إيران وإسرائيل... اختبار "القواعد" لن يتأخر

انتهت الجولة غير المسبوقة من المواجهة، لكن مفاعيلها لم تنته

إيران وإسرائيل... اختبار "القواعد" لن يتأخر

انتهت الجولة غير المسبوقة من المواجهة بين إيران وإسرائيل، لكن مفاعيلها لم تنته. كانت محاولة لتغيير "قواعد الاشتباك" وعرضا لما يمكن أن يحصل في أي حرب مباشرة مستقبلية وتمرينا لتفاهمات بين "العدوّين" أدارتها واشنطن من وراء الكواليس، قد تظهر مفاعيلها في الفترة المقبلة.

صحيح أنه جرى تدمير معظم الـ330 مسيرة وصاروخا، لكن الصحيح أيضا أن عددا قليلا منها وصل إلى القاعدة الجوية التي انطلقت منها طائرات قصفت القنصلية في دمشق. رسالة إيران "المحدودة وغير المباغتة" كانت أن لديها إمكانية لإرسال صواريخ ومسيرات إلى أهداف دقيقة في إسرائيل، وهي تريد تغيير "قواعد الاشتباك" والانتقال من "الصبر الاستراتيجي" إلى "الردع الفعال"، الخروج من حرب الوكلاء في سوريا والعراق ولبنان واليمن إلى حرب الأصلاء في تل أبيب وطهران: أي هجوم مباشر على مصالح إيرانية، سيكون الرد عليه باستهداف مباشر لإسرائيل.

الاعتقاد الإسرائيلي لدى قصف القنصلية، كان أن طهران ستواصل "حرب الوكلاء". لكن إيران اعتبرت قصف "قنصليتها" في دمشق اعتداء على أراضيها، وقررت لأسبابها أن تقوم بالأصالة عن نفسها بضرب إسرائيل. لكنها في الوقت نفسه، أرسلت إلى واشنطن عبر كثير من الأقنية، أنها لا تريد إحداث دمار كبير في إسرائيل ولا تريد تصعيدا إقليميا وحربا خارج السيطرة، وهذا معنى كلام "المرشد" علي خامنئي يوم الأحد، عندما أشار إلى تقصد "تقليل التكاليف وتعظيم المكاسب".

بمعنى أن خامنئي قرر نسخ "انتقام سليماني". فمثلما أبلغت طهران واشنطن بأنها ستنتقم لقتلها قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني قرب مطار بغداد بداية 2020 بقصف قاعدة أميركية في العراق من دون إصابات بشرية، بعثت رسائل من أنها ستقصف إسرائيل بوابل من الصواريخ والمسيرات من دون إصابات بشرية. المهم هو الرسالة والبحث عن دور إقليمي.

تفاهمات واشنطن مع تل أبيب، تشمل: مستقبل غزة. واقتحام رفح. والمساعدات العسكرية. والدعم الدبلوماسي 

بالطريقة ذاتها، كان الرد الإسرائيلي. قبل بنيامين نتنياهو "نصيحة" الرئيس جو بايدن بعدم الذهاب إلى الرد الشامل في إيران، واكتفى بقصف محدد للقاعدة الجوية في أصفهان، التي انطلقت منها المسيرات والصواريخ إلى إسرائيل. الرسالة الإسرائيلية، هي أن الاستهداف المباشر سيكون الرد عليه مباشرا، ولا بد من العودة إلى "قواعد الاشتباك" التي كانت سائدة قبل الأول من أبريل/نيسان.
لكن هذا ليس كل شيء. لا شك أن التفاهمات الأميركية مع تل أبيب و"أثمان الرد المحدود وغير المباغت"، تشمل عناصر أكثر من هذا: أولا، مستقبل غزة وخطط نتنياهو لاقتحام رفح واستمرار العملية العسكرية في القطاع  من دون ضغوط خارجية. ثانيا، تقديم حزمة المساعدة العسكرية بعد موافقة مجلس النواب الأميركي (26 مليار دولار تحتاج موافقة الكونغرس وإقرار بايدن لها). 
ثالثا، تقديم الدعم الدبلوماسي والغطاء ضد أي اعتراف من جانب واحد في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية مقابل البحث عن مسار سياسي إقليمي يتضمن حلا فلسطينيا. 
رابعا، تعزيز التعاون الإقليمي والعربي مع إسرائيل ضد إيران. 

عملية "منع إسرائيل لتموضع إيران في سوريا مستمرة"، لكن هل سيتم هذا بموجب "القواعد" القديمة أم الجديدة؟

بعيدا من المسيرات والتصريحات والتفاهمات، واقع الحال ان صاروخا إيرانيا ضرب قاعدة إسرائيلية، وصاروخا إسرائيليا ضرب قاعدة إيرانية وبينهما براعة في تبادل الرسائل برعاية أميركية بحثا عن "قواعد الاشتباك". لكن أسئلة كثيرة لا تزال قائمة في المرحلة المقبلة. كيف سترد طهران في حال اغتالت تل أبيب قادة كبارا من "الحرس" في سوريا أو العراق؟ هل ستقبل إسرائيل "القواعد" الجديدة باحتمال تعرضها لهجوم إيراني جديد؟ ماذا لو قرر نتنياهو هجوما واسعا على "حزب الله"؟ هل غادرت "حرب الظل" المنطقة وباتت على لهيب "الردع الفعال"؟ هل انتهت مرحلة كتابة "قواعد المواجهة" أم إن هناك جولة أخرى وجولات لصياغات الترتيبات الجديدة؟ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قال يوم الأحد من الجولان السورية المحتلة، إن عملية "منع تموضع إيران في سوريا مستمرة"، لكن هل سيتم هذا بموجب "القواعد" القديمة أم الجديدة؟

موعد اختبار "القواعد" الجديدة بين إيران وإسرائيل، لن يتأخر كثيرا.

font change