الاقتصاد والدفاع في زيارة الشرع الثانية إلى تركيا

أ.ف.ب
أ.ف.ب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري أحمد الشرع خلال اجتماع الدورة الرابعة لمنتدى أنطاليا الدبلوماسي (ADF2025) في أنطاليا، تركيا في في 11 أبريل 2025

الاقتصاد والدفاع في زيارة الشرع الثانية إلى تركيا

قام الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، بزيارة تركيا للمرة الثانية منذ تسلمه مقاليد الأمور في دمشق، حيث شارك في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، واستأثر باهتمام لافت، يذكّر بما يحظى به النجوم من اهتمام.

في الثاني عشر من أبريل/نيسان، عقد الشرع اجتماعا ثنائيا مع الرئيس رجب طيب أردوغان. كما التقى أيضا بالشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها.

وجاء في البيان الرسمي الصادر عقب لقاء أردوغان–الشرع تأكيد التزام تركيا بمواصلة جهودها الدبلوماسية الرامية إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، وإحياء التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.

ورغم أن البيان لم يتطرق بشكل محدد إلى قضايا أمنية بعينها، مكتفيا بإشارات عامة، فإن من شبه المؤكد أن هذه الملفات كانت حاضرة على طاولة النقاش.

ولا يزال الطريق أمام سوريا محفوفا بالتحديات ومفتوحا على احتمالات عديدة من عدم الاستقرار.

وتتوزع الأولويات الملحة للرئيس أحمد الشرع وحكومته الجديدة على ثلاثة مسارات رئيسة، وهي:

- بناء هيكل سياسي وإداري يتّسع لمكونات المجتمع السوري كافة.

- توحيد الفصائل المسلحة تحت مظلة وزارة الدفاع، وتأسيس جيش وطني جديد.

-إنعاش الاقتصاد وتحسين ظروف المعيشة اليومية للسوريين، والانطلاق في مسار إعادة الإعمار.

ومن القضايا الجوهرية التي تعترض هذا السياق مسألة مستقبل الأكراد، وأيضا الدروز والعلويين. وكان الرئيس الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، وقّعا في العاشر من مارس/آذار اتفاقا من ثماني نقاط يقضي بدمج القوات في إطار الإدارة السورية الجديدة، واتفقا على أن تستكمل المفاوضات التفصيلية بشأن هذا الاتفاق حتى نهاية العام الجاري.

وقد اتخذ الطرفان بالفعل بعض الخطوات الملموسة في هذا المضمار، فانسحب مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب من الأحياء ذات الغالبية الكردية في الشيخ مقصود والأشرفية في حلب، وكذلك من منطقة سد تشرين. وجرى تبادل للأسرى.

على أن ذلك لا يعني أن الصعوبات قد انتهت، فلا تزال التحديات جسيمة.فالأكراد السوريونيطالبون بنظام سياسي لامركزي يتيح لهم حكما ذاتيا، وقوات أمن مستقلة (ممثَّلة فعليا في "وحدات حماية الشعب")، إلى جانب حصة من عائدات النفط.كما يشددون على ضرورة تضمين حقوقهم الثقافية في الدستور الجديد، بما في ذلك الاعتراف الرسمي باللغة الكردية.

وقد جدد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في الآونة الأخيرة، موقف أنقرة الرافض لهذه المطالب، والمتباين بجلاء مع ما يُقال إنها تطلعات قوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب.

من جانبها، تواصل الولايات المتحدة لعب دور الوسيط في المفاوضات، ليس فقط بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام في دمشق، بل أيضا بين الفصائل الكردية المتنافسة، وتحديدا بين قوات سوريا الديمقراطية والمجلس الوطني الكردي.

تشير تقارير أيضا إلى أن تركيا تستعد لإنشاء قواعد عسكرية داخل سوريا. وقد وضعت هذه التطورات تركيا وإسرائيل على مسار تصادمي

وكشفت إلهام أحمد، الرئيسة المشاركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (AANES)، خلال اجتماع عام في القامشلي الأسبوع الماضي، أن الولايات المتحدة توسطت في فترة لخفض التصعيد بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات المسلحة التركية.

وفيما يمكن لواشنطن أن تتخذ بعض الخطوات لاسترضاء تركيا، لا يُتوقع حدوث تحول جوهري في سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بوحدات حماية الشعب (YPG)، التي لا تزال تعتبرها قوة قتالية مدربة وموثوقة.

من ناحية أخرى، تتمسك تركيا بمساعيها الرامية إلى تقويض نفوذ قوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب في سوريا، وهو هدف يتعارض بوضوح مع طموحات المجموعة نفسها.

ومع ذلك، تتخذ أنقرة خطوات حذرة. فهي تدرك ضرورة عدم تعريض عمليتها الداخلية المتعلقة بعبد الله أوجلان، المؤسس والزعيم المسجون لحزب "العمال الكردستاني"، للخطر. ولا تزال هذه العملية ذات أهمية سياسية كبيرة للرئيس أردوغان، الذي يتطلع إلى دعم الأكراد الانتخابي بينما يسعى إلى تعديل الدستور وتأمين ولاية رئاسية أخرى.

هناك قضية حساسة للغاية أخرى، وهي الاحتمال المتزايد لمواجهة بين تركيا وإسرائيل على الأراضي السورية. لقد تدهورت العلاقات الثنائية، المتوترة بالفعل في السنوات الأخيرة، بشكل أكبر في أعقاب العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.

أ.ف.ب
أكراد سوريون في تظاهرة مناهضة للاعلان الدستوري الجديد في مدينة القامشلي شمال شرق سوريا في 14 مارس 2025

وخلال كلمته الافتتاحية في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، وصف الرئيس أردوغان إسرائيل بأنها "دولة إرهابية" واتهمها بمحاولة تخريب ثورة 8 ديسمبر/كانون الأول في سوريا من خلال تحريض الأقليات العرقية والدينية ضد إدارة الشرع. وحذر أردوغان من أن تفضيل تركيا لحل الأمور عبر الحوار يجب أن لا يُفسر على أنه ضعف، مضيفا أن أنقرة لن تسمح بسحب سوريا إلى دوامة جديدة من عدم الاستقرار.

فماذا وراء هذا التصعيد؟

من منظور إسرائيل، فإن تركيا، التي تعتبر الآن منافسا إقليمياً لإسرائيل، تمارس نفوذا متزايدا في سوريا، وهو ما تعتبره تهديدا. وبالفعل، كان الرئيسان أردوغان والشرع قد اتفقا، خلال زيارة الأخير لأنقرة في فبراير/شباط، على تعاون دفاعي يشمل الدعم التركي في بناء وتدريب الجيش الوطني السوري الجديد.

وتشير تقارير أيضا إلى أن تركيا تستعد لإنشاء قواعد عسكرية داخل سوريا. وقد وضعت هذه التطورات تركيا وإسرائيل على مسار تصادمي. وهنا تدخلت الولايات المتحدة، المحاصَرة بين أقرب حلفائها الإقليميين (إسرائيل) وشريكتها في حلف "الناتو" (تركيا)، في محاولة لاحتواء التوتر.

وفي 9 أبريل/نيسان، عقب اجتماع في واشنطن، تحدث الرئيس ترامب ورئيس الوزراء نتنياهو إلى الصحافة. وردا على سؤال، قال ترامب– بأسلوبه غير الرسمي المعهود– إنه وأردوغان "يحبان بعضهما البعض"، ويحافظان على "علاقات جيدة جدا"، وأنهما قد تعاونا في مناسبات عديدة. وأضاف أنه إذا كانت لدى نتنياهو مشكلة مع تركيا، "فسيكون قادرا على حلها له".

ورغم أن هذه التصريحات قد بدت مطمئنة بالنسبة لأردوغان، فإن المثال الذي استحضره ترمب للتدليل على التعاون كان معبّرا جدا، حين أشار إلى قضية القس الأميركي أندرو برونسون، الذي لم يُطلق سراحه من السجون التركية خلال الولاية الأولى لترمب إلا بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على تركيا، وأدرجت وزيري الداخلية والعدل التركيين على قوائم العقوبات بسبب دورهما في احتجازه.

على الرغم من تصاعد التوتر بين أنقرة وتل أبيب، فإن قنوات التواصل غير الرسمية لا تزال قائمة في الكواليس

وعلى الرغم من تصاعد التوتر بين أنقرة وتل أبيب، فإن قنوات التواصل غير الرسمية لا تزال قائمة في الكواليس. ففي مقابلة مع قناة "سي إن إن تورك" في التاسع من أبريل، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن بلاده لا ترغب في أي مواجهة مباشرة مع إسرائيل على الأراضي السورية.

وفي الوقت ذاته، نقلت وسائل إعلام عن مصادر إسرائيلية لم تُسمّها مواقف مشابهة، مع التشديد في الوقت نفسه على رفض تل أبيب القاطع لأي وجود عسكري تركي بالقرب من حدودها.

وبُعيد هذه التصريحات، أكّد الطرفان، التركي والإسرائيلي، انعقاد لقاءات ثنائية بين مسؤولين من البلدين في العاصمة الأذربيجانية باكو، بوساطة من أذربيجان، وهي بلد حليف استراتيجي لتركيا، في الوقت الذي تربطه بإسرائيل علاقات متقدمة.

رويترز
عناصر من الجيش السوري يتجمعون في حلب، في طريقهم نحو اللاذقية للانضمام إلى القتال ضد المسلحين المرتبطين بالرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، سوريا في 7 مارس 2025

لكن الوزير فيدان حرص على التأكيد أن هذه المحادثات لا تندرج في إطار "تطبيع العلاقات"، موضحا أن أنقرة لا ترى في هذه اللقاءات سوى جهود تقنية تهدف إلى تفادي التصعيد، مشددا على أن أي مسار تطبيعي مع إسرائيل يبقى مشروطا بوقف هجماتها المستمرة على الشعب الفلسطيني.

وقد شبّه فيدان هذه المشاورات بآليات خفض التصعيد التي سبق أن اعتمدتها تركيا مع الولايات المتحدة وروسيا وإيران خلال مراحل سابقة من الأزمة السورية، وهي آليات لا تعبّر عن تقارب سياسي بقدر ما تهدف إلى تفادي المواجهة المباشرة وإدارة مخاطر الاشتباك.

وللتأكيد على أن هذه اللقاءات لا تعبّر عن عودة إلى العلاقات الطبيعية، امتنعت أنقرة عن منح الطائرة التي كانت تقل الوفد الإسرائيلي إذنا بالتحليق في أجوائها. واضطرت الطائرة إلى اتخاذ مسار أطول عبر اليونان وبلغاريا وأجواء البحر الأسود للوصول إلى باكو– في إشارة دبلوماسية واضحة على أن الأمور لم تعد إلى مجراها الطبيعي حتى الآن.

font change