"التانغو" على إيقاع المايسترو الأميركي

أثبتت إيران أنها خصم عقلاني لإسرائيل والولايات المتحدة

"التانغو" على إيقاع المايسترو الأميركي

إذن بعد 14 يوما على استهداف قنصليتها في دمشق ومقتل عدد من قادة "الحرس الثوري"، قامت إيران بالرد عسكريا على إسرائيل وبالمباشر لأول مرة في تاريخ البلدين. لم تلجأ طهران لأذرعها في المنطقة بل أطلقت الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة من داخل أراضيها باتجاه إسرائيل، وقبل أن تصل وجهتها- إذ تحتاج هذه الطائرات ساعات لتقطع كل هذه المسافة- كانت إيران قد أعلنت عبر بعثتها في الأمم المتحدة عن نهاية ردها.

رد اعتبره كثيرون هزليا ومسرحيا، فإيران لم تلحق أي أذى يذكر بإسرائيل، ولم تحقق أي إصابات، ولكن بعيدا عن نظرية المؤامرة فقد كان الرد متناسقا جدا مع مصالح "الجمهورية الإسلامية" التي حرصت على أن لا تخرق المواثيق الدولية، وأبلغت جميع المعنيين بالعملية قبل القيام بها، وكانت قد ربطت الامتناع عن الرد بإصدار بيان من مجلس الأمن يدين استهداف إسرائيل لقنصليتها في دمشق، وهو ما لم يحصل، ليأتي ردها في سياق "الدفاع عن النفس".

ولترد إسرائيل بعد أيام على الرد الإيراني في عملية محدودة أتت بعد جهود مضنية بذلتها الإدارة الأميركية للجم رغبة بنيامين نتنياهو في إشعال المنطقة بحرب واسعة. والقول إن ما حصل بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني هو مجرد مسرحية أمر غير دقيق، فما حصل هو تفاهمات مباشرة وغير مباشرة بين واشنطن وطهران وتل أبيب لإبقاء نيران الحرب محصورة في غزة، وستكون له انعكاساته على المنطقة.

بعيد الرد الإيراني، أكد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان أن بلاده "ترغب في ممارسة ضبط النفس" وليس لديها أي نية للمساهمة في تصعيد أكبر للتوترات.

كسب جو بايدن عدة نقاط، فقد ظهر وكأن بلاده تلعب دور الوسيط بين إيران وإسرائيل

كذلك شكك عبداللهيان في وقوف إسرائيل وراء التفجيرات التي طالت قاعدة عسكرية في محافظة أصفهان،  واعتبر أن "الأسلحة التي استخدمت أشبه بألعاب الأطفال"، مؤكدا أنه طالما "لا توجد مغامرة جديدة من جانب إسرائيل ضد مصالحنا فلن يكون لدينا أي ردود فعل جديدة". كما نقل عن عبداللهيان تأكيده في مقابلة تلفزيونية مع "أن ب ث" الأميركية حرص بلاده على عدم وقوع إصابات بين المدنيين الإسرائيليين أثناء الرد الإيراني.
من جانب آخر، تناقل الإعلام الإسرائيلي أن تل أبيب حصلت على ضوء أخضر أميركي لاجتياح رفح مقابل اكتفاء إسرائيل برد عسكري محدود على الهجوم الذي شنته إيران، وهذا ما نفاه مسؤولون أميركيون.
وبين استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق ومسيرات لم تصل في أغلبها إلى إسرائيل و"ألعاب أطفال" في أصفهان، غابت الحرب على غزة بالكامل عن الأجندة الإيرانية، لا "وحدة ساحات" ولا "وحدة مصير"، لكنها بقيت أولوية على أجندة نتنياهو.
كسب جو بايدن عدة نقاط، ظهر وكأن بلاده تلعب دور الوسيط بين إيران وإسرائيل وأنه "يمون" على الطرفين لكي لا يمتد الحريق خارج غزة، دون التقليل من حق أحدهما في "الدفاع عن النفس" طالما كان دفاعا مضبوط الإيقاع لا يشبه ما تسميه إسرائيل "دفاعا عن النفس" في غزة.

استطاعت طهران أن تنسي جزءا من الجماهير العربية كل ما اقترفته في سوريا والعراق واليمن

أعادت الضربة الإيرانية سردية إسرائيل "المستهدفة" من الجميع، خرج نتنياهو من عزلته بعد كل ما ارتكبه وجيشه بحق الفلسطينيين في غزة.
أما طهران، ورغم أن غزة لم يكن لها أي وجود في حساباتها، لا وقت الرد ولا وقت التفاوض، فإنها استطاعت أن تنسي جزءا من الجماهير العربية كل ما اقترفته في سوريا والعراق واليمن ليلتفوا حولها من جديد. 
ولكن الأهم أن إيران أثبتت أنها خصم عقلاني بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، ويمكن الوصول إلى تفاهمات بين الأطراف الثلاثة، فهي القادرة على إشعال الحرائق دون أن تصل النيران إلى دارها، وهي القادرة على إخمادها عندما تتطلب مصالحها ذلك. فهل شاهد قادة "حماس" ما جرى؟ وهل سمعوا ما قيل؟ وهل أدركوا ما اقترفوه بحق القضية الفلسطينية؟ أم إنهم مشغولون بإيجاد مقر إقامة جديد، قد يدفع ثمنه الفلسطينيون مجددا بعد بضع سنوات.

font change