في اليوم العالمي للغجر... قصة شعب مهمش يعشق الحرية

هائمون في شوارع العالم وعرضة للاضطهاد والتمييز والأفكار المسبقة

AFP
AFP
أولاد من الغجر يلعبون في لاهور

في اليوم العالمي للغجر... قصة شعب مهمش يعشق الحرية

تحتفل الشعوب الغجرية اليوم بيومها العالمي، الذي حددته الأمم المتحدة في الثامن من أبريل/ نيسان من كل عام، وذلك للتذكير بمعاناة الغجر حول العالم، وما يواجهونه من تمييز واضطهاد، إلى جانب التعريف بثقافتهم والاحتفاء بها. فمن هم الغجر؟ وما هي لغتهم ودينهم؟ وما أوضاعهم في بعض المجتمعات التي يعيشون فيها؟

سلالات الطيور المهاجرة

تختلف الآراء حول تاريخ الغجر وأصولهم، فيذهب غالب الباحثين إلى أن الهند هي الموطن الأصلي للغجر، تفرقوا منها الى بقية دول العالم لظروف وأسباب متنوعة. ويقول الكاتب عبد الله شاهين في كتاب "نور" (منشورات رياض الريس- 2022)، "إن الغجر مجموعة من القبائل الهندو- أوروبية، بدأت هذه القبائل الهجرة نحو الغرب إلى الشرق الأوسط وشرق أوروبا قبل قرابة ألف سنة. وتوزعت على شكل مجموعات صغيرة آثرت حياة البداوة وفضلت العيش في تجمعات مغلقة". وهو ما يؤكده إيان هانكوك، عالم لغويات بريطاني من أصل غجري، الذي يرى أن الغجر رحلوا من الهند سنة 1000 ميلادية.

بدوره يقول البروفسور الهندي عبد الغفور الهدوي كوناتودي: "تشير الدراسات الجينية الحديثة والمقارنات اللغوية إلى أن أصول الغجر أو شعب الروما تعود إلى شبه القارة الهندية لا سيما إلى الولايات الشمالية مثل راجستان وبنجاب. ويرجح العديد من المؤرخين أن هذه المجموعات هاجرت من الهند غربا، مرورا بفارس وبلاد الشام، وصولا إلى أوروبا قبل حوالى ألف عام لأسباب مختلفة مثل الكوارث الطبيعية والحملات الأجنبية. وعن الروابط الثقافية بين الغجر والهنود يؤكد الهدوي لـ"المجلة" أنه "على الرغم من مضي ما يقارب ألف عام على هجرتهم من الهند، لا تزال بعض المجتمعات الهندية تحتفظ بعناصر ثقافية ولغوية تشابه تلك الخاصة بالغجر، مما يكشف عن روابط تاريخية عميقة".

يرجح أن هذه المجموعات هاجرت من الهند غربا، مرورا بفارس وبلاد الشام، وصولا إلى أوروبا قبل حوالى ألف عام لأسباب مختلفة

من جهته، يرى أستاذ علم الاجتماع في الجامعة العالمية بلندن الدكتور حميد الهاشمي "من المرجح والمجمع عليه أن أصول الغجر تعود إلى الهند"، ويؤكد أن ما يعزز ذلك "هو سماتهم الفيزيقية من لون البشرة وطبيعة شعر الرأس وشكل العيون وما إلى ذلك". ويبين البروفسور كوناتودي أنه على الرغم من عدم الاعتراف الرسمي بوجود الغجر في الهند، فإن بعض القبائل في شمال الهند مثل "الدوم"، "البنجارا"، "الجاديا لوهر"، "الكالبليا"، و"السانسي"، تعد الأقرب إلى شعوب الغجر المهاجرة.

غلاف كتاب "نور"

ويعتقد البعض أن الغجر طائفة "فارسية" تحمل اسم "Athinganoi" باليونانية، بمعنى لا يلمسون، وتبنى هذه النظرية يان كوشانوفسكي، عالم لغويات لاتفي بولندي من أصل غجري.

ويرى بعض المؤرخين أنهم أحفاد جساس بن مرة الشيباني البكري (464-534م)، وهو شاعر من أمراء العرب قبل الإسلام، وهو قاتل الملك كليب بن ربيعة وسبب حرب البسوس.

ويكشف البروفسور كوناتودي أن هناك "مجتمعا هنديا يعرف باسم "غوجار"، يحمل اسمه تشابها لغويا مع كلمة "الغجر" في العربية، مما يثير تساؤلات حول العلاقة التاريخية والثقافية بين هذه الجماعات". ويؤكد خبراء بشؤون الغجر أن إقليم البلقان هو الموطن الثاني للغجر. كما أن الغجر انقسموا في دياناتهم فأصبح جزء منهم مسلمين وهناك جزء دخل المذهب المسيحي الأرثوذكسي، وغالبية غجر أوروبا الغربية ينتمون الى مذهب الروم الكاثوليك.

AFP
كارافانات الغجر التقليدية

سكان العربات المطلة على النجوم

يتميز الغجر عن بقية مكونات المجتمعات التي يعيشون فيها بأن لا لغة مكتوبة لهم، فهم الشعوب الشفهية، وقد حفظوا إرثهم بالأغاني والموسيقى والحكايات. ذلك يدفعهم إلى الاستعانة بالمفردات من اللغات المحلية القريبة للأمم التي يسكنون معها. ويطلق على اللغة الخاصة ببعض الغجر لغة العصافير، إلا أن بعض المؤرخين أرجعوها إلى خليط من الهندية والفارسية، لتدخل عليها مع مرور الزمن مفردات من العربية والتركية.

 وعن عدم وجود لغة مكتوبة خاصة بالغجر، يقول الأكاديمي حميد الهاشمي إن "الغجر من المجتمعات أو الجماعات الاجتماعية المحدودة التعليم، ولعل ذلك ناجم عن طبيعة حياتهم التقليدية المتمثلة بكثرة الترحال، وبالتالي توزعهم في بقاع مختلفة من العالم، ما يعني صعوبة اجتماعهم على لغة أو لهجة واحدة ناهيك عن إمكان تدوينها". ويعلل الهاشمي "أن التعليم هو أساس نشوء أو ازدهار أية لغة مكتوبة، وتعلم القراءة والكتابة ولو بلغة أخرى شرط لوضع أسس لغة مكتوبة (لم تكن معروفة من قبل)".

Vaclav Salek/Alamy
عرض "فخر الغجر" لمناسبة اليوم الدولي لشعب الروما

السحرة المحتالون على الحياة

في الفجر، يحمل الغجر أمتعتهم من قرية إلى أخرى، يعلو صياح الديكة، ويتردد الصدى خلف التلال. عرف الغجر علم التنجيم، وقراءة الكف، والطب الطبيعي، والموسيقى والرقص، يوصف بعضهم بالسحرة والمشعوذين، وبأنهم تعلموا كل فنون السحر أثناء مكوثهم في جبل طارق، ثم انطلقوا في العالم في مجموعات لمعالجة الناس، وشفاء الجرحى بطقوس علاجية ودينية.

يرى بعض المؤرخين أنهم أحفاد جساس بن مرة الشيباني البكري وهو شاعر من أمراء العرب قبل الإسلام، وهو قاتل الملك كليب بن ربيعة وسبب حرب البسوس

وفي وصفه للساحرات والعرافات الغجريات، يقول الكاتب والشاعر والمترجم العربي بدر السويطي المقيم بألمانيا إن "الوشم على أجساد العرافات والساحرات يبدو نقشا عتيقا حفره الزمن، وترك آثاره ماثلة للرائي، قارئات الكف والطالع، وحاملات أزاهير الفجر في الاحتفالات الشعبية السهول والوديان قبائل تغني للفرح، تعاند الاضطهاد، والحزن والظلم، تقاوم بنظراتها اللامعة الممتلئة بشغف الحياة كل طرق الاستبداد والعنصرية".

لم يظهر الغجر مهارات في الرعي أو الزراعة لكنهم برعوا في ترويض الحيوانات وتدريبها، كما أنهم خبراء في السمكرة والعمل بالحديد والمعادن. ومن جانبه، يرى البروفسور كوناتودي أن مجتمع "الدوم"، المعروف أيضا باسم "دومبا"، أحد أبرز المرشحين كأصل محتمل للغجر بالهند، نظرا لاشتهارهم تاريخيا بالموسيقى والأعمال المعدنية، وهما من السمات التي ميزت الغجر في أوروبا.

الكاتب والشاعر بدر السويطي

مارس الغجر علاج الأسنان الذي اشتهروا به، على الرغم من تشتتهم في طرق العالم، وعيشهم في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، ونبذهم في كل المجتمعات التي يعيشون فيها.

ويقول كوناتودي إن "البنجارا" يتميزون بأسلوب حياتهم البدوي وثقافتهم الزاهية، التي تنعكس في ملابسهم الملونة ورقصاتهم الفولكلورية. أما "الكالبليا" في راجستان، فهم مشهورون بفنون الرقص وإغواء الأفاعي، في حين يبرع "الجاديا لوهر" في الحرف التقليدية مثل الحدادة، مما يعزز الصلة الثقافية بينهم وبين الجماعات الغجرية.

لذلك، فإن الاندماج بالنسبة الى الغجر وخصوصا في الأماكن ذات الطابع الريفي، لا يخلو من القيود والتحفظات التي تقلل تطوره وتحد منه.

Vaclav Salek/Alamy
أوركسترا غجرية تؤدي عرضاً قبل قداس جنائزي للملك الروما الراحل يان ليبا في كاتدرائية المخلّص الإلهي في أوسترافا

ثقافة شفوية وعزلة تقليدية

كما للغجر عالمهم الخاص، وطقوسهم التي تميزهم عن بقية الشعوب، كذلك لهم عزلتهم الخلاقة التي تمنحهم خصوصية وتفردا، في الحفاظ على طباعهم وعاداتهم، فهم يستوطنون هوامش البلاد، حرصا على عدم الاندماج.

ويخلص بدر السويطي إلى أن "كثيرا ما ينتمي الغجر بعضهم لبعض، فهم قوم من نسيج واحد يفهمون لغتهم، ويدركون ذواتهم". حتى أواخر القرن العشرين ظلت شعوب الغجر تعيش حياة التنقل والترحال، ويشير السويطي إلى أن " الرجل الأبيض يتهمهم بأنهم منعزلون ولصوص، بينما يمارس عنصريته ضدهم في الإقصاء والتهميش، من خلال سلوكه اليومي".

وهكذا، فإن هذا الشعب، تعرض للاضطهاد والإبادة الجماعية عبر التاريخ، ورغم ذلك تمكن من البقاء كشعب وثقافة خاصة.

الوشم على أجساد العرافات والساحرات يبدو نقشا عتيقا حفره الزمن، وترك آثاره ماثلة للرائي، قارئات الكف والطالع، وحاملات أزاهير الفجر

بدر السويطي

وعن معاناة الغجر في القارة الأوروبية يقول السويطي: "الغجر هم سلالات الطيور المهاجرة، خذلهم كهنة المعابد الأوروبيون، واحتقرهم ساسة أوروبا المستعمرون، رفضوا الاستعباد، فتمردوا. حملة الأساطير الذين يعبرون على متن البغال والحمير والخيول بعرباتهم الخشبية القديمة، حاملين قناديلهم في ليل البلاد".

ولعل أشهر واقعة هي قرار ملكي أصدره ملك بروسيا فريدريك فيلهلم الأول (Frederick William l of Prussia)، في عام 1725، يقضي بقتل كل غجري فوق الثامنة عشرة من العمر. ويعلق السويطي على ذلك قائلا "هم المسيحيون-الغجر- الذين لم تعترف بمسيحيتهم وآدميتهم أوروبا الشقراء المنافقة! أمعنت ألمانيا الكاثوليكية بحرقهم، وهم أحياء في معتقلات الموت الألمانية في الحرب العالمية الثانية". ويقدر اليوم عددهم في أوروبا ما بين 10- 15 مليون غجري، غالبيتهم في دول مثل بلغاريا والمجر ورومانيا وصربيا، ودول أخرى.

AFP
أطفال من الروما يتأرجحون على حبال الغسيل بجوار مأواهم في مخيم بالقرب من بريشتينا، كوسوفو

المطاردون في الأرض

ساعدت العزلة الاجتماعية التي عاشها الغجر في الحفاظ على جزء كبير من تراثهم الثقافي والجيني الهندي. وعن معاناة الغجر واضطهادهم في الهند يقول البروفسور كوناتودي: "على الرغم من هذا الإرث العريق، تعاني هذه المجتمعات اليوم من تهميش اجتماعي واقتصادي حاد. فهي مصنفة في الدستور الهندي ضمن الفئات المحجوزة مثل "الطبقات المحجوزة" و"القبائل المجدولة" و"الفئات المتخلفة اجتماعيا"، وهو تصنيف يمنحها بعض الامتيازات القانونية في التعليم والوظائف"، ويلفت كوناتودي إلى أن تلك الإجراءات لا تكفي لمعالجة مشكلاتهم العميقة، مثل "الفقر ونقص فرص التعليم والرعاية الصحية. كما أن أسلوب حياتهم المتنقل يجعل اندماجهم في المجتمع السائد أكثر صعوبة، مما يحد من استفادتهم من الدعم الحكومي أو فرص العمل المستقرة".

وعن تفاعل الحكومة الهندية مع معاناة الغجر، من خلال بعض المبادرات الهادفة إلى ربط هذه المجتمعات بتراثها الهندي وتعزيز تواصلها مع الغجر في الخارج، يقول البروفسور كوناتودي: "لا تزال الحكومة الهندية مترددة في تبني سياسات رسمية تعترف بهذه الفئات جزءا من النسيج الوطني". ويتابع: "ما زالت الأبحاث التاريخية واللغوية جارية حول هذا الموضوع، مما يؤكد الحاجة إلى سياسات أشمل تضمن لهذه المجتمعات الاعتراف والاندماج الاجتماعي والاقتصادي الذي تستحقه.".

أسلوب حياتهم المتنقل يجعل اندماجهم في المجتمع السائد أكثر صعوبة، مما يحد من استفادتهم من الدعم الحكومي أو فرص العمل المستقرة

الهدوي كوناتودي

ويتحدث بدر السويطي عن غجر بلغاريا قائلا: "يعيشون حياتهم على أطراف البلاد، غالبا ما يطيب لهم الاستيطان في ضواحي المدن وعشوائياتها، حرصا منهم على عدم الاندماج في المجتمع، والحفاظ على خصوصيتهم وعاداتهم". 

البروفيسور الهندي عبد الغفور الهدوي كوناتودي

ويصف عالم الغجر قائلا: "للغجر عالمهم العبثي الخاص، إذ أن الغجري يروق له العيش في محيطه وبيئته، وهنا تكمن رغبته في التواصل مع أبناء جلدته، وصنفه البشري المفضل"، وعن علاقات الغجر الاجتماعية يقول: "للغجر أسلوبهم في الحياة والعلاقات الاجتماعية، في ما بينهم، إلا أنهم يشعرون أيضا بالنظرة الدونية، من الآخر البلغاري الذي يعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية، بل أقل من ذلك، وهنا إشكالية الدونية، والعنصرية المتأصلة في المجتمعات التي تعتبر أن عرقها وقومتيها هي الأنقى، والأكثر تفوقا من الأعراق والقوميات الأخرى، حتى تلك التي تشاركها الوطن والحياة".

غجر سوريا... مدائن لا تكترث بسكانها

يتمركز غجر سوريا في ضواحي المدن بعيدا من ضجيج المدينة وعاداتها، ويفضلون المناطق المفتوحة الخالية من السكان. يخيمون في الريف السوري في مواسم الحصاد حيث يبدأ رواد خيمهم بالوصول اعتبارا من ساعات الغروب لحضور الحفلات الموسيقية التي تقيمها الغجريات يوميا، وهناك فئة منهن أطلق عليها "الحجيات" يرقصن أمام الجموع الكبيرة في الخيام التي تنصب خصيصا لتك المناسبة، حيث يحمل الغجري آلة الربابة ويعزف عليها موسيقى الغجر الشهيرة، وفي السنوات التي تلت 2011، أثرت الحرب السورية بشكل واضح على أحوالهم، رغم أنهم كانوا على الحياد مع جميع أطراف الصراع، الأمر الذي تسبب في نقل خيامهم إلى أماكن بعيدة عن ساحات المعارك.

غلاف رواية "أخرج منها يا ملعون"

تقابل خيام الغجر الخاصة بالحفلات، النوادي الليلية في أيامنا هذه، وفي المنطقة الشمالية الشرقية في سوريا، وفي أحيان كثيرة يكون بعض شيوخ العشائر وبعض الشخصيات المهمة ضيوفا على مضارب الغجر، فتجلب الراقصات الغجريات لإحياء حفلات خاصة لهؤلاء في أوقات متأخرة من الليل وتبقى تلك الحفلات حتى خيوط الفجر الأولى. ووصل الأمر بأحد شيوخ العشائر-المرتادين مضارب الغجر- أن أطلق اسم إحدى الغجريات على إحدى بناته المولودة حديثا، كما أن هناك من مدمني السهر في مضارب الغجر من تزوجوا غجريات وأنجبوا منهن. ويتحدث الكاتب والباحث عبد الله شاهين، عن أوضاع الغجر في سوريا (كتاب نور-ص 132): "يعيش غجر سوريا في ظروف سيئة في أغلب المناطق، وهم منبوذون في كل المجتمعات التي يجاورونها، ويقابلون بالازدراء من أهل المدن والحواضر، إذ ينظر لهم على أنهم عصابات مارقة في المدن".

غجر العراق يفتقدون حماية صدام

تذكر المصادر التاريخية أن عليا بن أبي طالب (599- 661م)، أول من استخدم الزط أو السبابجة في الدولة حرصا على بيت مال البصرة. وقد زادت سطوتهم في عهد الخليفة المأمون. يعرف الغجر في العراق باسم "الكاولية" حيث استقر كثير منهم في البطائح بين واسط والبصرة، كما انتشر كثير منهم في تجمعات سكنية على أطراف مدن بغداد والبصرة والديوانية ونينوى والمثنى.

بعد سقوط نظام صدام تعرض الغجر لهجوم بعض الجماعات الراديكالية، الذين اعتبروا حي الغجر بؤرة للفساد والجريمة

كان الغجر يتمتعون بالحماية في ظل نظام صدام حسين، وكان مسؤولون عراقيون كبار يحضرون مغنين وراقصات منهم في حفلاتهم. ولكن بعد سقوط نظام صدام بتاريخ 9/4/2003، تعرض الغجر لهجوم بعض الجماعات الراديكالية، الذين اعتبروا حي الغجر بؤرة للفساد والجريمة والمخدرات. فطرد نحو 2000 غجري من المنطقة، ويقول بعض متابعي شؤون الأقليات في العراق إن الغجر في عهد صدام حسين كانوا يعيشون أفضل حالاتهم وخصوصا شمال بغداد. وعن أحوال الغجر في العراق بعد عام 2003، وهل يعانون من التهميش المجتمعي وإهمال الدولة لهم، يقول الدكتور حميد الهاشمي: "نعم وللأسف الشديد نحو الأسوأ، وذلك نتيجة لأسباب لعل أهمها، تصدر الجماعات الراديكالية للمشهد الأمني في البلد عقب الاحتلال. وثانيا، الصورة النمطية حول الغجر من أن لديهم ممارسات ونشاطات غير أخلاقية تنافي قيم المجتمع". ويؤكد صاحب كتاب "تكيف الغجر": "غجر العراق مسالمون ولا يحملون السلاح للدفاع عن أنفسهم، لذلك يسهل استهدافهم من قبل الخارجين عن القانون". إضافة إلى معاناتهم "فقد حجمت نشاطاتهم التقليدية، وتعذرت زيارتهم من قبل مرتاديهم".

 وكان الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (1937-2006)، تحدث في رواية "أخرج منها يا ملعون" عن الغجر قائلا إن شيوخ القبائل "كانوا يرتابون من الغجر، ولكنهم في الوقت نفسه يسرون بوجودهم، كان سبب الارتياب، بحسب صدام، أن الغجر عندما يكونون اليوم في قبيلة من القبائل، فإنهم قد يرحلون غدا إلى القبيلة المجاورة ومن طباع الغجر، أنهم ينقلون ما يرونه، الشريف والشين، والجيد والسيء، على حد سواء". وبحسب الهاشمي: "ليس للغجر طقوس دينية خاصة بهم، ولا كرنفالات أو أي نوع من الاحتفالات الجمعية، يفتقر الغجر في العراق إلى تنظيم مشترك يجمعهم أو يتبنى الدفاع عنهم. فهم عبارة عن جماعات شبه منعزلة بعضها عن بعض ما خلا روابط القرابة التي تربط بين بعض منهم".

Reuters
ساندور بوتوش يدخن سيجارة أمام منزله في بازتو، المجر

في الآداب والفنون

نجوم تشع في عيونهم، ويتجلى سحر الحياة. الغجر الباعة المتجولون في المدن، العازفون التائهون في شوارع العالم يمضون على إيقاع الخطى والمطر، وكانت الريح تحملهم دوما، كان الغجر على متن الريح ملوك الأساطير والدعابة.

تعرضوا لمظالم كبيرة، كذلك يعانون من الصور النمطية السلبية والقوالب الجاهزة، وإن كان بعض ذلك ينطبق عليهم لكنه لا يبرر نبذهم وتهميشهم

حميد الهاشمي

وحول معالجة مأساة الغجر وتاريخهم عبر الفنون والآداب، نذكر أفلاما مصرية عالجت موضوع الغجر في مصر مثل "سعاد الغجرية" (1928) من إخراج جاك شوتز، و"مدينة الغجر" (1945) إخراج عاطف سالم. كما أصبحت صورة الغجري مادة دسمة ومثيرة في الأدب الغربي، ومن بين تلك النماذج: روايات "أحدب نوتردام" لفيكتور هوغو، و"الغجرية" لميغال دي ثربانتس، و"الخيميائي" لباولو كويلو، ومن النصوص المهمة في وصف الغجر وتوقهم إلى الحرية والانعتاق، القصيدة المطولة للشاعر الروسي بوشكين بعنوان "الغجر"، كما تحدث عن حياة الغجر، الموسيقي الفرنسي جورج بيرنيه (1838-1875)، في أوبرا "كارمن"، التي قدمها للمرة الأولى عام 1850. أما الروائي الروسي الشهير مكسيم غوركي، فحلل الشخصية الغجرية في رائعته "الغجر يصعدون إلى السماء".

الدكتور حميد الهاشمي

ورثة الأرض والأساطير

في الختام يقول الدكتور حميد الهاشمي عن الغجر في يومهم العالمي: "الغجر شعب من شعوب العالم كبيرة العدد التي ليس لها دولة قومية أو تشكل فيها غالبية، تعرضوا لمظالم كبيرة، كذلك يعانون من الصور النمطية السلبية والقوالب الجاهزة، وإن كان بعض ذلك ينطبق عليهم لكنه لا يبرر نبذهم وتهميشهم. وهم شعب يحب الحرية في طرق العيش وعدم الاستقرار، ويحب المرح والاستمتاع بالحياة".

ويعتقد الهاشمي أنه "يمكن تهذيب طرق الحياة التي يعيشونها من أجل تحسين واقع حياتهم وإفادة المجتمعات التي يعيشون في كنفها من فولكلورهم الجميل، وطاقاتهم البشرية بصورة عامة". وبدوره يشير بدر السويطي إلى أن "الغجر رعاة المرتفعات في جبال البلقان، ورثة الأرض والأساطير، الظرفاء الذين يضحكون على زيفنا، ونفاقنا اليومي في الحديث عن العرق النقي، والأصول والقيم، الغجر الذين وضعوا العالم على المحك، وهم يفضحون هذه الأكذوبة التي تسمى حقوق الإنسان".

ويخلص السويطي في حديثه عن أوضاع غجر أوروبا من المسيحيين، إلى أنه "لم تشفع لهم ديانتهم المسيحية، ولم يتقبلهم البيض الانتهازيون بينهم، طردتهم فرنسا من شوارعها لأنهم ليسوا مثلهم. الغجر ظلال هاربة من وحشية الإنسان المفترس، هاربون من عجرفة النبلاء الذين لا يؤمنون بإنسانية الإنسان، وكرامته وحريته، وحقه في الحياة".

font change