ماركو روبيو... رجل المهام الكبرى في إدارة ترمب

يتمتع بنفوذ واسع لوضع سياسات الولايات المتحدة الخارجية والأمنية

المجلة
المجلة

ماركو روبيو... رجل المهام الكبرى في إدارة ترمب

يشكّل صعود ماركو روبيو– الذي كان في السابق من أبرز منتقدي الرئيس الأميركي دونالد ترمب– إلى موقع يُعدّ الأبرز في الإدارة الأميركية الحالية، وهو واحد من أكثر التحوّلات غير المتوقعة التي شهدتها السياسة في واشنطن منذ تنصيب ترمب في يناير/كانون الثاني الماضي.

فالسيناتور السابق عن ولاية فلوريدا، الذي طالما استخفّ به ترمب علنا ولقّبه بـ"ماركو الصغير" بسبب قامته القصيرة، بات اليوم يتمتع بنفوذ واسع على سياسات الولايات المتحدة الخارجية والأمنية، يستحضر ربما ما كان يتمتع به الدكتور هنري كيسنجر خلال عهد الرئيس نيكسون في السبعينات.

وبعد تعيين روبيو في منصب هام كوزير للخارجية الأميركية، إثر عودة ترمب إلى البيت الأبيض في يناير، تعزز دوره في الإدارة الأميركية أكثر بعد تعيينه أيضا مستشارا للأمن القومي، عقب الإقالة المفاجئة لمستشار الأمن القومي السابق مايك والتز في أوائل مايو/أيار. وكان من المتعذّر على والتز أن يستمر في منصبه بعد تورطه في فضيحة دردشة جماعية في مارس/آذار، أضيف إليها خطأ صحافي أميركي بارز، فسمح له بالاطلاع على تفاصيل حساسة عن العمل العسكري الأميركي المخطط له ضد الحوثيين في اليمن.

ويعني تعيين روبيو خلفا لوالتز، ولو مؤقتا، أنه بات يحتل في وقت واحد منصبين رفيعين في الإدارة الأميركية، ما يضعه على قدم المساواة مع نائب الرئيس جيه دي فانس من حيث قدرته على توجيه سياسة الإدارة.

وكأن توليه اثنين من أقوى المناصب في الحكومة لم يكن كافيا لإثقال كاهله، فقد عُيِّن أيضا مديرا مؤقتا للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) المسؤولة عن المساعدات الخارجية، إضافة إلى تحمّله عبء منصب الرئيس المؤقت للأرشيف الوطني. وتُبرز هذه التعيينات صعود روبيو بهدوء ليصبح الرجل الموثوق به لدى الرئيس ترمب لتولي المهام الكبرى داخل إدارته.

لم يسبق أن شغل أي مسؤول أميركي سوى روبيو منصبي مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية منذ أن تولاهما كيسنجر أثناء إدارة نيكسون

ولم يسبق أن شغل أي مسؤول أميركي سوى روبيو منصبي مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية منذ أن تولاهما كيسنجر أثناء إدارة نيكسون.

وطالما أيّد روبيو، البالغ من العمر 53 عاما، والسيناتور السابق عن فلوريدا، قبل تعيينه في هذه الأدوار الرئيسة، تبني الولايات المتحدة لنهج أكثر صرامة في مواجهة التحدي الذي تفرضه كل من الصين وإيران، بينما يتبنى وجهة نظر أكثر برغماتية حول الدعم الأميركي لأوكرانيا في حربها مع روسيا، ويعارض تقديم المزيد من التمويل لكييف.

محطة تاريخية

شكّل تعيين روبيو وزيرا للخارجية محطة تاريخية، إذ أصبح أول شخصية من أصول لاتينية تتولى أعلى منصب دبلوماسي في الولايات المتحدة. أما تعيينه لاحقا مستشارا للأمن القومي، فقد قوبل بترحيب خاص من قبل الجالية اللاتينية النافذة في البلاد.

وقال ماوريسيو كلافير-كارون، أحد حلفاء روبيو والمستشار السابق في مجلس الأمن القومي، تعليقا على تعيينه: "هذه اللحظة هي التي ستكون فيها أميركا اللاتينية أكثر حضورا على الخريطة من أي إدارة أميركية سابقة. إنه حدث تاريخي، لا يمكن وصفه بطريقة أخرى".

أ.ب
وزير الخارجية ماركو روبيو، يتحدث خلال اجتماع وزاري في البيت الأبيض بحضور الرئيس دونالد ترامب، 30 أبريل في واشنطن

ويبدو صعود روبيو إلى قمة هرم السلطة في إدارة ترمب لافتا بشكل خاص، بالنظر إلى أنه كان سابقا من خصوم الرئيس على المستوى الوطني. فبعد أن دعم المرشح الجمهوري ميت رومني في انتخابات عام 2012، أعلن روبيو ترشحه للرئاسة في عام 2016، ما وضعه في مواجهة مباشرة مع دونالد ترمب.

وخلال موسم الانتخابات التمهيدية الذي اتسم بالتوتر، تبادل الرجلان سيلا من الإهانات الشخصية، من بينها ما قاله روبيو خلال تجمع انتخابي في دالاس في فبراير/شباط 2016، حين سخر من "يدَي ترمب الصغيرتين"، وانتقد افتقاره للخبرة في السياسة الخارجية. وفي أحد التجمعات الانتخابية سخر روبيو من ترمب، متسائلا: "أهو رجل قوي؟ هذا الرجل ورث 200 مليون دولار. ولم يواجه قط تحديات حقيقية في حياته".

شكّل تعيين روبيو وزيرا للخارجية محطة تاريخية، إذ أصبح أول شخصية من أصول لاتينية تتولى أعلى منصب دبلوماسي في الولايات المتحدة

رد ترمب بالإشارة إلى منافسه ووصفه بـ"ماركو الصغير"، مع أن الحملة انتهت في نهاية المطاف بتأييد روبيو لترمب في ترشيح عام 2016، قبل أن يكيف سياسته لاحقا ليغدو أكثر انسجاما مع الرئيس في السنوات التي تلت ذلك.

ونتيجة لهذا، يجد روبيو نفسه الآن ليس فقط أحد أقوى الشخصيات في إدارة ترمب، بل ويُنظر إليه أيضا كمنافس جدي على الرئاسة عندما تنتهي فترة ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض. بل إن ترمب نفسه طرح فكرة ترشح روبيو للرئاسة في مقابلة مع شبكة "إن بي سي"، حيث استبعد الاقتراح بأن يترشح لولاية ثالثة كرئيس، وهي خطوة ستكون محفوفة بالتحديات الدستورية. وعندما سُئل ترمب خلال مقابلة مع برنامج "Meet the Press" على قناة "إن بي سي نيوز"، عمن قد يبرز كمرشح محتمل لخلافته في منصب الرئيس، ذكر اسمي روبيو وفانس، بهذا الترتيب، كمرشحين محتملين.

وعندما سألته مقدمة البرنامج، كريستين ويلك، عمّن يمنحه الثقة ليواصل حركة "لنجعل أميركا عظيمة مجددا" بعد انتهاء ولايته، أجاب ترمب: "انظروا إلى ماركو، انظروا إلى جيه دي فانس، إنه رائع. انظروا إلى... يمكنني أن أذكر عشرة أشخاص جالسين معنا الآن هنا، لا بل خمسة عشر شخصا وعشرين أيضا".

وقد أثار ذكر ترمب لكل من روبيو وفانس كمرشحين محتملين للرئاسة في المستقبل على الفور توقعات بأن ترمب كان يسعى عامدا إلى حقن عناصر المنافسة والتنافس التي طالما كان يستمتع ببثّها بين العاملين معه.

لكن المطلعين على الأمور داخل الإدارة، يصرون على أن التوقعات بحدوث صدام كهذا بين الرجلين سابقة لأوانها ومبالغ فيها، حيث يُنظر إليهما كحليفين أيديولوجيين وقد أصبحا صديقين حميمين. وفي ذلك، قال مسؤول في الإدارة: "تجمع الرجلين علاقة شخصية ومهنية جيدة حقا، لذلك إذا ترشح كلاهما، فلا شك لدي أن ثمة [محادثة] بينهما حول هذا الأمر قد حدثت مسبقا".

على أن تعيين روبيو في الكثير من المناصب الرئيسة داخل إدارة ترمب، لم يمرّ من دون انتقادات، ولا سيما من طرف الديمقراطيين الذين تساءلوا: هل بوسع روبيو، أو أي شخص آخر، أن يدير كل المناصب التي أعطيت له في وقت واحد؟

وتساءلت السيناتورة الديمقراطية عن ولاية إلينوي تامي داكوورث علنا عما إذا كان بوسع روبيو حقيقة أن يدير المناصب الأربعة التي يشغلها حاليا لفترة غير محددة من الزمن. وأوضحت داكوورث، العضوة في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، خلال مقابلة يوم الأحد مع برنامج "واجه الأمة" (Face The Nation) على قناة "سي بي إس" أنه "من المستحيل أن يتمكن من القيام بذلك بكفاءة، خاصة مع انعدام الكفاءة في وزارة الدفاع الأميركية، التي يتولاها بيت هيغسيث، وتفريغ القيادة العليا من كوادرها"، وشددت على أهمية العثور على رئيس جديد لوكالة الأمن القومي في أسرع وقت ممكن.

وزارة الخارجية الأميركية
وزير الخارجية الأميريكي ماركو روبيو يحضر المحادثات الأميركية الروسية بشأن حرب أوكرانيا في قصر الدرعية بالرياض، في المملكة العربية السعودية 18 فبراير

قصة الصعود

يعد صعود روبيو إلى قمة السياسة الأميركية أمرا مثيرا للإعجاب للغاية بالنظر إلى أصوله المتواضعة، فقد وُلِد عام 1971 لأبوين كوبيين هاجرا إلى أميركا قبل عامين من الثورة الكوبية. ولم يكن أبواه مواطنين أميركيين عند ولادته، لكنهما تقدما بطلب للحصول على الجنسية الأميركية وحصلا عليها بعد سنوات قليلة من ولادته.

بدأ مسيرته السياسية بعد انتخابه لعضوية مجلس نواب ولاية فلوريدا في تسعينات القرن الماضي، قبل أن يتولى منصب رئيس المجلس ليُنتخب بعدها عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا. وقد وُصِف خلال هذه الفترة بأنه سياسي وسطي كان مستعدا للعمل مع الديمقراطيين، واتسمت فترة ولايته كرئيس لمجلس النواب في فلوريدا بموقف أكثر تحفظا تجاه قضايا مختلفة.

وقال دان جيلبر، زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب في فلوريدا، في الفترة التي كان فيها روبيو رئيسا للمجلس: "أعتقد أن ماركو محافظ صارم، ويميني متشدد حقا، ولكنه على الأرجح أكثر المتحدثين الموهوبين الذين يمكن أن يأمل اليمين المتشدد في الحصول عليهم".

والآن بعد أن أصبح روبيو شاغلا منصبي السياسة الخارجية والأمن القومي الرئيسين في إدارة ترمب، فسوف يجد نفسه مشاركا في عدد من القرارات الرئيسة في مجال صنع السياسات، وهو ما يزيد من صعوبة الأمر لأن الإدارة الجديدة تجد نفسها في مواجهة عالم أكثر خطورة وتقلبا مما واجهته خلال ولاية ترمب الأولى.

لقد برز روبيو كحليف رئيس لترمب في نهجه الأكثر حزما من الصراع في أوكرانيا، مع تأييده الكامل لأهداف حرب إسرائيل في قطاع غزة. وبعد لقائه بكبار السياسيين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في فبراير/شباط، أصرّ على أنه لا يمكن السماح لـ"حماس" بالاستمرار كقوة عسكرية أو حكومية. وقال: "ما دامت قائمة كقوة قادرة على الحكم أو الإدارة أو التهديد بالعنف، فإن السلام يصبح مستحيلا. يجب القضاء عليها".

دعا روبيو واشنطن إلى تبني سياسة خارجية أكثر تشددا تجاه خصوم أميركا الجيوسياسيين، بما في ذلك الصين وإيران وكوبا

كما أدى روبيو أيضا دورا محوريا في المفاوضات الرامية إلى إنهاء الصراع الأوكراني، حيث شارك في المحادثات الأخيرة التي استضافتها المملكة العربية السعودية. وفي منتصف مارس/آذار، حثّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الموافقة على الهدنة "كي يتوقف موت الناس، ويتوقف الرصاص عن التطاير".

وبعد جولة المحادثات التي عقدت مؤخرا بين مسؤولين أميركيين وأوكرانيين، قال روبيو إنه "لا يوجد حل عسكري للصراع"، وحذر من أنه "إذا قالت [روسيا] لا، فإن هذا سيخبرنا كثيرا عن أهدافها وما هي عقليتها".

بالإضافة إلى ذلك، دعا روبيو واشنطن إلى تبني سياسة خارجية أكثر تشددا تجاه خصوم أميركا الجيوسياسيين، بما في ذلك الصين وإيران وكوبا. وكانت الصين قد فرضت عقوبات على روبيو عام 2020 بسبب موقفه من هونغ كونغ عقب الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية.

واليوم، بعد أن رسّخ مكانته كأحد الشخصيات المحورية في إدارة ترمب، يواجه ماركو روبيو سؤالا ملحا: هل يمتلك- رغم خبرته الواسعة في ملفات السياسة الخارجية والأمن القومي- ما يلزم من مقومات القيادة لمواجهة التحدي الأكبر المتمثل في تولي رئاسة الولايات المتحدة؟

font change

مقالات ذات صلة