طرق الموت في البحر أسهل على المهاجرين غير النظاميين من طرق البر، ففي البحر تغرق القوارب ويموت ركابها تحت الموج في مواسم المطر محاولين الاختفاء بين الموج المرتفع عن نظر قوارب حرس السواحل، إلا إذا كان حظهم أفضل ووجدتهم سفن المنظمات العاملة على إنقاذ الهاربين فتكون حياة أخرى تدور فوق اللُجة بانتظار مرافئ تستقبلهم.
أما الوصول إلى البحر لعبوره فهو يمر بطرق أوحش وأصعب وخصوصا على المهاجرين من جنوب الصحراء في أفريقيا، هناك يقف لهم الموت بأشكال مختلفة، تبدأ بالطرق الصحراوية الوعرة، ووسائل المرور التي تختلف من أمكنة إلى أخرى، فهي قد تكون سيارات أو بهائم أو حتى دراجات نارية، والموت هناك يبدأ بالعطش والجوع أحيانا، وبالتعذيب وبرصاص ميليشيات تختطف العابرين لتبيع النساء في أسواق "الدعارة"، والرجال للعمل بالسخرة أو التحول لعناصر في ميليشيات مقاتلة، مجبرين على ذلك تحت تهديد الموت.
تقرير أعدته كل من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة صدر في الخامس من يوليو/تموز 2024 أكد أن المهاجرين يواجهون خطر الوقوع ضحايا للعنف الجسدي والجنسي الشديدين، والاختطاف على طول الطرق المؤدية من الصحراء الكبرى إلى البحر الأبيض المتوسط، وأن أعدادا كبيرة من العابرين خلال هروبهم من الحروب في بلدانهم يسقطون برصاص حروب في بلدان أخرى وخصوصا في السودان وليبيا.
من عمق الصحارى الأفريقية إلى تخوم البحر المتوسط، تُسجل واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية إيلاما في العصر الحديث. إنها قصة الهجرة غير النظامية من أفريقيا جنوب الصحراء، رحلة أمل كثيرا ما تنتهي في قوارب الموت، أو في مقابر جماعية منسية وسط الرمال. مسارات تهريب تنطلق من مناطق جنوب الصحراء الأفريقية تحصل فيها انتهاكات مرعبة يعيشها العابرون، فيما ينمو في هذه الأرض حلم الهجرة أو "اقتصاد الخوف" من الحروب والفقر والانقلابات وصراعات القبائل ما يغذي مأساة تأكل لحوم الغارقين بأحلام الشمال.