في نهاية الحلقة الثامنة، من الجزء الأول من السلسلة التلفزيونية "مئة عام من العزلة"، تكتشف أورسولا، رفيقة خوسيه أركاديو بوينديا في الوصول إلى ماكوندو وبنائها، أن ما كانت تخشاه منذ البداية، بأن تنجب طفلا "له ذيل خنزير"، بحسب نذير أمها لها، قد تحقّق. تخاطب روح زوجها الراحل "لقد أنجبنا وحشا". وهذا الوحش هو ابنها الثاني أوريليانو بوينديا الذي سيخوض حروبا دموية طاحنة، تحت شعارات رنّانة، تنتهي بأن ينقضّ بقواته على ماكوندو نفسها لكي "يحرّرها" من المحافظين ومن "الليبيراليين" الخونة على السواء.
الحرب بوصفها غاية
حين يقرّر "الجنرال"، مثلما يسمّي نفسه، المضيّ في رحلته هذه، فإنه يعلن ببساطة أنه ذاهب إلى الحرب. تلك التي تصبح في حدّ ذاتها غاية وأسلوب حياة، لا تعود أرواح قومه نفسها، الذين انبرى مدافعا عنهم في البداية، مهمّة. فحربه "المقدّسة" تلك هي في حدّ ذاتها الهدف والغاية.
وإذ نشاهد رواية ماركيز اليوم، وقد انتقلت من صفحات الرواية الأشهر في القرن العشرين، إلى حيّز الصورة، على وقع ما تشهده منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما سوريا التي تحرّرت أخيرا من نظام الأسد، فإن شعورا قاهرا يفرض نفسه علينا: أن ما نشاهده ليس محض تخييل أدبي، وأن الظواهر الخارقة التي يشهدها عالم ماكوندو السحريّ، هي أكثر واقعية وأقلّ سحريّة مما كنا نظن. فكيف لا نقارن، مثلا، بين بشار الأسد الهارب، ودون أبولينار موسكوتي، حاكم ماكوندو المختبئ في الخزانة وهو يردّد مرتعشا: "لا تقتلني... لا تقتلني"، وكيف لا نرى بشار الأسد، في صورة بوينديا الحفيد، وهو يعلن نفسه جنرالا ويلقي مرتديا البزة العسكرية خطابا يضحك في البداية سكان ماكوندو، قبل أن يبكيهم.
وكيف لا نرى في مصائر جميع أبناء بوينديا السوداء، مصائر أبناء عائلة الأسد، وقد فتكت بأرواحهم لعنة خفيّة سرعان ما تمدّدت إلى كلّ من حولهم.