة بشأن تهديد الجماعة. ولكن لا يجوز لعلاقة أقوى بين الولايات المتحدة والعراق أن تقوم فقط بسبب "داعش"، بل يجب أن يمتد التركيز إلى ما هو أبعد من ذلك. وكان تقرير مشترك صادر عن وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين صدر في شهر فبراير/شباط قد قرر أن تهديد "داعش" في العراق "بات تحت السيطرة بشكل فعال،" وأن التنظيم قد تحول إلى مرحلة الحفاظ على الذات بدلا من شن أعمال عدائية متكررة. وشرح التقرير بالتفصيل كيف نجحت القوات العراقية في تقليص قدرات "داعش" والحد من حريته العملياتية. ويوضح هذا التقييم، الذي يأتي من مسؤولين أميركيين على الأرض في العراق، سبب اعتقاد السوداني أن التحالف الدولي لمحاربة "داعش" في العراق قد أنهى مهمته بنجاح.

وأضاف التقرير إلى ذلك أن الضربات الأميركية بطائرات دون طيار ضد الميليشيات المدعومة من إيران كان لها "تأثير سلبي على العلاقات بين المستشارين الأميركيين والشركاء العراقيين". ويريد السوداني الآن تغيير الطريقة التي يعمل بها الجيش الأميركي في العراق للتخفيف من استياء الأجهزة الأمنية العراقية والميليشيات، بما في ذلك فروعها السياسية.

ا ف ب
السوداني متوسطا عمال النفط اثناء الاحتفال باعادة افتتاح مصفاة بيجي شمال بغداد في 23 فبراير

ولكن رئيس الوزراء العراقي يحرص على عدم المبالغة في تقدير هذه التغييرات، على الرغم من التصريحات السابقة الصادرة عن مكتبه والجيش العراقي التي تلمح إلى وجود مفاوضات بشأن انسحاب القوات الأميركية. وفي أواخر مارس/آذار، أدلى جنرال عراقي كبير لقناة "العربية" بتصريحات قال فيها إن العراق لا يحتاج إلى "قوات دولية كبيرة"، في إشارة إلى احتمال الاكتفاء بوحدة أصغر من القوات الأميركية.

وفي الوقت نفسه، يؤكد المسؤولون الأميركيون أنه لا يوجد ضغط من العراق أو إيران لسحب القوات الأميركية بالكامل، مشددين على المهمة المستمرة لتعزيز القدرات العسكرية العراقية. ولا نحسب أن اجتماع 15 أبريل/نيسان بين السوداني والرئيس بايدن سيدخل في مناقشات تفصيلية حول الأدوار المستقبلية للمستشارين العسكريين الأميركيين، بل لعله سيركز على تشجيع السوداني على تأييد النتائج التي توصلت إليها اللجان الفنية العسكرية التابعة للتحالف العراقي والتي تقوم بتقييم القدرات العملياتية والاستخباراتية لقوات الأمن العراقية. وتفضل إدارة بايدن تأجيل تحديد عدد المستشارين الأميركيين المستقبليين حتى تتضح المهام الموكلة إليهم.

يؤكد المسؤولون الأميركيون أنه لا يوجد ضغط من العراق أو إيران لسحب القوات الأميركية بالكامل، مشددين على المهمة المستمرة لتعزيز القدرات العسكرية العراقية

وعلى الجانب العراقي، يريد السوداني استمرار المساعدة والتدريب العسكريين الأميركيين. وتحتاج بغداد إلى المساعدة في صيانة طائراتها الحربية من طراز "إف-16" ودبابات "أبرامز". ويريد العراقيون هذه المساعدة بموجب اتفاق ثنائي. ومن الناحية النظرية، يمكن لمكتب التعاون الأمني التابع لوزارة الدفاع داخل السفارة الأميركية تسهيل ذلك، على غرار الاتفاقات العسكرية الأميركية مع دول مثل مصر والأردن. ومع ذلك، يواجه السوداني التحدي المتمثل في إقناع كل من الميليشيات وداعميها الإيرانيين بضرورة استمرار الوجود الاستشاري العسكري الأميركي، حتى ولو كان منخفضا، ما يثير تساؤلات الميليشيات ورعاتها الإيرانيين عن عدد الطائرات دون طيار الفتاكة التي سيحتفظ بها الأميركيون في العراق مع وجودها منخفض العدد.

الدور الحاسم للخزانة الأميركية والدولار في العراق

في حين أن وجود الجيش الأميركي في العراق يهيمن في كثير من الأحيان على عناوين الأخبار، فإن النفوذ الذي تمارسه وزارة الخزانة الأميركية والدولار الأميركي يلعب دورا أهم وإن يكن أقل وضوحا في الحياة اليومية للشعب العراقي. 

 أ ف ب
مقر البنك المركزي العراقي في مدينة البصرة الجنوبية

يبلغ متوسط صادرات العراق من النفط الآن نحو 3.3 مليون برميل يوميا. وتقول وزارة النفط العراقية إن عائدات شهر يناير/كانون الثاني من هذه الصادرات بلغت 8 مليارات دولار. وتودع هذه المكتسبات في حساب الحكومة العراقية لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. وقد بلغ الحساب في أوائل عام 2024 أكثر من 100 مليار دولار. ويمنح هذا الحساب المودع في نيويورك الحكومة الأميركية نفوذا هائلا على العراق. فبناء على أوامر وزارة الخزانة يفتح البنك الاحتياطي الفيدرالي صنبور الدولارات لتذهب إلى البنك المركزي العراقي أو يغلقه، اعتمادا على مدى امتثال العراق للعقوبات الأميركية المفروضة على إيران. ويؤدي إغلاق الصنبور إلى ارتفاع سعر الدولار وكذلك أسعار المنتجات الغذائية المستوردة إلى مستويات عالية جدا، ما يخلق صداعا سياسيا خطيرا لرئيس الوزراء العراقي.
تريد واشنطن من البنك المركزي العراقي أن يوقف تسرب الدولار من العراق إلى إيران. وفي العام الماضي منعت 14 بنكا عراقيا من التعامل بالدولار، وفي يناير الماضي فرضت الإدارة الأميركية عقوبات على "بنك الهدى" لتحويله دولارات إلى إيران على نحو غير قانوني. وفي وقت لاحق من شهر يناير منع البنك المركزي العراقي ثمانية بنوك عراقية أخرى من التعامل بالدولار، ولا يسمح حاليا لثلث البنوك التجارية العراقية باستخدام الدولار. 
وللتحايل على المزيد من الإجراءات الأميركية التي يمكن أن تعطل سعر الصرف والقطاع المصرفي في العراق، تواصل رئيس الوزراء مع إحدى مساعدات وزيرة الخزانة الأميركية خلال زيارتها في سبتمبر/أيلول ومع وكيل الوزارة بريان نيلسون في يناير 2024 في بغداد. وتدعو الحكومة العراقية، تحت ضغط الولايات المتحدة، إلى الاستخدام المحلي للدينار العراقي بدلا من الدولار وتشجع استخدام نظام "سويفت" لتبادل العملات الدولية، والذي تتم مراقبته عن كثب من قبل وزارة الخزانة الأميركية لمنع تحويلات الدولار الخاضعة للعقوبات. والجدير بالذكر أن مكتب المخابرات التابع لوزارة الخزانة قد توسع بشكل كبير على مدى الأعوام الخمسة عشر الأخيرة بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على كثير من البلدان. 
وسيؤكد السوداني في أثناء زيارته لواشنطن أن حكومته تتخذ خطوات جادة. ويود أن تعيد وزارة الخزانة التفويض الممنوح لبعض البنوك العراقية لاستخدام الدولار مرة أخرى في أنشطتها. واعترفت وزارة الخزانة بأن بغداد حققت تقدما في رفع مستوى البنوك العراقية إلى المعايير الدولية الخاصة بمكافحة غسيل الأموال ومنع تدفق الأموال إلى الجماعات الإرهابية. إلا أن مسؤولا بوزارة الخزانة صرح، بعد أن قتلت ميليشيا عراقية ثلاثة جنود أميركيين في الأردن يوم 28 يناير، أن الحكومة الأميركية تتوقع من الحكومة العراقية مساعدتها في تحديد الميليشيات المدعومة من إيران ووقف تمويلها. 
ومن المرجح أن يكرر السوداني التزام حكومته وتمسكها بالمعايير الدولية مع التأكيد على أن حكومته ستحتاج إلى بعض الوقت للقضاء على جميع تدفقات الدولار إلى الميليشيات. ولكن السؤال الذي تفكر فيه واشنطن هو: كيف تقنع رئيس الوزراء العراقي باستخدام الميزانية العراقية لتمويل الكثير من الميليشيات بغية إجبارها على التوقف عن مهاجمة القوات الأجنبية والدول الأجنبية.

الطاقة والاستثمار أمران معقدان 

لا تتطلع واشنطن إلى إبرام عقود نفطية كبيرة جديدة. ويؤكد الأميركيون عوضا عن ذلك على مساعدة العراق في تحقيق ما يسمى استقلال الطاقة، وهم يركزون في الحقيقة على إنهاء تجارة الطاقة بين العراق وإيران، وعلى الأخص إنهاء الواردات العراقية من الكهرباء والغاز الطبيعي الإيرانيين.
ويتعرض بايدن لهجوم سياسي من الحزب الجمهوري بسبب منحه العراق استثناء من العقوبات يسمح له أن يدفع لإيران مقابل واردات الكهرباء بالعملة الصعبة. كما يشجع الأميركيون على تحقيق مزيد من التقدم في مشاريع ربط شبكة الكهرباء العراقية بشبكات الأردن والمملكة العربية السعودية، كي يقلل العراق من اعتماده على الكهرباء الإيرانية. كما تشجع واشنطن العراق على إعداد خطة لوقف حرق الغاز المستخرج من آبار النفط واستخدامه ليحل محل واردات الغاز الطبيعي الإيراني. 

أ ف ب
حقل نهر بن عمر النفطي في جنوب العراق

أما بغداد فترغب من جهتها في أن يستثمر الأميركيون لديها في قطاع الطاقة. وأشار الأميركيون إلى صعوبة مناخ الاستثمار في العراق. فقد انسحبت شركة "إكسون" الأميركية الضخمة من حقل القرنة الكبير جنوبي العراق. كما أخبر مسؤولون من وزارة الخارجية والمبعوث الأميركي الخاص عاموس هوكستين بغداد أن الشركات الأميركية التي استثمرت في مشاريع الطاقة في كردستان في العراق تعاني الآن بسبب إصرار بغداد على وجوب تعديل جميع عقود النفط والغاز المستقبلية من عقود على تقاسم الإنتاج إلى عقود على تقاسم الأرباح. ولأن الشركات في المنطقة الكردية ترفض تعديل عقودها، تواصل بغداد إغلاق الأنبوب الكردي إلى تركيا. 

بغداد ترغب في أن يستثمر الأميركيون لديها في قطاع الطاقة. وأشار الأميركيون إلى صعوبة مناخ الاستثمار في العراق

وقد قال وزيرا الخارجية والنفط العراقيان في الأسابيع الأخيرة إن بغداد قد تعدل ميزانيتها كي تدفع تعويضات أعلى للشركات العالمية العاملة في كردستان العراق مقابل تكاليف الإنتاج. إلا أن البرلمان لم يعتمد بعد أي تعديل، ومن المرجح أن تكون مناقشاته حولها حادة. ولكن، حتى لو عدّل البرلمان الموازنة كي يسمح للحكومة بالتفاوض مع الشركات، فستكون المفاوضات بين بغداد والشركات شاقة. وإذا أثارت إدارة بايدن هذه المشكلة التجارية مع السوداني، فلن يقدم سوى وعود غامضة.

 الوساطة بين بغداد وأربيل؟


سيعزز حل قضية خط الأنبوب الكردي مكانة السوداني في واشنطن. فقد أصدر عدد من أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس، بقيادة السيناتور توم كوتون، حليف دونالد ترمب المقرب، رسالة الشهر الماضي انتقدوا فيها بايدن على موافقته على استقبال السوداني. وتشير رسالة كوتون إلى فقدان الثقة العميق من نفوذ إيران في بغداد. كما أبرزت مشاكل شركات النفط في كردستان كدليل على عداء السوداني لها، وهي المنطقة التي ينظر إليها كثيرون في واشنطن على أنها أقرب أصدقاء أميركا في العراق. 
زارت السفيرة الأميركية ألينا رومانوفسكي أربيل مرتين في الشهرين الماضيين قادمة من بغداد، بغية حث حكومة السوداني الفيدرالية وحكومة إقليم كردستان على حل خلافاتهما حول قضايا مثل قانون النفط الوطني ومسألة دفع رواتب موظفي حكومة كردستان وانتخاباتها التي من المقرر اليوم إجراؤها يوم 10 يونيو/حزيران. 
وتأمل حكومة بارزاني في أربيل أن يضغط بايدن على السوداني لتقديم تنازلات في هذه القضايا. ومع أنه من المرجح أن يتعاطف فريق بايدن مع بعض حجج أربيل، فإن من الصعب علينا أن نتصور أن يخوض الرئيس بايدن في التفاصيل بغية الضغط على رئيس الوزراء السوداني في هذه القضايا التي تثير الانقسام بين بغداد وأربيل. فبايدن ليس جورج دبليو بوش، ودور أميركا في العراق عام 2024 ليس كدورها عام 2004 ولا حتى ما كان عليه عام 2014. واهتمام بايدن ومستقبله السياسي يقتضيان تركيزا أكبر على غزة لا على العراق.

سيكون لدى الأميركيين قائمة بالقضايا الخاصة بهم يقدمونها للسوداني، لكن اتفاق الإطار الاستراتيجي الثنائي لن يتعلق إلا بالمساعدة الفنية والمشاريع الصغيرة. فالأشهر الستة الأخيرة التي تسبق الانتخابات الأميركية، لن تحمل معها أي مبادرة أميركية جديدة كبرى تخص العراق.

font change

مقالات ذات صلة