سيطرة إسرائيل على معبر رفح... تمهيد لاجتياح بري؟

وصول الدبابات إلى الجانب الفلسطيني من المعبر

رويترز
رويترز
فلسطيني في بناية تطل على موقع غارات جوية إسرائيلية على الجزء الشرقي من رفح

سيطرة إسرائيل على معبر رفح... تمهيد لاجتياح بري؟

بعد تهديدات إسرائيلية عدة، على لسان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزيري اليمين المتطرف بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وتصريحات متكررة خلال الأشهر الماضية على لسان وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس، حول نية الجيش الإسرائيلي اجتياح مدينة رفح جنوبي قطاع غزة على الحدود مع مصر، رفع الجيش العلم الإسرائيلي ونشر صورا وفيديوهات لتجول الدبابات داخل مرافق الجانب الفلسطيني بمعبر رفح البري، وهو الممر الإنساني الوحيد الذي كان لا يزال يربط أكثر من مليوني غزي مع العالم، وسبيل النجاة الوحيد للمرضى والجرحى لتلقي العلاج بالخارج بعد انهيار المنظومة الصحية بغزة إثر الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 7 أشهر.

وصول الدبابات الإسرائيلية لمعبر رفح، جاء بعد ساعات من مطالبات الجيش الإسرائيلي لسكان المناطق الشرقة برفح بالإخلاء الفوري، والذي تزامن مع إطلاق عشرات القذائف المدفعية على مناطق سكن المواطنين والنازحين قسرا إليها من كافة مدن ومخيمات قطاع غزة خلال الحرب، وظهرت الدبابات الإسرائيلية وهي تسير فوق العلم الفلسطيني كنوع من إعلان إنهاء السيادة الفلسطينية على المعبر، والذي كانت تشرف عليه هيئة الحدود والمعابر التابعة لوزارة الداخلية في الحكومة التي تديرها حركة "حماس".

ومع انتشار الفيديوهات والصور الخاصة بتفاخر الجيش الإسرائيلي بسيطرته على أبرز "رموز السيادة لحكومة حماس"، اتضحت بشكل أكبر ملامح الهدف الإسرائيلي الأول من إصراره على اجتياح رفح بريا بعدما كانت الإدارة الأميركية ترفض الاجتياح. وحذرت إسرائيل بشكل مباشر وعلني أكثر من مرة بعدم موافقتها على اجتياح المدينة التي تؤوي أكثر من مليون نازح غزي. وتزامنت مطالبات الجيش للسكان بالنزوح، مع نشر خريطة توضيحية ادعى فيها الجيش الإسرائيلي توسعة المنطقة الآمنة من جنوب غربي منطقة المواصي غرب خانيونس وحتى مخيم النصيرات شمالا، وضم وسط وغرب خانيونس للمنطقة الآمنة التي بدأ الغزيون النزوح القسري لها مجددا خوفا من المصير المجهول الذي ينتظرهم مع إطلاق مئات القذائف المدفعية والقصف بالطيران الحربي الإسرائيلي.

السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح تُشكل انعكاسا خطيرا على الجانب الإنساني للغزيين

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني مصطفى إبراهيم، أن اجتياح واحتلال معبر رفح البري، الذي تزامن مع الحديث عن تقدم في الاتفاق على صفقة بين "حماس" وإسرائيل في القاهرة وبرعاية مصرية قطرية أميركية، وإعلان "حماس" موافقتها على مقترح الورقة النهائي، يأتي للضغط على حركة "حماس" والأطراف التي تقود الوساطة في عملية التفاوض، لإبداء الحركة تنازلات أكبر، وقال: "إسرائيل منذ بداية الحرب، تتحدث عن ضرورة السيطرة على محور فيلادلفيا ومعبر رفح، بذريعة أن المعبر تدخل منه المعدات العسكرية".

ويرى أن إسرائيل ورغم اتفاقاتها السابقة مع مصر على إنشاء جدار فولاذي تحت الأرض أسفل محور فيلادلفي للقضاء على الأنفاق التي تمر من أسفله، فإنها أرادت أن تقول للجمهور الإسرائيلي، وكأحد أهم أبعادها السياسية للسيطرة على معبر رفح "إن الجيش سيطر على رفح الذي يمثل السيادة لحركة (حماس)، وهو ما يؤدي إلى القضاء أو انحسار قدرات (حماس) في سيطرتها وسيادتها المدنية".

وفي الوقت الذي تعددت فيه التكهنات سابقا عن شكل وأهداف العملية البرية العسكرية الإسرائيلية على مدينة رفح، وإذا ما كانت إسرائيل ستبقي سيطرتها على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، بات واضحا من أولى خطواتها في عملية الاجتياح البري، أنها أرادت أن تقول إنها حققت هدفا من أهدافها السياسية الأساسية للاجتياح.

ويضيف إبراهيم: "يريد نتنياهو تصدير صورة النصر المُطلق منذ بداية عمليته البرية، سواء كانت العملية محدودة أو غير محدودة، هو أراد تحقيق وتصدير تلك الصورة خلال الساعات الأولى"، وربما يكون هذا هو الهدف الأساسي الذي أراد الجيش تصديره من نشر مقاطع الفيديو وصور الدبابات ورفع العلم الإسرائيلي داخل المعبر البري.

وعلى مدار الأشهر الماضية، مثّل معبر رفح البري شريان الوصل لدخول المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية للنازحين المتدفقة عن طريق مصر، حيث كانت إسرائيل تمنع بداية الحرب دخول أي من شاحنات المساعدات، أو عبور المرضى والجرحى والمسافرين عن طريقه، واشترطت دخول الشاحنات إلى معبر نيتسانا ومعبر كرم أبو سالم التابعين لها، حتى تخضع للتفتيش الدقيق من قبل الجيش الإسرائيلي قبل تحويلها للدخول عن طريق معبر رفح.

بعد إجبار الجيش الإسرائيلي سكان المناطق الشرقية والنازحين هناك على النزوح القسري، اضطرت وزارة الصحة بغزة إلى إخلاء مستشفى أبو يوسف النجار

ومنعت إسرائيل دخول كثير من المساعدات من الوصول إلى النازحين بغزة دون إبداء الأسباب، كما منعت دخول بعض أنواع المحروقات وقننت دخول السولار والغاز الطبيعي ما ولّد أزمات عدة، أجبرت النازحين على استخدام الحطب وبقايا الأشجار في عمليات الطهي، والاعتماد على عربات تجرها الحمير كوسيلة مواصلات، وحرمت إسرائيل النازحين من الحصول على الخضراوات والفواكه والمواد الغذائية والطحين إلا بكميات لا تكاد تكفي إلا حصولهم على وجبة أو اثنتين في اليوم.

ويقول إبراهيم إن السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح تُشكل انعكاسا خطيرا على الجانب الإنساني للغزيين، وذلك على صعيد منع دخول المساعدات والبضائع، مضيفا: "إذا ما استمرت إسرائيل في السيطرة على المعبر ومنع دخول المساعدات الإنسانية والغذائية، سيؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة، وانتشار حالة الجوع بعدما عانى منها السكان في شمال قطاع غزة خلال الحصار والاجتياح البري الإسرائيلي هناك لعدة أشهر".

رويترز
فلسطينيون يتفقدون آثار غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزلا سكنيا في رفح

وكانت وزارة الصحة بغزة، قد أعلنت في وقت سابق عن وفاة 28 مواطنا غالبيتهم من الأطفال في شمال قطاع غزة خلال فترة الحرب الإسرائيلية، وذلك نتيجة الحصار ومنع دخول المواد والمساعدات الغذائية وانتشار حالة الجوع التي أجبرت الغزيين على طحن علف الحيوانات وتناوله كبديل عن الطحين والخبز، فيما أُجبر آخرون على تناول بقايا الخضراوات التالفة وشرب مياه غير صالحة للشرب.

ونتيجة إجبار الجيش الإسرائيلي سكان المناطق الشرقية والنازحين هناك على النزوح القسري، اضطرت وزارة الصحة بغزة إلى إخلاء مستشفى أبو يوسف النجار الذي يقع ضمن المنطقة العسكرية والتي حددها الجيش، وذلك بعد استهداف منازل مجاورة للمستشفى، وإلقاء قنابل دخانية فوق المستشفى في اليوم الأول للدخول البري، وهو ما يعني حرمان المئات من المرضى لتلقي العلاج، حيث يعتبر "النجار" المستشفى الوحيد الذي يقدم خدمة الغسيل الكلوي لأكثر من ألفي مريض في رفح وخانيونس.

وتوقع الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني تفاقم الأزمة الصحية بشكل أكبر، سواء على صعيد انتشار الأمراض والأوبئة بين النازحين، أو تقليص الخدمات الطبية لأقل من الحد الأدنى بمراحل، سواء مرضى الغسيل الكلوي أو مرضى السرطان أو أصحاب الأمراض المزمنة من الضغط والقلب والسكري، والذين بالكاد يحصلون على جزء من الأدوية التي يحتاجونها بشكل دائم. ويضيف: "في حال عدم دخول شاحنات المساعدات المحملة بالمستلزمات الطبية، أعتقد أن ذلك سيؤدي إلى زيادة أعداد الوفيات نتيجة تقليص الخدمات الطبية ومنعهم من السفر لتلقي العلاج والخدمات الطبية بالخارج".

وأعلنت إدارة التنسيق بوزارة الصحة في غزة، في مؤتمر صحافي على خلفية إغلاق معبر رفح البري وسيطرة الجيش الإسرائيلي، عن حرمان آلاف الجرحى والمرضى المنتظرين الحصول على موافقة لتلقي الخدمات الطبية والعلاج بالخارج من حقهم بالسفر، وهو ما يُعرض حياتهم للخطر وتفاقم أزماتهم المرضية والصحية، التي تتجاهلها إسرائيل الماضية في عملياتها البرية جنوب شرقي رفح كمرحلة أولى من التوغل البري بهدف ممارسة ضغط على وفد "حماس" خلال المفاوضات الجارية في القاهرة.

font change

مقالات ذات صلة