سكوت بيسنت...الصوت المعتدل في إدارة ترمب

السعي إلى تهدئة الأسواق

المجلة
المجلة

سكوت بيسنت...الصوت المعتدل في إدارة ترمب

منذ أن قرر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اعتماد سياسته المثيرة للجدل بفرض رسوم جمركية متبادلة، وجد البيت الأبيض نفسه مضطرا إلى إيصال فكرتين تبدوان متناقضتين.

فقد رأى أنصار الحمائية المتشددون، من بينهم المستشار التجاري الأميركي بيتر نافارو، أن هذه الرسوم ستكون نهجا دائما يرمي إلى استعادة التصنيع داخل الولايات المتحدة. في المقابل، اعتبر مؤيدو التجارة الحرة أن تلك الرسوم مجرد أداة تفاوض مؤقتة، صممت للضغط على الدول الأجنبية، بهدف التوصل إلى صفقات بشروط أكثر ملاءمة للولايات المتحدة.

وسط هذه المعادلة المعقدة، وجد وزير الخزانة سكوت بيسنت نفسه أمام مهمة صعبة، لتقريب وجهات النظر. فسافر إلى فلوريدا، في ذروة الأزمة المالية العالمية التي نجمت عن سياسة ترمب الجمركية، في محاولة أخيرة لإقناع الرئيس بمراجعة خططه.ونجح بيسنت جزئيا، ولو لفترة محدودة، في تحقيق هدفه، ما يعكس حجم النفوذ الذي استطاع أن يمارسه على ترمب. فقد استجاب الرئيس لضغوطه، معلنا تعليق فرض الرسوم الجمركية على معظم الدول لمدة تسعين يوما، في حين رفع نسبتها على الصين.

بيد أن بيسنت لا يزال يواجه تحديات كبيرة، على رأسها إبرام عشرات الاتفاقات التجارية مع دول مختلفة خلال المهلة المحددة، إضافة إلى احتواء تداعيات فرض رسوم شاملة بنسبة 10 في المئة على التجارة الخارجية. وفي الوقت نفسه، يتوجب عليه إدارة حرب تجارية مع الصين، قد تُفضي إلى دخول الولايات المتحدة في حالة ركود اقتصادي. وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، يولي بيسنت أولوية للاتفاقات مع المملكة المتحدة وأستراليا وكوريا الجنوبية والهند واليابان، وتستعد كوريا الجنوبية لجولة محادثات حاسمة الأسبوع المقبل، بينما من المتوقع وصول وفد ياباني إلى واشنطن أيضا.

تعتبر الدوائر التجارية بيسنت صوتا معتدلا يلطّف من حدة السياسات التجارية الأكثر عدوانية لترمب، غير أنه يظهر تشددا أكبر في قضايا الدَّين. فقد أنشأ فريقا داخل وزارة الخزانة لمساعدته في الضغط، باتجاه خفض الدين القومي الأميركي، الذي وصل إلى 36 تريليون دولار.وفي مقابلة حديثة مع مجلة "بوليتيكو"، قال نائب وزير الخزانة مايكل فولكندر: "نحن ننفق مئات المليارات من الدولارات سنويا، وهو رقم لا يمكن تبريره فقط بعوامل التضخم والنمو السكاني. لقد توسع دور الحكومة، وازدادت هيمنتها، وأصبحت أكثر تدخلًا في حياة الناس. وبصراحة، فإن الحكومة كانت تعاني من التضخم منذ البداية".

أما بيسنت، فقد صرّح لشبكة "سي إن بي سي" الشهر الماضي قائلًا: "لقد أدمن السوق والاقتصاد، ونحن معهما، على هذا الإنفاق الحكومي".

يبلغ بيسنت من العمر 62 عاما، وهو من ولاية كارولينا الجنوبية، وقد أمضى مسيرته المهنية في مجال التمويل. عمل مع المستثمر المعروف جورج سوروس، والمستثمر المعروف ببيعه للأسهم على المكشوف، جيم تشانوس، كما أدار صندوق التحوط الخاص به. وبصفته مديرا ماليا، راهن بقوة على فوز ترمب، مستثمرا في هذا الاحتمال، بعد أن لاحظ ما وصفه بـ"الشذوذ في السوق"، حيث رأى أن المحللين السياسيين والاقتصاديين بالغوا في تشاؤمهم من تأثير فوز ترمب على الأسواق، بينما راهن هو على العكس تماما.

وقد دعا بيسنت، في مقال رأي نُشر مؤخرا في صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى إصلاح النظام الضريبي وتحرير الاقتصاد من خلال إلغاء القيود التنظيمية، لا سيما عن القطاع المصرفي، لتحفيز الإقراض وزيادة إنتاج الطاقة. كما دعا إلى خفض الدعم الحكومي، وتعزيز الإنتاج المحلي للطاقة، وتحرير الاقتصاد من الأعباء التنظيمية التي تعرقل نموه.

وعلى خلاف كثيرين من العاملين في "وول ستريت"، دافع بيسنت عن استخدام الرسوم الجمركية، التي تُعد الأداة الاقتصادية المفضلة لدى الرئيس ترمب.

دعا بيسنتإلى إصلاح النظام الضريبي وتحرير الاقتصاد من خلال إلغاء القيود التنظيمية، لا سيما عن القطاع المصرفي

المستشار الاقتصادي لحملة ترمب

وُلد سكوت كينيث هومر بيسنت في 21 أغسطس/آب 1962، وهو الابن الأكبر لهومر جَستون بيسنت جونيور، الذي كان يعمل وكيلا للعقارات.

نشأ بيسنت في بلدة صغيرة بولاية كارولينا الجنوبية. وقد تزوجت والدته، باربرا، خمس مرات، وكان والده، هومر، زوجها الأول والثالث، ووصفته بأنه حب حياتها. وعندما أصيب بمرض في ستينات القرن الماضي، تولت إدارة شركة العقارات، وهو ما وصفه أحد من رثوها لاحقا في جنازتها بأنه "إنجاز غير مألوف في ذلك الزمن".

وأشار بيسنت في أكثر من مناسبة إلى أن والده امتلك "أكبر مجموعة من كتب الخيال العلمي في ولاية كارولينا الجنوبية"، على حد وصفه. لكنه أقر بأن المجموعة "لم تكن بذلك الحجم أو الجودة"، مضيفا أن والده كان يحب التفاخر بها، وأنهم اعتادوا الجلوس معا وتأمل النجوم، متسائلين إن كان هناك بشر يعيشون على كواكب أخرى.

ينحدر بيسنت من أصول فرنسية، وقد حصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة ييل عام 1984. وخلال دراسته الجامعية، شغل مناصب متعددة، منها محرر في صحيفة "ييل ديلي نيوز"، وأمين صندوق خريجي دفعة عام 1984، ورئيس صندوق خريجي جامعة "ييل"، ومساعد مدير الألعاب الرياضية.

بعد تخرجه، بدأ بيسنت مسيرته المهنية في مجال التمويل، ثم انضم إلى شركة "سوروس لإدارة الصناديق"، حيث شغل في نهاية المطاف منصب رئيس مكتبها في لندن. وفي هذا الدور، كان جزءا من الفريق القيادي الذي راهن بنجاح على أزمة الجنيه الإسترليني عام 1992، محققا أرباحا تجاوزت مليار دولار أميركي لصالح الشركة.

خلال تلك الفترة، كان بيسنت من المتبرعين للحزب الديمقراطي، وقدم دعمه للمرشح الرئاسي آل غور في انتخابات عام 2000.وبعد مغادرته لصندوق سوروس، أسس شركته الاستثمارية الخاصة "مجموعة كي سكوير" عام 2015.

رويترز
سكوت بيسنت وهوارد لوتنيك أثناء خطاب لترمب في البيت الأبيض، واشنطن، في 3 فبراير

ونظرا إلى كونه أحد أبرز الممولين لحملة ترمب الانتخابية الرئاسية لعام 2024، وجامعا رئيسا للتبرعات ومستشارا اقتصاديا للحملة، رشّحه ترمب لمنصب وزير الخزانة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وصادق مجلس الشيوخ الأميركي على تعيينه في 27 يناير/كانون الثاني 2025، بأغلبية 68 صوتا مقابل 29.

وبعد تدخله لتهدئة الأسواق العالمية التي شهدت اضطرابات، جراء فرض ترمب للرسوم الجمركية، وجّه بيسنت رسالة إلى الرؤساء التنفيذيين للشركات العامة الكبرى، قال فيها: "توقفوا عن القلق بشأن الرسوم الجمركية وعودوا إلى العمل."

وبعد استقرار الأسواق، صرّح بيسنت قائلا: "سيكون لدينا المزيد من الوضوح بشأن مستقبل التعريفات الجمركية في غضون التسعين يوما القادمة". جاء هذا التصريح ردا على المخاوف التي أبدتها كبرى الشركات من سياسة إدارة ترمب التجارية، والتي رأوا أنها تُربك أعمالهم. وأضاف بيسنت: "سيكون لدى الرؤساء التنفيذيين أيضا وضوح بشأن الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية. أتذكر سماع الشكاوى ذاتها عام 2017، لأن اتفاق الإصلاح الضريبي لم يُبرم سوى قبيل عيد الميلاد في ذلك العام. قالوا: لا يمكننا التخطيط، لا يمكننا تنفيذ شيء، نحن بحاجة إلى وضوح. لذا، كما تعلمون، سيكون لدينا وضوح فيما يتعلق بالضرائب والقيود التنظيمية."

بدأت علاقة بيسنت الوثيقة مع ترمب في العام الماضي، حين برز كأحد كبار المتبرعين والمستشارين في حملته الانتخابية

ومع ذلك، أقرّ بيسنت بأن التوصل إلى اتفاقات بشأن الرسوم الجمركية مع الدول الكبرى قد يستغرق وقتا أطول من فترة التوقف المحددة بتسعين يوما، وقال: "لنضع الصين جانبا. لدينا خمسة عشر شريكا تجاريا رئيسا، فإذا استثنينا الصين يتبقى لدينا أربعة عشر. نحن نعمل بوتيرة سريعة لوضع آلية تفاوض مع هذه الدول، ومعظمها تعاني من عجز تجاري كبير. هل سنتمكن من إعداد وثائق قانونية مكتملة خلال تسعين يوما؟ لا أظن ذلك. لكنني أعتقد أننا إذا اتبعنا هذا المسار، سنتمكن من التوصل إلى اتفاقات أولية واضحة مع الشركاء الأربعة عشر، باستثناء الصين. وإذا بلغنا معهم مستوى تفاهم مشترك، ووافقوا على خفض رسومهم الجمركية، وتقليص الحواجز غير الجمركية، ووقف التلاعب بالعملة، ودعم الصناعة والعمالة، فإنني أعتقد أن بوسعنا المضي قدما."

رويترز
سكوت بيسنت أثناء توجهه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى فلوريدا، الولايات المتحدة الأميركية، في 28 مارس

وقد بدأت علاقة بيسنت الوثيقة مع ترمب في العام الماضي، حين برز كأحد كبار المتبرعين والمستشارين في حملته الانتخابية. وكان الممولون قد ابتعدوا عن ترمب لسنوات عقب محاولة التمرد التي شهدها السادس من يناير 2021. وفي تصريح لمجلة "نيويوركر" في يونيو/حزيران، قال بيسنت: "رجال وول ستريت دائما ما يتراجعون عن قراراتهم". وبدأ يتحدث علنا عن فوائد الرسوم الجمركية، محذرا من الفوضى التي قد تعم الأسواق في حال تولّت كاملا هاريس الرئاسة.

كما أثنى على خبرة ترمب الاقتصادية، ووصفه بـ "السياسي والقائد الأكثر حذقا في مجالي الاقتصاد والتجارة" من بين من تعامل معهم خلال مسيرته المالية الممتدة على مدى 35 عاما.

والآن، وبعد أن أصبح لبيسنت دور محوري في إدارة ترمب، بات يُنظر إليه باعتباره صوت الاعتدال، القادر على مساعدة الرئيس في تبني نهج أكثر استقرارا في تعامله مع الأسواق العالمية.

font change