السوق العربية المشتركة... ألم يحن أوان التكامل الاقتصادي

تجاوز عدد سكان العالم العربي 470 مليون نسمة والحاجات تتعاظم لتحفيز الاستثمار البيني وتوفير فرص العمل للشباب

رويترز
رويترز
وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في صورة جماعية مع نظرائه من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية خلال اجتماع تحضيري للقمة العربية الرابعة والثلاثين، في بغداد، العراق، 15 مايو 2025

السوق العربية المشتركة... ألم يحن أوان التكامل الاقتصادي

ظل العرب يرددون شعارات عديدة دون أن يتمكنوا من تحقيقها. أهم هذه الشعارات كانت تتعلق بالتكامل الاقتصادي ورفع مستويات المعيشة للمواطنين العرب في مختلف أقطارهم، وربط ذلك بتعزيز التجارة البينية وتمكين العمالة العربية من الانتقال من قطر إلى آخر دون قيود تذكر.

أرادت الدول العربية المنضوية في جامعة الدول العربية أن توطد العلاقات الاقتصادية في ما بينها بعد سنوات قليلة من تأسيس الجامعة العربية في منتصف أربعينات القرن العشرين، فأقرت اتفاقية الوحدة الاقتصادية بين دول الجامعة العربية من قبل المجلس الاقتصادي يوم 3 يونيو/حزيران 1957، وهو تاريخ مقارب لعقد اتفاقية الوحدة الاقتصادية الأوروبية.

وبناء على أدبيات الجامعة، دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بتاريخ 30 أبريل/نيسان 1964، ونصت على قيام وحدة اقتصادية كاملة بين الدول العربية تضمن حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال، وحرية الإقامة والعمل وممارسة النشاط الاقتصادي.

كذلك نصت اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية على حرية النقل والترانزيت وحقوق التملك. أهم من ذلك أكدت الاتفاقية تحويل الدول الموقعة إلى منطقة جمركية واحدة ذات إدارة موحدة وتعرفة جمركية متفق عليها بين الدول. هذا الزخم الوحدوي دفع إلى اعتماد قرار إنشاء السوق العربية المشتركة بتاريخ 13 أغسطس/آب 1964، حيث وقعت الاتفاقية كل من السعودية ومصر والعراق والأردن وسوريا ولبنان، ثم تلتها لاحقا الكويت.

أ.ب.
صورة من الأرشيف لاجتماع الدول الأعضاء السوق العربية المشتركة في دمشق، 9 يونيو 1969

في ذلك الوقت، كان الناتج المحلي الإجمالي للعالم العربي بأكمله لا يتجاوز 25 مليار دولار في حين كان عدد السكان في حدود 102 مليون نسمة. في طبيعة الحال كانت الموارد الاقتصادية محدودة ولم تكن إيرادات النفط في الدول المنتجة مرتفعة حيث لم يتجاوز سعر البرميل 1,5 دولارا، كما كانت الدول المنتجة تعتمد على شركات النفط العملاقة لإنتاج النفط بموجب امتيازات قديمة.

ساهمت سياسات التأميم وهيمنة الحكم الاشتراكي في عدد من هذه الدول، ومنها مصر وسوريا والعراق والجزائر، على مختلف المؤسسات، في تعطيل التكامل الاقتصادي مع الدول العربية الأخرى

وكانت الحكومات تجني إيراداتها من النفط من خلال ضرائب على أرباح تلك الشركات. لكن من المهم أن نبين أن الدول العربية في ذلك الوقت كانت تتباين في أنظمتها السياسية وبفلسفاتها الاقتصادية، إذ ساهمت سياسات التأميم وهيمنة الحكم الاشتراكي في عدد من هذه الدول، ومنها مصر وسوريا والعراق والجزائر، على مختلف المؤسسات في قطاعات عديدة، في تعطيل التكامل الاقتصادي مع الدول العربية الأخرى التي انتهجت طريق الاقتصاد الحر.

الصدمة النفطية

شهدت السبعينات تحولا كبيرا في الاقتصاد العربي، حيث كان لحرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 بين مصر وإسرائيل، التي هدفت لاستعادة الأراضي المحتلة، تأثير كبير على أداء الاقتصاد العربي في مجمله. فالحرب ومقاطعة الدول المستهلكة ووقف الإمدادات النفطية من قبل الدول الخليجية المنتجة للنفط، دفعت الأسعار الى الارتفاع بمعدلات كبيرة، إذ قفز سعر البرميل في مطلع 1974 إلى نحو 12,5 دولارا، بعد أن ظل، ولمدة طويلة، عند الـ1,5 دولار.

.أ.ف.ب

هذا الارتفاع الكبير في أسعار النفط مكّن الدول الخليجية من بناء فوائض مالية مهمة عززت حماستها لدعم الاقتصادات العربية غير النفطية. كما أدى التغيير في رئاسة الجمهورية في مصر بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وتولي الرئيس الراحل أنور السادات رئاسة الجمهورية، إلى تحول جذري في السياسات الاقتصادية، حيث تبنت مصر سياسة الانفتاح الاقتصادي عبر إصدار قوانين وأنظمة تشجع الاستثمار وتسهل أعمال المستثمرين الأجانب، متخلية بذلك عن الاقتصاد الموجه الذي كان سائدا في السابق.

مناخ التجارة والاستثمار

بعد الصدمة النفطية الأولى في سبعينات القرن الماضي، ارتفعت قيمة التجارة البينية بين الدول العربية إلى 3,8 مليارات دولار في عام 1975، ثم إلى 11,2 مليار دولار في عام 1980. لكن هل تمكنت الدول العربية من جذب استثمارات عربية ذات أهمية تعزز فرص الوحدة الاقتصادية وتحقق أهداف اتفاقية السوق العربية المشتركة؟ في  شهر يناير/كانون الثاني، من عام 2013، عقد القادة العرب قمتهم في الرياض وأقروا اتفاقية استثمار رؤوس الأموال في الدول العربية بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين الدول الأعضاء.

هل يمكن القمة العربية في بغداد، أن تُعيد آمال إحياء مبادئ الوحدة الاقتصادية العربية

 وقد دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية في تلك القمة القطاع الخاص في الدول العربية إلى أخذ المبادرة في تنفيذ المشاريع التنموية، وكذلك دعا الحكومات العربية إلى "تهيئة المناخ الاستثماري عبر تعديل القوانين والنظم والتشريعات". لكن الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية آنذاك السيد محمد التويجري أشار إلى أن القوانين في الدول العربية طاردة للاستثمار.

وأكد التويجري، أن اتفاقية انتقال رؤوس الأموال التي أقرت في عام 1980 تعاني من قصور كبير ولا تحفز على الاستثمار. وأوضح أن عدم تدفق الاستثمار بين الدول العربية أدى إلى مصاعب اقتصادية واجتماعية، ورفع معدل البطالة في الدول العربية إلى 16 في المئة حيث تراوحت بين 50 في المئة في جيبوتي و0,5 في المئة في قطر، في ذلك العام (2013).

الآمال وقمة بغداد

هل يمكن القمة العربية التي عقدت في بغداد، أن تُعيد آمال إحياء مبادئ التكامل الاقتصادي العربي، وأن تفعل اتفاقية السوق العربية المشتركة، على الرغم من مرور أكثر من ستين عاما على اعتمادها؟ تعاني الدول العربية من مصاعب اقتصادية كبيرة بعد الانتفاضات والحروب الأهلية التي نشبت منذ يناير/كانون الثاني 2011.

Shutterstock
تحتاج الدول العربية الى التخطيط المشترك، ومزيد من التعاون لنمو الأسواق العربية واستقرارها

وهناك معاناة وتحديات معيشية واقتصادية واجتماعية في سوريا والأردن وفلسطين ولبنان والسودان، وإلى درجة مهمة في العراق وليبيا وتونس والجزائر ومصر. هناك حاجة لاتخاذ قرارات ملزمة وقابلة للتطبيق تؤدي إلى إصلاح البنية الاقتصادية، وتمكن القطاع الخاص من توظيف الأموال في مشاريع مجدية اقتصاديا وتحظى بحماية قانونية في مختلف الدول العربية، بدلا من أن تتوجه رؤوس الأموال الخاصة والصناديق السيادية إلى الأسواق المالية العالمية للاستثمار في أدوات مالية، مثل الأسهم أو سندات الدين.

الناتج المحلي الإجمالي العربي بلغ 3,6 تريليونات دولار في عام 2024. لكن الجزء الأكبر من النمو الاقتصادي تركز في خمس دول فقط

المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات

لا بد من توفير المناخ الاستثماري الملائم في الدول العربية لتأمين البدائل الاستثمارية أمام رؤوس الأموال العربية، بدلا من دفعها إلى خارج حدود العالم العربي وتحمل الأخطار المحتملة في تلك الأسواق العالمية.

تركز الناتج في عدد قليل من الدول العربية

ذكرت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، في تقرير صدر في مارس/ آذار 2025، أن الناتج المحلي الإجمالي العربي بلغ 3,6 تريليونات دولار في عام 2024. لكن المؤسسة أشارت في الوقت نفسه إلى أن الجزء الأكبر من النمو الاقتصادي تركز في خمس دول فقط هي: السعودية والإمارات ومصر والعراق والجزائر، التي تمثل معا 72 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العربي. كما تساهم الاقتصادات النفطية، السعودية والإمارات والكويت وقطر والعراق والجزائر وليبيا، بـ 78 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العربي.

.أ.ب
الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيظ، خلال حضوره القمة العربية 34 في بغداد، 17 مايو 2025

تتطلب المرحلة المقبلة من القادة العرب اتخاذ خطوات جادة لتحرير اقتصاداتهم من القيود البيروقراطية والمعطلة للانفتاح، ومراجعة التشريعات الاقتصادية، وتطوير آليات الاستثمار والتمويل للمشاريع الحيوية. كما ينبغي تعزيز التجارة البينية، ودعم الصناعات التحويلية والقطاعات الزراعية والصناعية والخدمية، لتمكينها من رفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي.

ضرورات الواقع السكاني في العالم العربي

تجاوز عدد سكان العالم العربي 470 مليون نسمة، مما يزيد المتطلبات المعيشية والاستهلاكية مقارنة بما كانت عليه في عام 1964. هذه الزيادة السكانية تفرض تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، خصوصا في ظل الواقع السياسي والاقتصادي الراهن، بما يتطلب وضع استراتيجيات وآليات فاعلة تدعم التكامل الاقتصادي وتحفز الاستثمار البيني، مما يساهم في تحسين أداء الاقتصادات العربية وتعزيز إنتاجيتها وقدرتها التنافسية، وتوفير فرص عمل للشباب، وتلبية تطلعات شعوب المنطقة نحو مستقبل أفضل ومستدام.

font change

مقالات ذات صلة