حان الوقت لكي يتجاوز البنك الدولي التقاليد

يفترض أن يتبنى نموذجاً جديداً لتخفيف حدة الفقر المدقع

.أ.ب
.أ.ب
وزراء المالية في الجلسة العامة لاجتماع اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية (IMFC)، واشنطن، الجمعة 19 أبريل 2024.

حان الوقت لكي يتجاوز البنك الدولي التقاليد

لا تملك اجتماعات الربيع التي يعقدها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي سوى القليل من الدراما التي تحيط بمفاوضات السلام. كثيراً ما تهيمن عليها المسائل التقنية والتكنوقراطية المتعلقة بتعقيدات التمويل الدولي. لكن بالنسبة إلى أفقر الناس في العالم، تمثّل القرارات التي تُتّخَذ في هذه الاجتماعات مسائل حياة أو موت.

منذ تسعينات القرن العشرين، سهّل البنك الدولي امكان تحقيق انخفاض كبير في الفقر المدقع على مستوى العالم، من أكثر من شخص بين كل ثلاثة أشخاص يعيشون في فقر مدقع عام 1990 إلى أقل من شخص بين كل 10 أشخاص اليوم. لكن البلدان الهشة والمتأثرة بالنزاعات، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وميانمار، تشهد اتجاهاً معاكساً: في تلك الأماكن، يتزايد الفقر المدقع، وفي حلول عام 2030، ستكون موطناً لما يقدر بنحو 59 في المئة من الأشخاص الذين يعيشون جميها في فقر مدقع. ذلك أن اجتماع النزاعات وتغير المناخ والصدمات الاقتصادية أدى إلى اعتماد أكثر من 300 مليون شخص على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.

كسر التقاليد

أتاحت اجتماعات الأسبوع الماضي في واشنطن فرصة للبنك الدولي لسد فجوة الفقر المدقع، من خلال تجديد نهجه في التعامل مع الفقر . سيتطلب ذلك قدراً من الخيال أكثر مما شهدناه تاريخياً من المؤسسات التنموية والإنسانية. لكن إذا تمكن البنك من التخلي عن أطر التنمية التقليدية، وتحسين مدى وصوله ونطاقه واستدامته، فسيكون قادراً على تقديم دعم أفضل لمن هم في أمس الحاجة إليه.

في الدول المتأثرة بالأزمات، حيث العمل الإنساني الفاعل هو الخطوة الأولى للتنمية، تبدو أجندة البنك الدولي أقل تطوراً لتحقيق النمو المستدام

في الدول المستقرة، صار لدى اقتصادات التنمية الآن قواعد تتجاوز "إجماع واشنطن"، وتتسم بمبادئ السوق الحرة وإلغاء القيود التنظيمية؛ وتدعم المؤسسات المالية الدولية الآن نماذج النمو المستدام والشامل. لكن في الدول المتأثرة بالأزمات، حيث العمل الإنساني الفاعل هو الخطوة الأولى على طريق التنمية، تبدو أجندة سياسات البنك الدولي أقل تطوراً بكثير.

خريطة جديدة

لقد أدرك البنك الدولي ذلك. فقد أقرّت خريطة طريق التطور الجديدة للبنك، بقيادة رئيسه أجاي بانغا، بالحاجة الملحة للتركيز على الهشاشة والنزاعات وتغير المناخ – من بين تحديات عالمية أخرى – لتحقيق مهمته المتمثلة في القضاء على الفقر على كوكب صالح للعيش. لكن المؤسسة الدولية لا تزال في حاجة إلى خطة ملموسة.

.أ.ف.ب
رئيس البنك الدولي أجاي بنغا (إلى اليسار) والمدير العام لمظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس (إلى اليمين)، يتحدثان عن توسيع نطاق التغطية الصحية للجميع، خلال اجتماعات الربيع للصندوق والبنك الدوليين.

تاريخياً، اعتمد البنك الدولي على شراكات حكومية قوية. مع ذلك، ومع تغير مشهد الفقر، سيحتاج إلى اعتماد نهج أكثر مرونة. على البنك توسيع نطاق تقديم خدماته من خلال شركاء غير حكوميين، يمكنهم في كثير من الأحيان الوصول في شكل أفضل إلى المجتمعات المحتاجة. وهذا مهم في شكل خاص في حالات الأزمات حيث قد لا تتمكن الحكومة من الوصول إلى أجزاء من البلاد.

الدور الفاعل للمجتمع المدني

مثلاً، نجحت منظمتي، "لجنة الإنقاذ الدولية"، في شراكة مع "التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع"، المنظمة العالمية التي تسعى إلى تحسين القدرة على الوصول إلى اللقاحات، إلى جانب جماعات المجتمع المدني ذات القيادة الأفريقية في إثيوبيا والصومال وجنوب السودان والسودان. واعتباراً من فبراير/شباط، أعطت شراكتنا أكثر من مليون جرعة من اللقاحات المنقذة للحياة إلى أطفال. قبل البرنامج، لم تتمكن "لجنة الإنقاذ الدولية" من الوصول إلا إلى 16 في المئة من المجتمعات المستهدفة في القرن الأفريقي. الآن، نحن قادرون على الوصول إلى 77 في المئة من تلك المناطق.

يحتاج البنك الدولي أيضاً إلى خطة لتوسيع نطاق عملياته. وهذا لا يتطلب بناء القدرات فحسب، بل يتطلب أيضاً الحد من الضغوط على الأنظمة الوطنية مثل شبكات المستشفيات، التي كثيراً ما تعاني من الإرهاق أثناء الأزمات. وقد نجحت المنظمات الإنسانية مثل "لجنة الإنقاذ الدولية" في الحد من سوء التغذية الحاد بين الأطفال من خلال شراكة مع عاملين صحيين مجتمعيين، بتشخيص الحالات وتقديم العلاج بدلاً من زيادة عدد الحالات في المستشفيات.

ينبغي على البنك الدولي أن يطلق نموذجاً جديداً لـ"المؤسسة الدولية للتنمية"، وهي من أكبر مصادر تمويل التنمية لأفقر بلدان العالم

سيكون من الأهمية بمكان أن يضمن البنك قدرة برامجه على دعم أي تقدم تحرزه. وسيتطلب ذلك توطيناً حقيقياً، وليس خطابياً: نقل السلطة إلى المستجيبين المحليين وبناء الثقة معهم حتى يتمكنوا من قيادة جهود الإغاثة وتقديمها. كيف يمكن للتوطين أن يضمن دعم جهود التنمية مصالح المجتمع في الأجل البعيد؟ أحد الأمثلة هو اتحاد "بناء مجتمعات مرنة في الصومال". لقد تعاون هذا البرنامج مع أكثر من 450 مجتمعاً محلياً على مدى العقد الماضي، وكان عمله حاسماً في تجنب المجاعة.

صقل آليات التمويل

أخيراً، يتعين على البنك الدولي أن يطلق نموذجاً جديداً لـ"المؤسسة الدولية للتنمية" التابعة له، وهي من أكبر مصادر تمويل التنمية لأفقر بلدان العالم. وبينما تتفاوض قيادة البنك الدولي والجهات المانحة على تجديد موارد المؤسسة هذا العام، ينبغي لها أن تصقل آلياتها التمويلية لتكون أكثر استجابة لأخطار البلدان وضعفها وإمكان وصولها إلى مصادر التمويل الأخرى. مثلاً، يمكن أن تتضمن نافذة الاستجابة للأزمات التابعة للمؤسسة – التي تزود البلدان موارد إضافية للاستجابة للصدمات المناخية والصحية والاقتصادية – معايير أفضل لتقييم كيف يمكن للهشاشة والنزاعات والعنف أن تضاعف هذه الصدمات.

رويترز
الرئيس الجديد للجنة الدولية للشؤون النقدية والدولية (IMFC)، وزير المالية السعودي محمد الجدعان، في مؤتمر صحافي مشترك مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، على هامش اجتماعات الربيع 2024.

سيكون مزيد من التمويل الإجمالي عاملاً أساسياً في هذه الجهود. في العام 2021، كانت المرة الأخيرة التي تفاوض فيها البنك على حزمة تمويل لـ"المؤسسة الدولية للتنمية"، حين اتفق شركاء التنمية على حزمة بقيمة 93 مليار دولار لمساندة التنمية المستدامة في أشد بلدان العالم فقراً. وهذه السنة، ينبغي للمانحين أن يقدموا مساهمات أكثر طموحاً للتبرعات الملتزم بها، من شأنها أن تضع المؤسسة على المسار الصحيح لزيادة حجمها ثلاث مرات في حلول عام 2030. كذلك سيساعد توسيع نطاق الشراكات غير الحكومية البنك في تحسين صرف الأموال وتسليمها.

نبذ أدوات الماضي

شهدت تسعينات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين واحدة من قصص نجاح التنمية الكبرى في العالم، إذ نجا مئات الملايين من الناس من الفقر المدقع. وبينما تتفق المؤسسات التنموية والإنسانية على المكان الذي يجب أن تحدث فيه قصة النجاح التالية، لن يُبنَى هذا العمل الفذ بأدوات الماضي. لحسن الحظ، رأينا بالفعل كيف يمكن للجهات الفاعلة الإنسانية أن تعزز النطاق والوصول والاستدامة حتى في بعض الأماكن الأكثر تعقيداً في العالم. وينبغي أن يكون ذلك دليلاً للبنك الدولي في سعيه إلى رسم مساره للمستقبل.

font change

مقالات ذات صلة