أتى إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون في الثامن من أبريل/نيسان، في ختام زيارته للقاهرة، بشأن الاعتراف المحتمل بالدولة الفلسطينية، ليعيد التركيز على هذا المطلب المزمن، وليدفع بعض المراقبين لاستغراب توقيته، بالرغم من ربط الرئاسة الفرنسية بينه وبين قرب انعقاد مؤتمر "التحالف الدولي من أجل حل الدولتين" الذي تترأسه المملكة العربية السعودية، وفرنسا بشكل مشترك، في دورته الثانية في نيويورك خلال يونيو/حزيران القادم. بيد أن ربط الاعتراف الفرنسي باعترافات مماثلة لدول إسلامية أو عربية بإسرائيل، يترك مجالا للشك بإمكانية تحقق الوعد، خاصة أن التجربة التاريخية تؤكد ترددا فرنسيا منذ أربعة عقود من الزمن.
لذا يصح التساؤل عن أسباب هذا التغيير وأهميته في سياسة الإليزيه، فضلا عن آثاره وتداعياته. وما إذا كان سيكون قرار فرنسا مجرد "خطوة رمزية" سبق لاثنتي عشرة دولة من الاتحاد الأوروبي القيام بها، أمستمهد الطريق فعليا نحو حل الدولتين؟
البعد التاريخي الفرنسي-الفلسطيني
كانت فرنسا من الدول الداعمة لإسرائيل بقوة، لكن بعد حرب 1967 قرر الجنرال شارل ديغول تعزيز "السياسة العربية لفرنسا" كي يتجاوز آثار حرب الجزائر، والموقف المؤيد لإسرائيل، ويتبنى نهجا أوصل فرنسا تدريجيا للتعامل بشكل معتدل مع المسألة الفلسطينية.
وكانت الخطوة الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 1975 عند السماح بفتح مكتب معلومات وارتباط بـ"منظمة التحرير الفلسطينية" في باريس. وفي عهد الرئيس فاليري جسكار ديستان وبدفع من فرنسا، أكد المجلس الأوروبي في البندقية، في يونيو/حزيران 1980، على ضرورة الاعتراف المتزامن بحقوق الإسرائيليين والفلسطينيين، مؤكدا أن "منظمة التحرير الفلسطينية" يجب أن تشارك في عملية السلام. وبعد الإسهام في تأمين خروج "منظمة التحرير الفلسطينية" من لبنان في 1982، استقبلت باريس ياسر عرفات في أول زيارة رسمية في مايو/أيار 1989، في عهد فرنسوا ميتران، الذي حرص على إنقاذ "قيادة فلسطينية معتدلة تقر بوجود إسرائيل وتحاورها"، حسب شهادة جان- بيار فيليو أحد مؤرخي تلك المرحلة.
ومنذ ذلك الحين، بدأ الكلام عن الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية، التي أعلنها ياسر عرفات في الجزائر في 15 أكتوبر/تشرين الأول عام 1988. وبرر فرنسوا ميتران إحجامه وتردده بسبب افتقار هذا الكيان إلى "وجود سلطة مسؤولة ومستقلة تمارس على إقليم وسكان". وهذه حجة قانونية صحيحة نظريا، لكنها غير متطابقة، عندما يتعلق الأمر بدولة تحت الاحتلال العسكري، محرومة بحكم التعريف من القدرة على إدارة نفسها. وفي غضون شهر واحد، اعترفت 75 دولة، معظمها من العالم العربي وأفريقيا وآسيا، بـ"دولة فلسطين".
وبعد ست سنوات على اتفاقية أوسلو، أكدت خمس عشرة دولة أوروبية في مارس/آذار 1999 على "الحق الدائم وغير المقيد للفلسطينيين" في إقامة دولة، وأعلنت استعدادها للنظر في الاعتراف بها "عندما يحين الوقت". وهذا الإعلان كان مستوحى من فرنسا، ومن الرئيس جاك شيراك تحديدا، الذي لم يذهب بعيدا بسبب فشل مفاوضات "كامب ديفيد-2" في عام 2000.
وفي 2011، أضاعت فرنسا مرة جديدة فرصة مطابقة أقوالها مع أفعالها، خاصة أنها تبنت حل الدولتين وتحمست له. حصل ذلك مع نيكولا ساركوزي حينما تراجع في سبتمبر/أيلول 2011 عن التصويت بالموافقة على تعديل وضع فلسطين في الأمم المتحدة، من "كيان مراقب" إلى "دولة عضو" كاملة العضوية. وبالرغم من الاستناد إلى أسباب خارجية، طغى العامل الداخلي، إذ كان ساركوزي يخشى المواجهة المفتوحة مع بنيامين نتنياهو قبل ثمانية أشهر، من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.