كل كتابة، في جوهرها، تمرين على الفقد، والمجموعة القصصية "تدريبات شاقة على الاستغناء" للقاص والروائي السعودي مقبول العلوي، تمارس هذا الفقد بحرفية سردية تنأى عن العاطفة المباشرة، وتشتغل على طبقات المعنى المضمر.
قصص لا تعلن نفسها، بل تتقدم بخطى مترددة، كمن يختبر هشاشته داخل غرفة مغلقة. وهكذا، فإن ما يكتبه العلوي في هذه المجموعة ليس سردا محضا، بل تمرينات خفيفة على التخلي، على الاستغناء عن البريق، عن الصخب، وعن المعنى الجاهز. ما نقرأه هنا هو كتابة تؤمن بأن الحكاية الحقيقية تبدأ دائما من الصمت.
في هذه المجموعة الصادرة عن "دار نوفل/ هاشيت أنطوان" في بيروت (2025)، يكتب مقبول العلوي، ما تبقى من الإنسان في زحمة المدن، وعزلة الغرف، وفراغ الشاشة الباردة. لا يبحث عن الحكاية في قلب الحدث، بل في ما يترسب في أثره، في تلك اللحظة التي يعاود فيها الإنسان التحديق في مرايا ماضيه ولا يرى شيئا سوى صورته المشروخة.
المجموعة، التي تحتوي على أربع عشرة قصة قصيرة، تضج بحيوات محطمة، وبعلاقات غير مكتملة، وبأسئلة تأخذ هيئة سرد متقشف، تارة، وساخر بلغة شبه تقريرية، تارة أخرى.
القراءة بوصفها ملاذا
في إحدى قصص المجموعة، تبدو القراءة مهربا، أكثر مما هي فعل ثقافي، شيء يشبه الاختباء داخل كتاب كأنك تدخل قبوا، هربا من القصف. هناك ما يشبه التشبث بالكتب كما يتشبث الغريق بخشبة الطوفان. فلا أسماء طنانة ولا مديح للثقافة، بل فزع ضمني من العالم، يعبر عنه العلوي من خلال شخصيات تنطوي على نفسها تحت ظلال الرفوف، تقرأ لئلا ترى، أو لتعيد ترتيب هويتها من جديد في مواجهة عالم زائف.