ذكريات الفن اليمني الجميل مع الفنانة نبات أحمد

القبيلة كانت رافضة لعملها الفني

ذكريات الفن اليمني الجميل مع الفنانة نبات أحمد

استمع إلى المقال دقيقة

صورة بالأبيض والأسود لامرأة جميلة تحمل العود وشعرها القصير ينساب على كتفيها، تبدو مثل أي فنانة عربية من الزمن الجميل، ولكن المثير للانتباه أن هذه فنانة يمنية، وهي أول فنانة من شمال اليمن عُرفت بعزفها على العود، إنها نبات أحمد.

كانت تضحك وهي تحكي لي عن الفيديو الذي انتشر لها وهي ترقص رقصة صنعانية مع الفنان محمد حمود الحارثي، بينما الفنان علي عبدالله السمة يغني ويعزف على العود. أثار هذا الفيديو الكثير من الجدل لأنها ترقص وهي ممسكة بيد الحارثي.

تقول نبات أحمد إن هذا الفيديو تم تصويره في عدن، وكان الاتفاق أن لا يظهر في صنعاء بسبب أن الناس أكثر تحفظا في صنعاء، ثم تكمل وهي تضحك: "ولكنهم نشروه بعد أربعين سنة حتى أبنائي لم يصدقوا أنها أنا، ولكنني قلت لهم والله إنها أنا"، ثم أكملت: "هذا تاريخي ويجب أن أعتز به"، فقلت لها بالتأكيد، وهو تاريخ جميل. الأغنية، والرقصة الصنعانية، وكل شيء في الفيديو جميل، فأيدتني قائلة: "صحيح".

نبات أحمد ولدت في تعز، ولكنها من ذمار. والدها كان يعمل في تعز لذلك انتقلت العائلة للعيش هناك. تقول وفي صوتها حزن: "والدي الله يرحمه كان مشجعا لي ولأختي روضة التي كانت تغني قبلي، ولكن القبيلة كانت رافضة خاصة عمي، ورغم أن القبيلة اقتنعت وتقبلتنا بعد شهرتنا وحب الناس لنا فإن عمي ظل مقاطعا لأبي حتى آخر لحظة في حياته". كانت ربما هذه اللحظات الوحيدة التي توقفت فيها نبات عن الضحك و(الزبْج)- كما يُسمى المزاح في اليمن- فهي شخصية خلوقة، ومحبة للحياة، وتحب أن "تزبج" كثيرا ثم بين الجمل تغني مقطعا من أغانيها بشغف، وفي كل مرة تغني تتوقف وتقول: "صوتي لم يعد مثل السابق".

تزوجت نبات أحمد من الفنان اليمني الراحل أحمد صالح الأبرش. ورغم أنه هو من علمها عزف العود وغنى معها عدة أغانٍ سُجلت واشتهرت في أنحاء اليمن فقد كان غيورا جدا

ولدت نبات أحمد عام 1955 وكانت بداياتها وهي في عمر الـ12 أي بعد ثورة 1962 التي مهدت لها الطريق لتكون فنانة، حيث تغير الحكم في اليمن الشمالي، وأصبح أكثر انفتاحا لتقبل الفن والفنانين. أحبت نبات أحمد- أو كما يسميها البعض (نباتة)- الفن منذ نعومة أظافرها، كانت تغني للفتيات في المدرسة، تقول إنها لم تحب المدرسة كثيرا، وكان الوقت الوحيد الذي تستمتع به هو عندما تغني لزميلاتها.
وهي في عمر 12 عاما، أصرت أن تغني مع أختها روضة التي سبقتها للفن. لكن أختها كانت رافضة وقالت: "تشتي تخزي بنا يا أبي"، تقصد بأن صوت نبات ليس جميلا، وسيخجلهم أمام الناس، ولكن الأب أصر واشترط أنها لن تذهب إلا إذا اصطحبت أختها نبات معها، ثم عرض الفنان محمد حمود العوامي بأنه سيعزف لها العود وهي تغني، وقال: "اتركوا المسؤولية علي". تضحك نبات قائلة: "القبول من الله". غنت نبات في أول تجربة لها في الغناء أمام الجمهور أغنية (فيني وفي روحي وفي عيوني) "الناس صفّقت لي بحرارة وشعرت بأنني انتصرت".

زواجها من فنان


تحكي نبات أحمد عن قصة زواجها الأول، تزوجت من الفنان اليمني الراحل أحمد صالح الأبرش. ورغم أنه هو من علمها عزف العود وغنى معها عدة أغانٍ سُجلت واشتهرت في أنحاء اليمن، فقد كان غيورا جدا، وعندما يخرج من البيت يغلق الباب عليها لكي لا تخرج. استذكرت نبات هذه الأيام وهي تضحك، ولكنها لا تنسى كيف أن أغانيهما مع بعضهما كـ"دويتو" جعلتهما يشتهران بشكل أوسع وسجلا أغانيهما في جدة. توفي زوجها في حادث سير، ولكن نبات أحمد استمرت في الفن، ولمع نجمها أكثر وأكثر.


زمن الفن الجميل


عندما سألت نبات أحمد، التي عاصرت عدة مراحل من الحكم في اليمن، عن الحاكم الذي أعطى للفن اهتماما، ردت سريعا ودون تردد: "علي عبدالله صالح.. في زمانه كان هناك تشجيع كبير للفن، وكان وزراء الثقافة يقولون لي إن علي أن أطور من نفسي وأتعلم".
نبات أحمد كانت تغني وتعزف العود وأيضا تلحن، وكانت تغني في أعراس العائلات الكبيرة والمسؤولين في اليمن، ومن تزفها نبات أحمد بالزفة الصنعانية تكون محظوظة. تتحسر نبات على الزمن الجميل كما أسمته، تقول إن الناس كانت نياتهم صافية، وكان الفنانون يدعمون بعضهم.

صورتها التي أعادت الذكريات


مؤخرا استرجع الناس أغاني نبات أحمد بسبب هذه الصورة التي انتشرت لها وهي تجلس على كرسي بشعرها القصير ممسكة بالعود. قالت إن من صورتها صحافية فرنسية قامت بإجراء مقابلة معها لكنها لا تتذكر اسمها.
وكانت نبات لا ترتدي الحجاب، وتعرضت للانتقاد بسبب ذلك، ولكنها بعد ذلك ارتدته بعد أن أدت العمرة.
ولا تزال نبات أحمد بنفس نشاطها، وحيويتها، وروحها المرحة. لولا المرض الذي جعل صوتها يتأثر. مما جعلها تتوقف عن الغناء في 2004. ولولا هذا المرض لاستمرت إلى اليوم في الغناء بحسب قولها. تقيم نبات أحمد حاليا في المهجر، في مصر، بعد أن اضطرت لترك اليمن.
قالت لي بحزن في نهاية حديثنا: "لقد ذهب كل شيء جميل، وتركت أرشيفي من الأغاني القديمة في اليمن، ورحلت، لقد تركنا كل شيء ورحلنا يا بنتي، كان زمنا جميلا وليته يعود".

font change