بعدما توهمنا أن أزمنة استهداف المواقع الأثرية من جانب القوى العسكرية المنظمة وأشباهها ولّت إلى الأبد، بفضل زيادة الوعي بأهمية هذه الكنوز ثقافيا وسياحيا، أتى العدوان الشامل على قطاع غزة ليبدد تلك الأوهام، وليضع جيش الاحتلال الإسرائيلي -الذي طالما تباهى خلال حروبه الثلاثة (1948 و1967 و1973) بأنه جنَّب المواقع الأثرية عواقب التدمير- إلى جانب جماعات متشددة مثل "طالبان" و"القاعدة" و"داعش"، والتي سبق لها أن استهدفت بشكل منظم المواقع الأثرية في أفغانستان والعراق وسوريا، وألحقت بها أضرارا لا يمكن تعويضها. وتشير معطيات مؤكدة إلى أن أضرارا بالغة تعرضت لها آثار قطاع غزة بسبب التدمير المنظَّم الذي لجأت إليه قوات الاحتلال الإسرائيلي بحجة ضرب مواقع حركة "حماس". والذريعة التي قدمت لتبرير هذه الجرائم، هي احتماء مقاتلي "حماس" بالمواقع المدنية والأحياء السكنية، وهي حجة تنطوي على الكثير من العنجهية والاستخفاف بالقانون الدولي وعقول البشر.
غموض المعطيات
لا تتوفر معطيات دقيقة، بعد أكثر من سبعة شهور على بدء الحرب على غزة، حول حجم الأضرار التي لحقت بآثارها، نتيجة القصف المتواصل، رغم بعض المحاولات الفردية والأهلية. ويمكن القول إن الأنباء التي تداولتها وسائل الاعلام قبل أيام قليلة حول اتفاق وزارة السياحة في حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله، مع بعض المنظمات الدولية العاملة في فلسطين مثل "يونسكو"، على تشكيل فريق وطني فلسطيني لحصر أضرار المواقع الأثرية في قطاع غزة، تشير إلى عجز تلك المنظمة الدولية عن فعل شيء حيال الكارثة.
ولا تتوافر حتى الآن سوى الأرقام التي نشرها المكتب الإعلامي التابع لحكومة "حماس" في غزة، حول المواقع الأثرية التي تضررت نتيجة القصف الإسرائيلي الذي أسفر، بحسب المكتب الإعلامي المذكور، عن تدمير ما لا يقل عن 200 موقع أثري وتراثي من أصل 325 موقعا مسجلا في القطاع. غير أن الأرقام المنشورة، على أهميتها، لا تتضمن معلومات تفصيلية، ولا تميز بين موقع أثري مهم ومركز ثقافي معاصر، وهذه الفوضى في التصنيف تربك الباحثين الساعين إلى توثيق الانتهاكات.