بعد زيارة السوداني لأميركا: اتفاق على الشراكة واختلاف على تنفيذها

أ ف ب
أ ف ب
الرئيس الاميركي جو بايدن مصافحا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مستهل اجتماعهما في البيت الابيض في 15 ابريل

بعد زيارة السوداني لأميركا: اتفاق على الشراكة واختلاف على تنفيذها

تختلف كثيرا زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الأخيرة إلى واشنطن عن زيارات رؤساء الحكومات السابقة منذ تغيير نظام الحكم في 2003. ومن أهم أسباب الاختلاف القوى السياسية الشيعية التي تقف وراء تشكيل هذه الحكومة والتي يجاهر بعضها بالعداء لأميركا، وبعضها الآخر لا يزال شعاره السياسي يرفع البندقية كدلالة على مقاومة الوجود الأميركي في العراق.

وتختلف أيضا من ناحية التوقيت. إذ تزامن توقيت اللقاء في البيت الأبيض مع انطلاق الهجوم الجوي الإيراني بمئات المسيرات والصواريخ تجاه إسرائيل، مرورا بالعراق، ردا على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق. ليكون هذا التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران حاضرا في أحاديث الرئيس بايدن الذي أكد في بداية لقائه على "التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل". ولم يخل رد رئيس الوزراء العراقي من النبرة الدبلوماسية بالإشارة إلى الاختلاف بشأن تقييم ما يحدث في المنطقة (بروح الصراحة والشراكة) وتأكيده على الاتفاق بشأن مبادئ القانون الدولي ورفض الاعتداء على المدنيين والحث على الالتزام بالقوانين والأعراف الدولية في حماية البعثات الدبلوماسية.

أما الاختلاف الآخر الذي ميز هذه الزيارة، فهو الاتفاق على عنوان الشراكة لتحديد طبيعة العلاقة بين العراق والولايات المتحدة. وربما لا يكون هذا الاتفاق جديدا. لكن التأكيد عليه كعنوان للعلاقة الثنائية بين البلدين بعد القضايا التي اشتغلت عليها السفيرة الأميركية في بغداد آلينا رومانوسكي، إذ كانت تذيل لقاءاتها مع السياسيين العراقيين بهاشتاغ (الشراكة الاستراتيجية العراقية- الأميركية المستقبلية). ويبدو أن حكومة السوداني تتجه نحو تحقيق هذه الشراكة وتوسيع آفاقها.

وفي المحصلة النهائية، يعد لقاء السوداني بالرئيس بايدن في البيت الأبيض، عامل ارتياح لرئيس الوزراء العراقي فهو يبعد عنه هاجس تكرار سيناريو رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي الذي كانت فترة ولايته القصيرة هي الأكثر فتورا وتوترا في العلاقة مع الأميركيين. ولم يدعَ إلى زيارة واشنطن. ومن ثم، يكون السوداني، على المستوى الشخصي قد تجاوز عقدة عبد المهدي مع الأميركيين رغم تشابه تعقيدات الظروف المتوترة في المنطقة، وكذلك مواقف القوى السياسية التي تجاهر بالعداء لأميركا وهي مشاركة في حكومته.

توسيع الشراكة الأمنية

رغم أن تمثيل القيادات الأمنية في الوفد الحكومي العراقي لم يكن على المستوى الذي يعطي انطباعا على أن أحد الأهداف الرئيسة من زيارة واشنطن هي لتفعيل الشراكة الأمنية، لا سيما بعد البدء في مفاوضات إنهاء مهام التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" في العراق. إلا أن مؤشرات الانتقال بالتعاون الأمني بين بغداد وواشنطن كانت حاضرة بقوة في زيارة السوداني.

في حديث بايدن مع السوداني، لم يجر تداول كلمة "انسحاب" القوات الأميركية من العراق. بل على العكس أكد الرئيس الأميركي على التزامه بتعزيز قدرات القوات الأمنية في جميع أنحاء العراق لتأمين أراضيه وشعبه. ووفق بيان البيت الأبيض أعرب كل من السوداني وبايدن عن التزامهما بعمل اللجنة العسكرية العليا المستمرة ونتائجها، والمجموعات الثلاث العاملة التي ستقيم: التهديد المستمر من "داعش"، والمتطلبات التشغيلية والبيئية، وتعزيز قدرات القوات الأمنية العراقية. وأكدا أنهما سيقومان بمراجعة هذه العوامل لتحديد متى وكيف سينتهي الدور الذي يلعبه التحالف الدولي في العراق، والانتقال بطريقة منظمة إلى شراكات أمنية ثنائية مستدامة، وفقًا لدستور العراق واتفاق الإطار الاستراتيجي الأميركي-العراقي.

المؤشر الأهم في الانتقال نحو الشراكة الأمنية الثنائية بين العراق والولايات المتحدة، هو الإعلان عن نية الرئيس بايدن ورئيس الوزراء العراقي عقد الحوار الأمني الثنائي بين الولايات المتحدة والعراق في وقت لاحق من هذا العام للحديث عن مستقبل الشراكة الأمنية الثنائية. ورغم أن هذه النوايا ستبقى مرهونة بنتائج الانتخابات الرئاسية في أميركا، لكنها تعبر عن الاتفاق المبدئي بين الطرفين على مستقبل الشراكة الأمنية بين بغداد وواشنطن.

 أ ف ب
مدخل البنك المركزي العراقي في بغداد في صورة التقطت في 25 مارس

لقاء السوداني مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن كان أكثر اهتماما بتفاصيل الشراكة الأمنية، إذ أشار بيان وزارة الدفاع الأميركية إلى مناقشة جهود تحديث القوات الأمنية العراقية وبناء قدراتها العسكرية، من خلال مبيعات عسكرية "إلى دولة أجنبية" ومجموعة واسعة من الأنشطة التدريبية والتجهيز التي تدعم القوات الأمنية والتي تمول من خلال صندوق التدريب والتجهيز لمحاربة "داعش". وتقدم وزارة الدفاع أيضا خدمات دفاعية تمول من خلال التمويل العسكري الأجنبي وبرامج التدريب العسكري الدولي- دورات تعليمية عسكرية احترافية نيابة عن وزارة الخارجية.

التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران كان حاضرا في أحاديث الرئيس بايدن الذي أكد على "التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل" وكان رد رئيس الوزراء العراقي لا يخلو من النبرة الدبلوماسية، مؤكدا على الاختلاف بشأن تقييم ما يحدث في المنطقة 

وتم توقيع بروتوكول عمل مشترك يعترف بالمشتريات المقترحة من قبل العراق تقدر قيمتها بحوالي 550 مليون دولار باستخدام آلية الدفع المرنة (CAPS). وسيكون العراق أول دولة تستخدم فرصة التمويل هذه، حيث تسمح شروط البيع للعراق بتقديم دفعات على مر الزمن بدلا من دفع كل القيمة مقدما. واعتبر بيان البنتاغون توقيع هذا البروتوكول إشارة إلى قوة الشراكة الأمنية بين العراق وأميركا الآن وفي المستقبل. 

من الأمن إلى الاقتصاد

محمد شياع السوداني ليس أول رئيس وزراء عراقي يزور واشنطن، ويصطحب معه عددا من رجال الأعمال أو يرعى توقيع اتفاقات مع شركات أميركية. لكن يبدو أن التوجه نحو الشراكة الاقتصادية هو إدراك من السوداني أن فتح أبواب الاستثمار في مجالات الطاقة سيكون الأفق الجديد الذي يمكن التعويل عليه في توثيق العلاقة مع الأميركيين. 
وبما أن العراق دولة يعتمد اقتصادها على النفط، ولديه توجه نحو استثمار الغاز، لذلك كان هناك أكثر من لقاء مع الشركات الأميركية المتخصصة في مجال النفط والغاز، ولقاء مع وفد معهد بيكر لدراسات وبحوث الطاقة في مدينة هيوستن بولاية تكساس.  
وتم توقيع 14 مذكرة تفاهم وعقود شراكة في مجالات الكهرباء وتطوير القطاع النفطي والغاز مع شركة "جنرال إلكتريك" الأميركية، وشركات "هانيويل" و"ترانس أتلاتنك بتروليوم"، وغيرها. 
مذكرات التفاهم هذه يمكن أن تكون هي الخريطة الجديدة لإعادة هندسة الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والانتقال بها من المجال الأمني إلى الشراكة الاقتصادية. ولكن التحول نحو الشراكة الاقتصادية لا يمكن تحقيقه من خلال مذكرات تفاهم فقط، وإنما يحتاج إلى اتخاذ قرار بمواجهة التحديات الداخلية التي تعرقل تنفيذ الاتفاقات والعقود ومذكرات التفاهم، سواء كانت على مستوى تقاطعات الرؤية لبعض القوى السياسية التي ترفض العلاقة مع الولايات المتحدة بكافة أشكالها، أو مشكلة الفساد الذي تغول في الدولة، ومجموعة المعوقات البيروقراطية وضعف السيطرة الأمنية للحكومة وسيطرة جماعات السلاح المنفلت في المناطق الجغرافية لحقول النفط والغاز والمنشآت الكهربائية. 
تحتاج حكومة السوداني في التحول نحو الشراكة الاقتصادية إلى معالجة كل تلك الإشكالات، والتوجه بإجراءات مباشرة ترعاها الحكومة ومتابعة تنفيذ مذكرات التفاهم والتعاقدات. عدا ذلك ستكون مصداقية السوداني على المحك إذا لم يتخذ قرارات جريئة وواضحة نحو شكل جديد للعلاقة مع الأميركيين. 

كردستان الرابح الأكبر 

يبدو أن زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني إلى أميركا والتي سبقت زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قد نجحت في أن تكون توترات العلاقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية بسبب قرارات المحكمة الاتحادية، من ضمن الأولويات التي تطرح للنقاش في زيارة السوداني لأميركا. 

 أ ف ب
عناصر من الحشد الشعبي العراقي اثناء جنازة احد رفقاهم الذي قتل في ضربة اميركية في 26 ديسمبر

ولذلك كان النقاش بين الرئيس بايدن ورئيس الوزراء العراقي بشأن إقليم كردستان حاضرا بقوة، إذ أشار بيان البيت الأبيض إلى نقاش الرئيسين حول الرؤية المشتركة بشأن إقليم كردستان العراق وأنه جزء لا يتجزأ من استقرار وازدهار العراق العام. وأشاد بايدن "بجهود رئيس الوزراء وحكومة إقليم كردستان للوصول إلى اتفاقات دائمة تحل التحديات المستمرة، وشجع على المزيد من التقدم. وأكد الرئيس بايدن دعم الولايات المتحدة لتعزيز الديمقراطية في العراق، بما في ذلك الانتخابات الإقليمية الحرة والنزيهة والشفافة في إقليم كردستان العراق".

كان النقاش بين الرئيس بايدن ورئيس الوزراء العراقي بشأن إقليم كردستان حاضرا بقوة، إذ أشار بيان البيت الأبيض إلى نقاش الرئيسين حول الرؤية المشتركة بشأن إقليم كردستان العراق وأنه جزء لا يتجزأ من استقرار وازدهار العراق العام

وأكد أكثر من موقع إخباري أميركي ومراكز أبحاث على أهمية الضغط الأميركي على حكومة السوداني في ضرورة حلحلة الأزمات مع حكومة إقليم كردستان. والتي لم تكن ناتجة عن تصلب مواقف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وإنما جاءت نتيجة قرارات المحكمة الاتحادية التي أصدرت الكثير من القرارات ضد حكومة إقليم كردستان.

شراكة دون حل لأزمة الدولار


ولم تحمل تصريحات محافظ البنك المركزي الذي رافق الوفد الحكومي في واشنطن، أي مؤشر على معالجة مشاكل العراق مع وزارة الخزانة والبنك الفيدرالي الأميركي. إذ جاءت تصريحاته في سياق تكرار التصريحات السابقة نفسها بشأن تشكيل اللجان، والإشادة بإجراءات العراق بملف التحولات المالية، وترقب زيارة وفد أميركي للعراق لمناقشة إجراءات البنك المركزي.
يبدو أن حكومة السوداني وإدارة البنك المركزي العراقي ليس لديهما أجندة واضحة في معالجة ملف تهريب الدولار من العراق وغسيل الأموال وتمويل الدول المعاقبة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، ولا حتى استراتيجية واضحة لمعالجة خروقات القطاع المصرفي. وأيضا ليس هناك ملامح لسياسة مالية تعمل على إيجاد حلول للفجوة بين السعر الرسمي للدولار والسوق الموازية. 
ويبدو أن رئيس الحكومة ومحافظ البنك المركزي العراقي لم يطرحا رؤية أو خططا جديدة لمعالجة أزمة الدولار ومشكلة العقوبات على المصارف، ولذلك كان اللقاء مع وفد الخزانة الأميركية مقتصرا على سماع الاعتراضات الأميركية نفسها على القطاع المصرفي وملف تهريب الدولار. والجديد الذي تم طرحه في هذه الزيارة هو الدخول في خطة تفاعلية محسنة لمساعدة النظام المصرفي والمالي في العراق. وربما تكون هذه الخطة عبارة عن مزيد من التدقيق والمراجعة لسياسة البنك المركزي العراقي في قضايا التحويل المالي وفرض شروط جديدة على قطاع المصارف في العراق، مما يزيد الموضوع تعقيدا بدلا من الحل.

font change

مقالات ذات صلة