"صندوق النقد الدولي" في خريف العمر

"طوفان" غزة يصل الى الاجتماعات الاقتصادية في مراكش

Axel Rangel Garcia
Axel Rangel Garcia

"صندوق النقد الدولي" في خريف العمر

من مطار مراكش المنارة الى باب إغلي ازدانت الطريق بقوسين ولافتات زرقاء تحمل شعار المناسبة "مراكش 2023" ومعها أعلام دول العالم ترحب بضيوف المغرب، وسط حماية أمنية مشددة.

ترحيب زاد من دفء المدينة الحمراء استعدادا لاستقبال ضيوفها أرباب الاقتصاد العالمي من 189 دولة، الذين يربو عددهم على 12 ألف شخصية تشكل مجتمعة القرار الاقتصادي والمالي للكوكب، يتقدمهم وزراء المال والاقتصاد ومحافظو البنوك المركزية ونوابهم، ورؤساء مجالس ادارة مئات المصارف وخبراء من كبرى بيوت المال والتمويل في العالم، وصحافيون وممثلون لمنظمات وجمعيات غير حكومية.

ويرتقب أن تطغى أحداث غزة على الاجتماعات، وأعلن متحدث باسم الصندوق أنه "يتابع عن كثب الوضع في إسرائيل وغزة وإنه من السابق لأوانه تقييم أي أثر اقتصادي". وأضاف: "نشعر ببالغ الحزن لخسارة الأرواح".

بعد نصف قرن تعود اجتماعات مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الى أفريقيا من بوابة المغرب، بعد انعقادها في نيروبي عام 1973، في مؤشر واضح الى اهتمام العالم بالقارة السمراء ودورها الاقتصادي العالمي المرتقب، وتاليا ضرورة استحضار كل العناصر والمعطيات لتحسين التنمية في دولها، ولعل العناوين التي ستكون مدار بحث ونقاش مستفيض في الأيام المقبلة، تعبر بوضوح عن التوجه الدولي نحو أفريقيا، ومن أبرز العناوين/المحاور هي: التنمية المستدامة، الشمول المالي، الذكاء الاصطناعي، تغير المناخ، دول الجنوب، اصلاح المؤسسات المالية الدولية، ريادة الأعمال والابتكار، شبكات الأمان الاجتماعي والتسامح والتعايش.

IMF
شعارالاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لعام 2023 في مراكش، والتي تبدأ غدا 9 أكتوبر/ تشربن الأول

هل تصدق مؤسسات "بريتون وودز" في توجهها الجديد، أم ستبقى في خدمة مصالح الدول الكبرى، ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، كما فعلت في العقود الثمانية المنصرمة منذ نشأتها اثر الحرب العالمية الثانية.

سمعة غير عطرة

لطالما اقترن الحديث عن صندوق النقد والبنك الدوليين منذ إنشائهما بانتقادات شتى. فعلى الرغم من أن هاتين المؤسستين انبثقتا عن مؤتمر "بريتون وودز" عام 1944 مع انتهاء الحرب العالمية الثانية بهدف دعم النظام النقدي والاقتصادي العالمي، إلا أننا لا نزال نعيش حتى يومنا هذا، بعد مرور نحو ثمانين عاما على إطلاقهما، في عالم تكتنفه الأزمات والديون وعدم المساواة والفقر، أضف إليها الكوارث الطبيعية وتداعياتها الانسانية والاقتصادية الهائلة التي تزيد العالم ألما وعدم استقرار، وللمؤسستين دور في ذلك.

ترتبط المؤسستان ارتباطا وثيقا، وهما قريبتان من حيث النشأة والتنسيق والتطبيق، وجميع دول العالم تقريبا أعضاء فيهما. انطلق عمل الصندوق والبنك مع آمال المؤسسين في تجنب تكرار الكساد الكبير الذي حصل في ثلاثينات القرن الماضي، من خلال توسيع آفاق التعاون الاقتصادي ومساعدة الدول التي تعاني من مشاكل في ميزان المدفوعات.

مع التحولات التي شهدها الاقتصاد العالمي، انحرف تركيز المؤسستين إلى العالم النامي. فبدءا من الثمانينات، هيمنت مبادئ الليبيرالية الجديدة المتمثلة بالسوق الحرة، والتخصيص، وتحرير التجارة، على سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين. وقد فُرضت هذه السياسات على الدول النامية من خلال برامج التكيف الهيكلي، التي تتطلب شروطا معينة ينبغي للدول المقترضة التزامها.

اتخذت سمعة المؤسستين منحى مختلفا تماما، ولقيت انتقادات لاذعة ومستمرة بسبب فرض هذه البرامج ذات القياس الواحد للإقراض، بآثارها المدمرة على مستويات معيشة الناس وحقوق الإنسان والبيئة. وتشمل السياسات المطبقة التقشف، والخفض الكبير للانفاق العام وأهمها في مجالي الرعاية الصحية والتعليم، ورفع الضرائب، وخفض الدعم، وتخصيص الخدمات الحكومية وتحرير سعر الصرف والتجارة وفتح الأسواق للمنافسة، من دون مراعاة خصوصية الدول المقترضة، الاقتصادية والمالية والاجتماعية بل والبيئية، مما يفضي إلى تحميل شعوب هذه الدول المزيد من المعاناة والفقر، من دون ضمان نتائج إيجابية في المقابل تبرر التضحيات الجمة التي تُقبل عليها هذه الدول.

مع التحولات التي شهدها الاقتصاد العالمي، انحرف تركيز المؤسستين إلى العالم النامي. فبدءا من الثمانينات، هيمنت مبادئ الليبيرالية الجديدة المتمثلة بالسوق الحرة، والتخصيص، وتحرير التجارة، على سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين. 

أدى هذا النهج إلى اتهام البنك والصندوق بفشل سياساتهما في تحقيق أهدافهما المعلنة، وبحماية مصالح الدائنين، ودعم نظام اقتصادي يفيد النخب ومصالح القطاع الخاص على حساب المجتمعات الفقيرة، الأمر الذي يزيد تهميشها على نحو منهجي كما وصفته تقارير للأمم المتحدة.

AFP
جانب من أعلام الدول المشاركة عند مدخل قاعات الاجتماعات كما بدت اليوم 8 اكتوبر/تشرين

كذلك طاولت الانتقادات مبدأ عدم المساواة في المؤسستين وهيكلية الإدارة غير المتوازنة التي تعمل على تهميش الدول ذات الدخل المنخفض. فقد أُرسيَ البنك والصندوق منذ عام 1944 على مبادئ أساسية عززت مصالح الولايات المتحدة وغيرها من دول أوروبا الغربية، وايديولوجيتها وهيمنتها.

"النمو أولا" غير مستدام

لم ترقَ مؤسستا "بريتون وودز" بعد إلى مستوى التحدي المتمثل في دعم الإصلاحات الجذرية اللازمة لرأب الصدوع التي أحدثها نموذجها الاقتصادي. فقد  وجدت مراجعات عدة لشروط صندوق النقد أن العديد من برامجه تجاوزت فيها الديون التوقعات بهوامش كبيرة، حيث يتم استخدام القروض لتمويل مشاريع البنية التحتية والواردات بما يتجاوز عائدات التصدير في الدولة المقترضة. وفي نهاية المطاف، تنشأ الحاجة إلى قروض جديدة أكبر لخدمة سداد فوائد الديون والمبالغ المستحقة على القروض السابقة. وكلما زاد الاقتراض، زادت الحاجة إلى قروض أكبر، ليتحول الاقتراض إلى ما يشبه الإدمان الاقتصادي. 

يفتقر النهج الذي تتبعه كل من مؤسستي "بريتون وودز" والقائم على "النمو أولا" إلى مراعاة العواقب البيئية الهائلة الناجمة عن تنفيذ برامج الاقتراض أو التنمية والبنية التحتية. وعلى الرغم من أن البنك الدولي طور سياساته البيئية، خصوصا تلك المتعلقة بالحفاظ على الغابات، إلا أن أزمة المناخ المتفاقمة تدعو إلى مساءلة الجهود التي تتبناها المؤسستان في أخذ العوامل البيئية والمناخية في الاعتبار في عملهما على مدى العقود الأخيرة. 

وما تعيين رئيس البنك الدولي الجديد، أجاي بانغا، في يونيو/حزيران الماضي، بعد استقالة الرئيس السابق، ديفيد مالباس، الذي كان عيّنه ترمب، إلا نتيجة تساؤلات عما إذا كان مالباس ينكر عوامل المناخ في سياسات البنك المتبعة.

مرحلة "كهولة"

إذا تأملنا كل هذا الوقائع والمعطيات، نتوصل إلى خلاصة مفادها أن كلا من صندوق النقد والبنك الدوليين بلغ مرحلة من "الكهولة" في العمل الاقتصادي والمالي بحيث بات يحتاج إلى تجديد وإصلاح، يضاهيان برامجهما الإصلاحية التي، باستثناء بعض النجاحات على مر العقود منذ تأسيسهما، لم تؤد إلا إلى مزيد من الويلات وتعميق الأزمات والإدمان الائتماني المهدد لنمو الدول المقترضة وسيادتها المالية والنقدية، خدمة لمصالح الدول الكبرى.

وفي تجارب دول عربية، نخص في مناسبة الاجتماعات السنوية المغرب ولبنان ومصر، التي سنعرض تجاربها ضمن التغطية الخاصة من مراكش تحت عنوان: "صندوق النقد... مراكش23".

font change

مقالات ذات صلة