يقول الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز في "الأبجدية": "أنا لا أعرف ما إذا كنت أعتبر نفسي كاتبا في الفلسفة، ما أعرفه هو أن كل فيلسوف عظيم هو كاتب عظيم". يلتقي الكاتب والفيلسوف عند دولوز في نقطة واحدة: كلاهما مبدع، الكاتب مبدع في اللغة، والفيلسوف مبدع مفاهيم. لكن إبداع المفاهيم يتطلب عملا على اللغة، مثلما تقتضيه الكتابة. كلاهما يدخل على اللغة تحويلا.
لغة داخل اللغة
الكتابة تحول في اللغة، واستخدام فريد لها. في هذا المعنى يؤكد القسم الثالث من الفصل الرابع من كتاب "ألف بساط" أن الأدب "لغة داخل اللغة". كيف نفهم هذه الأطروحة؟ عند كثير من الأدباء العظام تعدد لغوي، وغالبيتهم تعيش، بدرجات متفاوتة، وضعية ازدواجية لغوية: كافكا اليهودي التشيكي يكتب بالألمانية، وبيكيت الأيرلندي يكتب بالإنكليزية والفرنسية معا، ناهيك عن بورخيس وكونديرا، والقائمة طويلة. هذه الازدواجية ليست عند هؤلاء كثرة من اللغات وتساكنا مهادنا بينها، إذ سرعان ما "يدخل الكاتب الضيم على هذه اللغات لأن كل واحدة منها تجذب الأخرى وتأخذ منها وتعترض عليها"، بل وتفضحها.
في مناسبات عديدة، يعود دولوز إلى أطروحة مارسيل بروست التي تؤكد أن الروائع الأدبية تكتب بلغة أجنبية. لكنه سيجعلها أطروحته الخاصة، معادلا اللغة الأجنبية بما يطلق عليه "لغة صغرى"، ومعادلا اللغة الأم باللغة الكبرى. ستكون الكتابة هي قيادة اللغة الكبرى نحو شكلها الأقلي، وإدخال الفروق إلى لغة رسمية.