وثائق سرية عن اسقاط صدام... واتفاق خامنئي- الأسد على تحويل العراق "فيتنام جديدة"

جلال طالباني "يركض" الى دمشق لإبلاغها قرار الـ"سي أي إيه" التخلص من الرئيس العراقي... وبايدن يقول للأسد: "إذا لم نسقطه سيمتلك سلاحا نوويا"

المجلة
المجلة

وثائق سرية عن اسقاط صدام... واتفاق خامنئي- الأسد على تحويل العراق "فيتنام جديدة"

تبدأ "المجلة" بنشر حلقات استنادا إلى وثائق ومحاضر رسمية، عن المراحل الأخيرة لقرار الرئيس جورج بوش إسقاط صدام بعد فشل سيناريو "انقلاب القصر" و "ركض" رئيس "الاتحاد الوطني الكردستاني" جلال طالباني الى دمشق لإبلاغها قرار "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي أي إيه) السري بـ"التخلص من صدام" قبل سنة من غزو العراق في 2003، إضافة إلى محضر لقاء الرئيس جو بايدن (عندما كان قياديا في الكونغرس نهاية 2002) مع الأسد عشية الغزو وقوله: "إذا لم نسقط صدام، سيمتلك سلاحا نوويا".

كما نكشف في هذه الحلقات، نصوص الاتفاقات السرية بين "المرشد" الإيراني علي خامنئي والرئيس السوري بشار الأسد لإفشال الأميركيين عبر "العمليات الانتحارية" وتحويل العراق إلى "فيتنام جديدة"، وقول رئيس "مجمع تشخيص مصلحة النظام" الإيراني هاشمي رفسنجاني لمسؤول سوري في اجتماع رسمي مغلق، إن "كل جريح أو قتيل أميركي في العراق، هو قنبلة في أميركا".

وتنشر "المجلة" نص قائمة مطالب "الاستسلام"، التي سلمها باول للأسد في دمشق بعد سقوط صدام، وحث إيران للرئيس السوري على "عدم الخوف" من أميركا، وقول خامنئي إن بشار الأسد "حافظ الأسد شاب":

خلال النصف الثاني من التسعينات، سرع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد من وتيرة التطبيع مع الرئيس العراقي صدام حسين، وجرى تبادل الكثير من الرسائل السرية وفتح الحدود وتطوير العلاقات التجارية وتبادل النفط، فيما عرف وقتذاك بــ"حملة كسر الحصار" عن العراق.

كان هذا بعد سنوات من القطيعة وتبادل الاتهامات والمؤامرات ومحاولات التقارب، بما فيها فشل لقاء سري رعاه العاهل الأردني الراحل الملك حسين عام 1987 رغم وقوف الأسد ضد صدام في الحرب الإيرانية- العراقية.

غيتي
الرئيس صدام حسين والرئيس حافظ الأسد والسلطان قابوس بن سعيد وياسر عرفات في عمان بالأردن في 11 نوفمبر 1987

طوال هذه المسيرة القلقة بين جناحي حزب "البعث" الحاكم في دمشق وبغداد، تمسك الأسد بعلاقته مع طهران منذ انتصار "الثورة" فيها عام 1979 بما في ذلك الوقوف إلى جانبها في الحرب ضد العراق بين 1980 و1988 من جهة، وإلى جانب فصائل المعارضة العراقية التي تريد إسقاط نظام صدام حسين من جهة ثانية، ودول عربية متخاصمة مع إيران، وخصوصا وقوفه (الأسد) مع التحالف الدولي لإخراج قوات صدام من الكويت عام 1991 من جهة ثالثة.

تتضمن الوثائق محاضر اجتماعات بين مسؤولين سوريين ومعارضين عراقيين وقادة من دول عربية واقليمية

إلى حد كبير، استمر هذا الخط مع تسلم الرئيس بشار الأسد السلطة بعد وفاة والده في يونيو/حزيران 2000، بالتوازي مع محاولات كثيرة للانفتاح على أميركا ودول غربية. وفي خضم انشغال دمشق بالانتقال الرئاسي، واصلت سوريا اتصالاتها مع قادة المعارضة العراقية التي كانت تريد تغيير نظام صدام، وخاب ظنها بعد حرب تحرير الكويت عام 1991 وعدم حصول هذه المعارضة على الدعم الكامل من الأميركيين، بل وتعرضها لخيانات أميركية في الجنوب والشمال، والاكتفاء بـ"الحصار" والحظر الجوي في الشمال.

المشهد من دمشق

تكشف وثائق رسمية سورية، حصلت "المجلة" على نصها، الكثير من الأسرار والمواقف لما كان يجري في الغرف المغلقة ضمن التحضير الأميركي والإقليمي لغزو العراق في 2003. 
تتضمن الوثائق محاضر اجتماعات واتصالات بين مسؤولين سوريين ومعارضين عراقيين ومسؤولين عرب وإقليميين، نقلها نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، إلى باريس قبل انشقاقه عام 2005.

سارة لون

اللافت هنا أن خدام الذي كان يعارض التدخل الأميركي في العراق عام 2003 ولم يكن مقتنعا كثيرا به، عندما سمع من عراقيين عن قرار الرئيس الأميركي جورج بوش الحاسم بـ"إزاحة صدام"، كان هو نفسه أكثر المتحمسين للتدخل في سوريا، بعد انشقاقه عام 2005، عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وبدء الاحتجاجات والأزمة والحرب السورية في 2011.

طالباني أول من أبلغ دمشق القرار السري الذي اتخذته "سي أي ايه" بإزاحة صدام

كما تكشف هذه المحاضر والوثائق، التي تبدأ "المجلة" بنشرها تباعا، الخطوط المفتوحة التي تركتها دمشق مع خصومها وحلفائها المتحاربين، رغم تصاعد العلاقة السياسية والاقتصادية مع بغداد- صدام.
من الأمور اللافتة، في الوثائق والمحاضر، أن أميركا أبلغت المعارضة العراقية قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 نيتها "تغيير النظام"، لكنها كانت تراهن على "انقلاب في قصر صدام" جراء الضغط الاقتصادي الداخلي والحصار.
وبعد أحداث 11 سبتمبر وحرب أميركا في أفغانستان، انتقلت واشنطن إلى مرحلة جديدة، حيث اتخذت إدارة الرئيس جورج بوش قرارا بـ"إزاحة صدام"، غير أنها لم تحدد في البداية الوسيلة، فقد بعثت واشنطن وفدا بشكل سري إلى كردستان العراق في فبراير/شباط 2002 ثم استدعت رئيس "الاتحاد الوطني الكردستاني" جلال طالباني، ورئيس "الحزب الديمقراطي الكردستاني" مسعود بارزاني، في منتصف أبريل/نيسان لإبلاغهما بقرارها والبحث معهما في كيفية تنفيذ الخطة الأميركية للإطاحة بصدام.

أ ف ب
الزعيمان الكرديان جلال الطالباني (إلى اليمين)، ومسعود بارزاني يتحدثان إلى الصحافة في دوكان، شمال غربي مدينة السليمانية في 3 مايو 2009

وعلى عكس ما كان يعتقد، فإن طالباني أول من أبلغ دمشق نية واشنطن تغيير صدام، إذ "ركض" إلى العاصمة السورية لإبلاغ القيادة فيها بتفاصيل الزيارة السرية للوفد الأمني الأميركي إلى كردستان، وذلك قبل فترة طويلة من منافسه في الإقليم، زعيم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" مسعود بارزاني.

شجعت طهران المعارضة العراقية على خيار المشاركة في تغيير صدام

اللافت هنا، أنه خلال المحادثات مع المعارضة العراقية ودول عدة، نجحت إيران في تمرير فكرة أساسية عبر قادة المعارضة العراقية الذين هم مقتنعون أصلا بها، وهي عدم قبول سيناريو "كرزاي العراق"، في إشارة إلى احتمال العمل على استبدال صدام حسين بقائد عسكري يحل محله كما حصل عند "تعيين" حميد كرزاي في أفغانستان بعد إسقاط "طالبان". 
وقتذاك، جرى الحديث عن الفريق نزار الخزرجي، قائد الأركان العراقي السابق الذي كان موجودا في المنفى، وترددت معلومات عن علاقته بـ"وكالة الاستخبارات المركزية" الأميركية، أو شخصيات قيادية أخرى داخل العراق.

أ ف ب
الرئيس الإيراني محمد خاتمي (إلى اليمين) يستقبل نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام في طهران، 29 أيلول/سبتمبر 2003

وبعد اتخاذ واشنطن القرار، أكد أكثر من قيادي عراقي للأميركيين بعد محادثات مع مسؤولين إيرانيين بينهم قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" الذي قتل بغارة أميركية بداية 2020، أكدوا أنهم "لا يريدون دكتاتورا جديدا بدلا من دكتاتور قديم" وأن احتمال حصول انقلاب في بغداد "مستحيل". 

خطة إيران

 وشجعت طهران المعارضة على خيار المشاركة في تغيير صدام ولعب دور قيادي في مؤتمر المعارضة الذي عقد في لندن ليكون بديلا عراقيا، بل إن إيران قدمت للمعارضة السلاح والتدريب والرعاية. وما يلفت الانتباه هنا أيضا، من خلال المحاضر، أن طهران كانت تتحدث مع دمشق بلغة مختلفة عن اللغة التي تتحدث بها مع المعارضة والأميركيين، وهذا ما قاله طالباني لنائب الرئيس السوري (عبدالحليم خدام) في أحد الاجتماعات، حسب محضر اللقاء. وأضاف: "سيد أبو جمال (أي خدام)، الإيرانيون يتكلمون معنا كلاما غير الذي يقولونه لكم، علاقة (رئيس "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" في العراق محمد باقر) الحكيم الرئيسة مع (المرشد علي) خامنئي، توجد له علاقة مع (الرئيس محمد) خاتمي، وينسق مع خامنئي قبل أن ينسق معنا ومعكم ومع الآخرين. للإيرانيين علاقات مع الأميركيين عبر قنوات مختلفة".

الرئيس السوري: عدم نجاح أميركا هزيمة لها

واقع الحال أن طهران كانت تسير على خطين: الأول، العمل مع المعارضة لتغيير صدام والمشاركة في تشكيل النظام الجديد. الثاني، العمل مع دمشق لـ"إفشال الاحتلال الأميركي"، بحيث تكون واشنطن مدينة أكثر لطهران، وغير قادرة على تنفيذ خطتها المعروفة بـ"دومينو"، وهي "تغيير النظام" في البلدين المجاورين للعراق، أي سوريا وإيران. وهذا ما يكشفه محضر لقاء بين الأسد والرئيس محمد خاتمي و"المرشد" علي خامنئي في 16 مارس/آذار 2003، عندما جرى الاتفاق السياسي الكبير على "فتح أبواب جهنم أمام الأميركيين"، و"دعم المقاومة".

أ ب
صورة نشرتها وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، تظهر الرئيس السوري بشار الأسد وهو يصافح "المرشد" الإيراني علي خامنئي، قبل اجتماعهما في طهران في 25 فبراير 2019

وقبل ثلاثة أيام من بدء الحرب، وصل الأسد إلى طهران واجتمع بخاتمي، سأله: "ماذا نستطيع أن نفعل قبل الحرب بوقت قصير؟ وماذا سنفعل في حال وقوع الحرب، والتي ستدوم لفترة طويلة، ربما لسنوات؟ ولا أقصد أن الولايات المتحدة ستستقر، وإن استقرت وحققت الأمن، فستنتقل إلى إيران وسوريا". أجابه خاتمي: "نحن في إيران نفكر دوما في هذه النقاط، ودائما مبعوثي، وخاصة السيد (كمال) خرازي، خلال اتصالاته مع الأصدقاء، وخصوصا السيد خدام، يأتي على ذكر ذلك".
وحسب محضر لقاء خامنئي- الأسد، فإن الرئيس السوري قال: "عدم نجاح أميركا هزيمة لها، وإن لم نستطع هزمها يجب أن يبقى الوضع متفجرا ويجب أن تكون هناك عمليات استشهادية (انتحارية)"، فرد "المرشد" الإيراني بأن " السبيل الوحيد هو المقاومة، وتصوري أن هذه المقاومة سـتكون طويلة الأمد كما حصل في فيتنـام".
واتفقا على تشكيل "غرفة عمليات مشتركة"، وترك التنفيذ لأجهزة الاستخبارات في البلدين بالتعاون مع "المتطوعين" و"البعثيين" للذهاب إلى العراق لقتال الأميركيين، وتم تشكيل لجنة أمنية برئاسة قاسم سليماني ومحمد ناصيف، لإدارة العمليات ضد الأميركيين، حسب الوثائق.

الذريعة العلنية للحرب: أسلحة الدمار الشامل، وعلاقة صدام بتنظيم "القاعدة"

ومن الأمور الأخرى، التي يمكن ملاحظتها، أن أميركا خدعت تركيا في البداية، وتأخرت أسابيع قبل إبلاغها بـ"التحضير للحرب" خلال زيارة مشتركة لوفدين أمنيين وعسكريين من تركيا وأميركا إلى كردستان العراق في فبراير/شباط 2002.
أيضا، لوحظ أن المسؤولين السوريين، لم يكونوا مقتنعين حقيقة بجدية القرار الأميركي بـ"تغيير صدام"، للخوف من سقوط العراق في أيدي إيران وبسبب المصالحات التي جرت بين دول خليجية والعراق في ربيع 2002. وكانت دمشق، قد انتقلت بسرعة من السعي لإسقاط صدام إلى "الدفاع عنه" عندما قررت أميركا تغييره. وهذا ما يظهر في لقاء الرئيس الأسد مع وزير الخارجية الأميركي كولن باول في أبريل/نيسان 2002. هذا الذي عقد بالتزامن مع لقاء سري آخر كان يعقد بين المعارضة العراقية ومسؤولين أميركيين لوضع خطط إسقاط صدام، علما أن باول زار دمشق والتقى الأسد مرة أخرى بعد إسقاط صدام، ليبلغه بقائمة المطالب (الإذعان) الأميركية من سوريا.

غيتي
صورة نشرتها وكالة الأنباء السورية (سانا)، تظهر الرئيس السوري بشار الأسد متحدثا إلى وزير الخارجية الأميركي كولن باول في دمشق، 3 مايو 2003

أخيرا، زار جو بايدن (الرئيس بعد ذلك)- بصفته قياديا في الكونغرس- دمشق، والتقى الأسد قبل أسابيع من الحرب الأميركية في العراق، لينسق مع الأسد الذي يعارض هذه الحرب، حيث أرادها الرئيس جورج بوش، بذريعة نزع أسلحة الدمار الشامل من العراق.

المشهد الدولي

في فجر 20 مارس/آذار، أعلن بوش بدء الغزو البري، بهدف تنفيذ "مهمة واضحة"، هي "نزع أسلحة الدمار الشامل في العراق، وإنهاء دعم صدام حسين للإرهاب، وتحرير الشعب العراقي". 
زعمت إدارة بوش حدوث انتهاك مادي لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرقم 1441، والذي أعطى العراق فرصة أخيرة أواخر عام 2002 لنزع سلاحه، بناء على نتائح إخراج قوات صدام من الكويت عام 1991. 
الذريعة العلنية التي بدأت الحرب بسببها، كانت أسلحة الدمار الشامل وعلاقة صدام بتنظيم "القاعدة" بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول. وفي سبتمبر 2002، نشر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ملفا قال فيه إنه "أثبت بما لا يدع مجالا للشك" أن العراق استمر في إنتاج أسلحة كيماوية وبيولوجية.

في يونيو 2002، وضع بوش الابن الخطوط العريضة لمبادئ السياسة الخارجية، المعروفة باسم "عقيدة بوش"

لكن سرعان ما تلاشت مبررات بوش وبلير أمام الوقائع، إذ إن الرئيس الأميركي نفسه، أعلن نهاية 2003 نفي علاقة صدام بتنظيم "القاعدة"، فيما أفادت تقارير استخباراتية غربية بعدم وجود أسلحة دمار شامل. وفي عام 2016، توصلت لجنة تحقيق بريطانية في العراق برئاسة جون تشيلكوت إلى أن تأكيدات بلير بشأن هذه النقطة لم تكن مبررة، وكان ينبغي على المخابرات البريطانية تصحيحها له. وقال تشيلكوت إن القرار اتخذ قبل استنفاد الخيارات السلمية لنزع السلاح؛ وإن بلير كان قد قرر دعم الحرب في وقت مبكر، قائلا لبوش في يوليو/تموز 2002: "سأكون معكم، أيا كان الوضع".
ونقلت وثيقة رسمية بريطانية في يوليو/تموز 2002 عن ريتشارد ديرلوف، رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني (إم آي 6)، قوله بعد عودته من واشنطن، إن الحرب أصبحت "حتمية، وإن بوش يريد الإطاحة بصدام من خلال التحرك العسكري بذريعة إيواء العراق للإرهاب وامتلاك أسلحة الدمار الشامل. لكن المعلومات الاستخباراتية والحقائق تركزت حول السياسة التي ستتبع لتحقيق ذلك". 
كل هذا رجح أن السبب الحقيقي هو تغيير النظام العراقي، و"نشر الديمقراطية" بعد صعود دور "المحافظين الجدد" في أميركا. وهؤلاء من الليبراليين المحبطين من يساريي الستينات. وهم مقتنعون بالحريات الفردية والتجارية والدعوة إلى استخدام القوة العسكرية في الخارج لتعزيز مصالح الولايات المتحدة والديمقراطية.

أ ف ب
صورة مؤرخة في 14 أبريل 2003 تظهر جنودا من مشاة البحرية الأميركية يحملون صورة للرئيس العراقي صدام حسين في "مطار صدام الدولي" في بغداد

ضمت إدارة بوش الكثير منهم، مثل بول وولفويتز وريتشارد بيرل وبول بريمر، وهم من المدافعين الأوائل عن غزو العراق. ودعم ديك تشيني نائب الرئيس، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع، دعما أفكار "المحافظين" وقرار الرئيس بوش الابن. 
وفي يونيو/حزيران 2002، وضع الرئيس بوش الابن الخطوط العريضة لمجموعة من مبادئ السياسة الخارجية، المعروفة باسم "عقيدة بوش"، أهمها السماح بـ"ضربات استباقية" ضد الخصوم، و"تصدير الديمقراطية" في العالم، والحفاظ على "تفوق أميركا العسكري".
وبعد أفغانستان التي هاجمها الأميركيون بعد أحداث 11 سبتمبر، اتجهت الأنظار إلى العراق. ووضعت إدارة بوش جدول الغزو في ربيع 2003، وجرى ترتيب جميع العناصر لذلك، مثل: لجنة التحقيق الدولية، والحملة الدبلوماسية، والتحالفات مع الدول الإقليمية والمعارضة العراقية.

تتضمن الوثائق محضر اجتماع الأسد ووزير الخارجية الأميركي كولن باول الشهير

لم تملك واشنطن خطة واضحة عن "اليوم التالي" لسقوط صدام، والحرب التي عارضتها فرنسا وألمانيا ودول عربية وقوى ونواب في بريطانيا وأميركا، لذلك حاولت التنسيق مع المعارضة وتنظيمها بسرعة لتسلم السلطة في بلاد كانت خارجها لعقود أو سنوات، في وقت كانت الدول المستضيفة لهذه المعارضة والمجاورة للعراق خصوصا سوريا وإيران، تحاول شد أقطاب المعارضة إلى صفها وأجنداتها المتناقضة. 

تنسيق إيراني- سوري

كما تتضمن الوثائق محضر اجتماع الأسد ووزير الخارجية الأميركي كولن باول الشهير منتصف 2003، ونص "قائمة المطالب" التي سلمها للأسد، وهي بمثابة "شروط إذعان"، تتضمن التخلي عن "حماس"، و"الجهاد الإسلامي"، و"حزب الله"، وإغلاق الحدود مع العراق، والانسحاب من لبنان. 
بعد سقوط صدام بسرعة في ربيع 2003 على عكس توقعات خامنئي والأسد، حسب الوثائق، بدأ الافتراق بين دمشق وطهران. حاولت سوريا تنظيم مؤتمر للمعارضة لكن إيران رفضت، إذ حث رئيس "مجلس تشخيص مصلحة النظام" هاشمي رفسنجاني الجانب السوري على "عدم الخوف"، وقال: "كل جريح أو قتيل أميركي، هو قنبلة في أميركا". كما قال إن الشيعة سينتقلون من التعاون مع أميركا إلى معارضتها بعد السيطرة على السلطة في بغداد.

رويترز
صورة للرئيس السوري بشار الأسد على الجانب السوري من الحدود العراقية السورية، 12 فبراير 2023

لكن دمشق وطهران واصلتا التنسيق عبر دعم فصائل عراقية متعددة وفتحت الحدود أمام "الجهاديين" لإنهاك الأميركيين وعدم استقرارهم في العراق. وحصلت تطورات كثيرة عبر السنوات اللاحقة. اغتيل رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري في 2005. وانسحبت سوريا من لبنان في ذلك العام. كما تراكم العنف والعمليات والتفجيرات في العراق. وانسحبت القوات الأميركية منه في 2011. وزاد الدور الإيراني فيه، وعادت أميركا تحت مظلة التحالف الدولي لمحاربة "داعش" بعد 2014. وبعد أكثر من عقد على اندلاع الاحتجاجات، باتت سوريا مقسمة إلى ثلاث مناطق نفوذ ودعمت طهران وموسكو حكومة دمشق، فيما تقيم قوات واشنطن شمال شرقي سوريا. توازنات الشرق الأوسط تغيرت كثيرا بعد سقوط صدام.
وبمناسبة الذكرى الحادية والعشرين لحرب العراق، بين بدئها ليل 19/20 مارس، وسقوط بغداد يوم 9 أبريل 2003، تبدأ "المجلة" نشر حلقات استنادا إلى وثائق ومحاضر لاجتماعات قياديين عراقيين وعرب وإقليميين وإيرانيين وأميركيين، مع مسؤولين سوريين، عشية التحضير للحرب العراقية، وفي الفترة الأولى عقب سقوط صدام وأثر ذلك على دمشق وطهران وبغداد.

* غداً الحلقة الأولى، طالباني "يركض" إلى دمشق لإبلاغها قرار بوش "السري" إسقاط صدام... والبيت الأبيض يعده بــ"مفاتيح بغداد"

font change