"حزب الله" في برينستون

كيف انتقل الأمر من رفع العلم الفلسطيني والكوفية إلى رفع علم لميليشيا إرهابية؟

"حزب الله" في برينستون

في عام 2003 وقبيل سقوط بغداد بأسابيع قليلة، وكنت حينها طالبة بالجامعة الأميركية في بيروت، خرجت مظاهرات في المدينة وكنت من بين الطلاب الذين شاركوا فيها، تحت شعار "لا للحرب... لا للديكتاتورية"، أي إننا وإن كنا ضد ديكتاتورية نظام صدام حسين فإننا نرفض إسقاطه بالقوة ونرفض أن تأتي قوات أجنبية لتخلص العراقيين من الديكتاتور، بطبيعة الحال لم تغير مظاهراتنا من الأمر شيئا، وما هي إلا أسابيع قليلة جدا حتى سقطت بغداد، وكانت يومها ثالث عاصمة عربية تسقط بعد القدس وبيروت.

"لا للحرب... لا للديكتاتورية" شعار مفعم بالرومانسية والمثالية الثورية، ولكن بعد أعوام اكتشفنا، أو اكتشف قسم لا بأس به منا، أن الشعار الذي سرنا نردده قد يكون غير قابل للتطبيق، فلا مكان لهذه الرومانسية في قرارات الدول الكبرى. وإن كان البعض كتب لاحقا أن هذا الشعار يصب أساسا في خدمة الديكتاتورية من حيث يدري رافعوه أو لا يدرون، فبعض الأنظمة مهما عارضتها سلميا ومهما طالبت بتغييرها من خلال الأطر السياسية الديمقراطية، فإن إسقاطها لا يتم إلا باستخدام القوة، قوة أقوى من تلك التي تستخدمها هي لقمع وقتل شعوبها. عشنا هذه المعضلة بعد ذلك في ليبيا وفي سوريا على وجه الخصوص، فلا الحروب انتهت ولا الديكتاتوريات سقطت.

"لا للحرب... لا للديكتاتورية" شعار مفعم بالرومانسية والمثالية الثورية

ولكن أيضا إسقاط النظام العراقي الذي كان قائما حينها، لم يأت على العراقيين بعد أكثر من 21 عاما لا بالديمقراطية ولا بالرفاهية، ومع ذلك تبقى أهمية ذلك الشعار، أو لنقل تلك التجربة، أنها تعطي المرء إمكانية البحث عن خيار ثالث.

اليوم وبعد مضي 6 شهور على الحرب على غزة، عمت الاحتجاجات والمظاهرات الطلابية الكثير من الجامعات الأميركية للمطالبة بوقف الحرب الدائرة هناك، حتى إن جامعات أوروبية بدأ طلابها التظاهر والاعتصام مطالبين بوقف إطلاق النار في غزة ومعبرين عن تعاطفهم مع القضية الفلسطينية.

وإن كانت المظاهرات في الدول الديمقراطية والكبرى صاحبة القرارات، تختلف عن مظاهراتنا في العواصم العربية، حيث لا يهتم أحد بمطالب بضع مئات أو آلاف من طلاب الجامعات، إلا أن ما لفتني أن بعضا من المعتصمين والمتظاهرين في الجامعات بالولايات المتحدة لم يبحثوا لأنفسهم عن شعار يشبه شعار "لا للحرب... لا للديكتاتورية"، لم يفهموا حقيقة ما يجري في المنطقة، لم يرفضوا فقط الحرب الإسرائيلية على غزة، بل أعلنوا تأييدهم لأحزاب إرهابية، فها هو علم ميليشيا "حزب الله" يرفع في جامعة برينستون الأميركية، فهل يدرك من رفع علم ميليشيا "حزب الله" أنهم يؤيدون مجرما إرهابيا بوجه مجرم آخر؟ وكيف انتقل الأمر من رفع العلم الفلسطيني والكوفية إلى رفع علم لميليشيا إرهابية؟ هل يعرف من رفعوا هذا العلم الأصفر كم طفلا قتل هذا "الحزب"؟ وكم مستشفى دمر؟ وكم امرأة وشيخا حاصر؟ وكم شابا عذب؟

كيف انتقل الأمر من رفع العلم الفلسطيني والكوفية إلى رفع علم لميليشيا إرهابية؟

بعد أسابيع من بدء الحرب على غزة، تصدّر الزعيم السابق لتنظيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي، حين أعاد ناشطون أميركيون نشر رسالة بعث بها بن لادن قبل أكثر من عشرين عاما إلى الشعب الأميركي. أخذ بعضهم ينشر تغريدات وفيديوهات معربا عن "دعمه" لما قاله بن لادن وتفهمه لما قام به، هو الذي توعد للانتقام للفلسطينيين، فقام بقتل آلاف المدنيين الأميركيين.

احتفل البعض يومها بأن هناك جيلا جديدا في أميركا بدأ يدرك حقيقة ما يحصل في الشرق الأوسط، وفي الحقيقة إن أخطر ما يمكن أن يحصل في الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي هو أن يظن هذا الجيل الجديد في الغرب أننا نشبه بن لادن وحسن نصر الله، وأن قضايانا العادلة لا سبيل للدفاع عنها إلا بتحولنا لإرهابيين.

قد يكون شعار "لا للاحتلال... لا للإرهاب"، هو الشعار الذي يجب أن نرفعه اليوم، إلا أن الشعار هذه المرة ليس شعارا رومانسيا بل شعار واقعي جدا ولا سبيل للخلاص إلا من خلاله، فليس باسم قضايانا يتم تمجيد الإرهاب، والضغط الحقيقي يجب أن يكون لقيام دولة فلسطين لا لرفع أعلام واستذكار رسائل حفنة من الإرهابيين.

font change