فينشينزو لاترونيكو المرشح لـ"بوكر" والحياة في زمن الرقمنة

روايته "الكمال" تناقش عزلات التواصل الاجتماعي

Getty Images
Getty Images
الكاتب والمترجم الإيطالي فينشينزو لاترونيكو خلال مشاركته في مهرجان Chora Volume 1 في معهد ميلانو الموسيقي، 17 فبراير 2024

فينشينزو لاترونيكو المرشح لـ"بوكر" والحياة في زمن الرقمنة

ولد الكاتب الإيطالي فينشينزو لاترونيكو في روما عام 1984، هو روائي ومترجم وناقد عرف باستكشافه حياة الإنسان المعاصر. درس الفلسفة في جامعة ميلانو، وحصلت روايته الأولى "الجمباز والثورة" (2008) على جائزة Premio Giuseppe Berto لأفضل عمل أول.

نشر لاترونيكو أعمالا عدة مثل "مؤامرة الحمائم" (2011) و"عقلية الخلية" (2013). أما روايته الصادرة في عام 2022، "الكمال"، فتغوص في حياة الرحالة الرقميين من جيل الألفية، وهو أول كاتب إيطالي يصل إلى القائمة القصيرة لجائزة "بوكر" العالمية للرواية لعام 2025.

إلى جانب كتاباته الروائية، يترجم لاترونيكو أعمال كتاب بارزين مثل جورج أورويل وأوسكار وايلد إلى اللغة الإيطالية. كما تنشر مقالاته النقدية في مجلات ثقافية مرموقة. ويقيم حاليا في برلين، حيث يواصل تأملاته في تقاطعات الثقافة والتكنولوجيا والهوية. هنا حوار "المجلة" معه.

تناقش روايتك "الكمال" موضوع السعي نحو الكمال في مختلف جوانب الحياة. ما الذي ألهمك لتناول هذا الموضوع، وكيف ترى صداه لدى القراء؟

أعتقد أن الفكرة جاءتني عندما بدأت بالتواصل على "إنستاغرام" خلال فترة الإغلاق بسبب جائحة كوفيد19، وأدركت أن شقتي في برلين تشبه أي شقة أخرى رأيتها في برلين أو الولايات المتحدة أو إيطاليا أو الأرجنتين. وتساءلت كيف يمكن أن يكون ذلك ممكنا.

بدلا من أن نرغب في امتلاك الأشياء، بتنا نرغب في امتلاك صور لذواتنا

لكن بشكل عام، كنت أحاول وأفشل لسنوات أن أكتب شيئا عن التغيير الذي أحدثته الحياة الرقمية في نظرتنا لأنفسنا، ولأخلاقنا، ولحالتنا النفسية. أعتقد أن السعي وراء الكمال هو ما يؤثر في فئة معينة من الناس وأنا منهم. بالنسبة إلى الآخرين، قد يكون السعي وراء الرجولة المفرطة، أو السياسات المتطرفة.

الحاضر بصيغة الماضي

وصفت رواية "الكمال" بأنها إحياء لرواية "الأشياء" لجورج بيريك. ما الذي دفعك لإعادة تصور تلك الرواية لعصرنا؟ هل كان تحديا؟

على العكس، لقد سهل الأمر كثيرا. كنت أكافح طويلا لكتابة رواية ترضيني، كنت أشعر بالإحباط أيضا بسبب الإغلاق والاكتئاب الشتوي. لم أكن أعتقد أنني أمتلك القوة الكافية لابتكار عمل أدبي جديد. ولكن بعد ذلك تذكرت أنه عند قراءتي الأولى لرواية بيريك، دونت ملاحظات على الهوامش ملاحظا مدى سهولة "تحديثه" ليتناسب مع البيئة المعاصرة، وقررت أن أتخذه تمرينا يوميا للكتابة خلال فترة كوفيد الفارغة. أعتقد أنني شعرت، بالنظر إلى الماضي، أن كتابه كان يعبر كثيرا عن عصرنا. إنه يروي قصة الانتقال إلى استهلاك وسائل الإعلام الجماهيرية. وهو العالم نفسه الذي نعيش فيه حاليا، على الرغم من أننا بدلا من أن نرغب في امتلاك الأشياء، بتنا نرغب في امتلاك صور لذواتنا.

رواية "كمال"

تحافظ الرواية على نبرة استقصائية، وهو ما أسماه بيريك "برودة عاطفية". كيف وازنت بين ضبط النفس العاطفي والحاجة إلى نقل الحياة الداخلية لبطلي الرواية آنا وتوم؟

لم أفعل. أعتقد أننا اعتدنا على نوع من الروايات التي تركز على "التعاطف"، وتستخدم الدفء والقرب لجذب انتباه القراء للشخصيات. لكن هذه ليست الطريقة الوحيدة لسرد القصص. نشعر بتعاطف ضئيل تجاه أوديسيوس في الأوديسة، لكننا نهتم به مع ذلك. وقد فعل بيريك الشيء نفسه. في الواقع، ساعدني كثيرا إدراك وجود أشكال أخرى غير تلك التي ننجذب إليها تلقائيا، تلك التي يشجعها السوق.

سعي عشوائي

تناقش الرواية فكرة السعي دون هدف واضح. هل تعتقد أن هذا يعكس الضغوط المجتمعية المعاصرة، وخاصة بين الميسورين؟

من جهة، صحيح أن السعي العشوائي وعدم الرضا البسيط والملل، ترتبط ارتباطا وثيقا بامتياز تعيش فيه شخصياتي، امتياز يبذلون قصارى جهدهم لتجنب رؤيته. من جهة أخرى، أعتقد أن هناك ما هو أعمق من ذلك. أعتقد أن رقمنة وجودنا حطمت، من نواح عديدة، الكثير من الروابط المجتمعية التقليدية.

رقمنة وجودنا حطمت، من نواح عديدة، الكثير من الروابط المجتمعية التقليدية

نحن محاطون بالأصوات والصور، لكننا ننتمي أقل فأقل إلى المجتمع، وقد باتت لدينا مجموعات قوية أقل بكثير ننتمي إليها، أحزاب سياسية، نقابات، دور عبادة، وما إلى ذلك. وهذا التفكك يجعل الحياة تبدو بلا معنى وأكثر فراغا. بالطبع، لدى أصحاب الامتيازات وقت أطول للقلق في شأنها.

غالبا ما تتناول كتاباتك أسئلة فلسفية واجتماعية. كيف توازن بين العمق الفكري وبساطة الأسلوب السردي في أعمالك؟

أتمنى لو كنت أعلم! أعتقد أن هذا السؤال هو ما منعني من الشعور بالسعادة تجاه كتاباتي لسنوات طويلة. لطالما شعرت أنه نوع من التنازل. أعتقد أن الحل الوحيد هو ألا تسأل نفسك هذا السؤال. الأمر أشبه بالمشي على حبل، إذا نظرت إلى أسفل سقطت.

فضائل الترجمة

حظيت ترجمة صوفي هيوز لروايتك المرشحة لجائزة "بوكر" بإشادة لقدرتها على الحفاظ على الأسلوب السردي في الرواية. ما مدى مشاركتك في عملية الترجمة، ككاتب ومترجم، وهل كشفت عن جوانب جديدة في عملك؟

العمل مع صوفي كان نعمة. أخبرني العديد ممن قرأوا النسختين أن نصها الإنكليزي أفضل من لغتي الإيطالية، وأنا أتفق معهم. ربما لأن أحداث الكتاب تدور باللغة الإنكليزية. يبدو أنها استعادت نبرته الأصلية. بصراحة، كمترجم، شعرت ببعض الرهبة. لن أصل إلى مستوى إتقانها أبدا. لكن في إمكاني أن أحاول التعلم.

بالحديث عنك كمترجم، كيف تقوم بهذه المهمة؟

أعتقد أن مهمة المترجم الجمع بين الحفاظ على أسلوب النص الأصلي واختيار الكلمات التي تعبر بدقة عن المعنى.

مهمة المترجم الجمع بين الحفاظ على أسلوب النص الأصلي واختيار الكلمات التي تعبر بدقة عن المعنى

النص الذي ينجح في الترجمة هو في نهاية المطاف الأكثر دقة، لأنه عادة ما يكون متطابقا مع الأعمال الأصلية. لذا، بشكل عام، أتدخل قليلا في اللهجة والإيقاع إذا شعرت أن اللغة الإيطالية بحاجة إلى ذلك. أعتقد أن السبب هو أنني غالبا ما أترجم الكلاسيكيات، لذا أحتاج أيضا إلى سد الفجوة الزمنية في ما يخص اللغة.

بين المدن

عشت وعملت في ميلانو وبرلين، وهما مدينتان تبرزان بشكل كبير في أعمالك الروائية. كيف تؤثر البيئات الحضرية المختلفة في كتاباتك؟ هل تعتبر المدن شخصيات فاعلة في قصصك أم مجرد خلفيات؟

نعم، هما شخصيتان من نواح عديدة. خصوصا في رواية "الكمال"، برلين أكثر وضوحا من آنا وتوم، بطلَي الرواية. لكنني أعتقد أن هذه مجرد مصادفة. ما أكتبه بعد ذلك يدور في قرية.

فينشينزو لاترونيكو

يعد وصول رواية "كمال" إلى القائمة المختصرة لجائزة "بوكر" العالمية لعام 2025 إنجازا بارزا للأدب الإيطالي. ماذا يعني هذا التقدير لك، وكيف ترى تأثيره في استقبال الكتاب الإيطاليين عالميا؟

حسنا، بالطبع أنا في حالة من عدم التصديق والسعادة. لكن هذه السعادة والفخر يأتيان أيضا من كوني جزءا من موجة، كما تقولين. عندما كبرت، كان هناك اهتمام ضئيل جدا بالأدب الإيطالي المعاصر. تغير هذا مع "حمى إيلينا فيرانتي"، فجأة أدرك القراء حول العالم وجود الأدب الإيطالي. أدى هذا، على سبيل المثل، إلى حصول كاتبة من جيلي مثل كلوديا دوراستانتي على شهرة عالمية هائلة، مما أدى إلى ترشيح كاتبة أخرى من جيلنا مثل فيرونيكا رايمو في القائمة الطويلة لجائزة "بوكر" العام الماضي. هاتان المبدعتان هما أيضا رفيقتاي في الكتابة، وقارئتاي، وأختاي وصديقتاي. أشعر بالفخر لكوني جزءا من هذا.

font change

مقالات ذات صلة