إن الإنذار النهائي الذي وجهته إدارة بايدن إلى إسرائيل، والذي يحذر من قطع إمدادات الأسلحة إذا لم يجر تحسين تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة في غضون 30 يوما، يعكس على الأرجح الإحباط المتزايد لدى البيت الأبيض من طريقة إدارة الإسرائيليين للحرب. ومع ذلك، من غير المرجح أن يُحدث هذا التحذير فرقا جوهريا في التكتيكات العسكرية الصارمة التي تبنتها إسرائيل منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وفي أشد انتقاد وجهته إدارة بايدن لإسرائيل منذ تلك الهجمات، جاءت رسالة كتبها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن، تُوجّه انتقادا مفصلا لسياسة إسرائيل في منع المساعدات عن غزة.
وفي الرسالة، التي سرّبت لاحقا إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، قدم بلينكن وأوستن تفصيلا دقيقا للعقبات التي وضعتها إسرائيل أمام إيصال المساعدات، وكيف أن نقل المدنيين بالقوة أدى إلى تعريض 1.7 مليون فلسطيني لخطر الإصابة بالأمراض.
وأعرب الوزيران الأميركيان في رسالتهما الموجهة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر عن أسفهما للتناقص الشديد في كمية المساعدات التي دخلت غزة خلال الأشهر الماضية.
وبينما أقرّا بأن إسرائيل نفذت سلسلة من الإجراءات لتحسين تدفق المساعدات إلى غزة بعد أن وعدت بذلك في الربيع، كتب بلينكن وأوستن: "إن كمية المساعدات التي جرى تسليمها انخفضت بنسبة تزيد على 50 في المئة." ونتيجة لذلك، كانت كمية المساعدات التي دخلت غزة في سبتمبر/أيلول هي الأدنى مقارنة بأي شهر آخر خلال العام الماضي.
توجد مخاوف في البيت الأبيض من أن إسرائيل قد تحاول عمدا جر الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران
وأضافا: "لعكس هذا التدهور في الوضع الإنساني، ووفقا لتأكيداتها لنا، يجب على إسرائيل- بدءا من الآن وخلال الثلاثين يوما المقبلة- اتخاذ إجراءات ملموسة". وأعربا أيضا عن "قلق الحكومة الأميركية العميق بشأن تدهور الوضع الإنساني في غزة".
ومن المرجح أن الجانب الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لإسرائيل هو تأكيد المسؤولين الأميركيين أن إسرائيل، بعرقلتها تدفق المساعدات إلى غزة، بما في ذلك المساعدات المقدمة من الولايات المتحدة، كانت تنتهك القوانين الأميركية التي تفرض قيودا على نقل الأسلحة إلى الدول التي تعرقل توزيع المساعدات الأميركية. وبناء على ذلك، قد يؤدي فشل إسرائيل في تنفيذ تحسينات كبيرة في الوضع الإنساني في غزة خلال الثلاثين يوما المقبلة إلى تقليص واشنطن لإمدادات الأسلحة المستقبلية لإسرائيل.
وتنبع سياسة إسرائيل في فرض قيود صارمة على إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة من رد الفعل الأولي للحكومة الإسرائيلية على هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، عندما أعلن غالانت أن إسرائيل تعتزم فرض "حصار كامل" على قطاع غزة. وقال إنه لن يُسمح بدخول الوقود أو الغذاء. "كل شيء ممنوع... نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف على هذا الأساس".
وقد حاولت إدارة بايدن عدة مرات إقناع الإسرائيليين باتباع نهج أكثر اعتدالا في توصيل المساعدات، رغم إصرار الوكالات الإنسانية على أن كمية المساعدات التي يجري تسليمها إلى القطاع لا تزال غير كافية على الإطلاق. وقد تزايد القلق في واشنطن خلال الأشهر الأخيرة من أن القيود، رغم وعود إسرائيل بتخفيفها، قد ازدادت صرامة، مما دفع بلينكن وأوستن إلى كتابة رسالتهما المشتركة.
ينبع إحباط إدارة بايدن المتزايد من حقيقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قوض باستمرار جهود واشنطن لتنفيذ وقف إطلاق النار في غزة. كما توجد مخاوف في البيت الأبيض من أن إسرائيل قد تحاول عمدا جر الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران، وذلك بعد شنها هجوما عسكريا على لبنان ضد "حزب الله" المدعوم من إيران.
مسألة أخرى تزعج إدارة بايدن هي أن إسرائيل تبدو غير ملتزمة بمذكرة أصدرها الرئيس جو بايدن في وقت سابق من هذا العام، والتي تتطلب من الحلفاء الذين يتلقون مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة تقديم "تأكيدات مكتوبة ذات مصداقية وموثوقية" بالتزامهم بالقانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان.
رغم أن الرسالة أسهمت في دفع إسرائيل لتخفيف القيود على غزة، فلا توجد أي مؤشرات على أن إسرائيل تعتزم تقليص أنشطتها العسكرية في غزة ولبنان
وفي رد على الرسالة، قال مسؤول إسرائيلي في واشنطن لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، التي نشرت القصة لأول مرة، إن تل أبيب تقوم بمراجعة القضايا التي أثارتها إدارة بايدن. وأضاف المسؤول: "تأخذ إسرائيل هذه المسألة على محمل الجد وتعتزم معالجة المخاوف التي أثيرت في هذه الرسالة مع نظرائنا الأميركيين".
ومع بقاء ثلاثة أسابيع فقط قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، يرى الكثير من النقاد أن محاولة إدارة بايدن الأخيرة لإقناع الإسرائيليين بالامتثال لمطالبها تأتي متأخرة للغاية. وعلى الرغم من أن الرسالة المشتركة من بلينكن وأوستن أُرسلت قبل الانتخابات، فإن الموعد النهائي في 13 نوفمبر/تشرين الثاني يعني أن أي إجراء لن يُتخذ قبل معرفة نتيجة السباق الانتخابي.
كما أُثيرت شكاوى بأن جهود البيت الأبيض المتأخرة لإقناع إسرائيل بتخفيف القيود المفروضة على المساعدات في غزة لا تعدو كونها محاولة مكشوفة لدعم حملة نائبة الرئيس كامالا هاريس المتعثرة. إذ يكافح الديمقراطيون للرد على دعوات النشطاء المؤيدين للفلسطينيين في الولايات المتحدة لاتخاذ موقف أكثر حزما ضد حكومة نتنياهو.
وعلى الرغم من أن الرسالة أسهمت في دفع إسرائيل لتخفيف القيود على غزة، حيث أشارت تقارير إلى دخول أول إمدادات مساعدات إلى القطاع منذ أسبوعين، فإنه لا توجد أي مؤشرات على أن إسرائيل تعتزم تقليص أنشطتها العسكرية في غزة ولبنان.
ويظهر تحدي إسرائيل لإدارة بايدن من خلال تصعيد عمليات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، حيث أفادت التقارير بتصفية قائد كتيبة كبير في "حزب الله" في هجوم إسرائيلي هذا الأسبوع. وادعى المسؤولون العسكريون الإسرائيليون أن حسين محمد عواضة كان يشرف على هجمات صاروخية ضد إسرائيل من عدة مواقع داخل منطقة بنت جبيل. كما أسفرت موجة من الغارات الجوية الإسرائيلية عن مقتل 45 مقاتلا من "حزب الله"، فيما قُتل 50 فلسطينيا خلال موجة جديدة من الغارات الإسرائيلية على غزة.
ومع إصرار نتنياهو على أن إسرائيل تعتزم شن هجوم انتقامي على إيران قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني، تشير جميع الدلائل إلى أن محاولة بايدن المتأخرة لإقناع إسرائيل بإظهار بعض ضبط النفس لا تحظى بفرص كبيرة للنجاح.