تزخر الرسائل المتبادلة بين كارلوس فوينتس وخوليو كورتاثار وغابرييل غارثيا ماركيز وماريو فارغاس يوسا، بشهادات لافتة وعلامات غائرة تؤرخ لطفرة السرد الأميركو- لاتيني، في نزوعه الكوني، بالاحتكام إلى فضيلة الصداقة، وفلسفة الحوار بين الأقطاب الروائيين، فكرا طليعيا، تنظيرا جماليا، ومجمل الرؤى والمواقف ذات الحمولة المتعددة، سياسيا وثقافيا وتاريخيا وأدبيا.
207 رسائل
جمعت هذه المراسلات في كتاب تحت عنوان "رسائل البووم"، صدر عن دار "ألفاغوارا" عام 2023، بتحرير من كارلوس أغيري وجيرالد مارتن وخافيير مونجويا وأوغستو وونغ كامبوس، وقد اكتنز متنها 207 رسالة على مدار سنوات راسخة، ما بين عامي 1955 و2012.
ليست وتيرة الصداقة في منحاها النبيل والمتناغم ما تحفظه الرسائل وحسب، بل تشمل وتيرة التوترات والخلافات والملاسنات والنقد اللاذع في ما بينهم، تتأرجح بين ما هو شخصي محض، وما هو موضوعي. ما تتفرد به الرسائل أكثر، هو الإفصاح عن بدايات تشكّل الطفرة الروائية والقصصية لتغدو أسطورة في ما بعد، ولعل أنشطهم في المبادرة والحرص على التواصل الدائم هو كارلوس فوينتس، فيما تسجل المراسلات مبادرة غارثيا ماركيز الأولى في الكتابة إلى فارغاس يوسا، وقد جمعت الكتاب الأربعة في الموازاة لقاءات وأسفار يظل أشهرها على الإطلاق، الصحبة الاستثنائية على متن قطار من باريس إلى براغ حيث أبهر خوليو كورتاثار غارثيا ماركيز وكارلوس فوينتس عندما سأل هذا الأخير كورتاثار: كيف دخلت آلة البيانو في أوركسترا الجاز؟ وما أن شرع في الرد، حتى أدهشهم بمعرفته الموسوعية، إذ سافر بهم ضمن تاريخ حافل، متشعب الخرائط، بدءا من فجر انطلاق الجاز حتى هوميروس جاز القرن العشرين، تيلونيوس مونك، وهذا ما دونه غارثيا ماركيز في شهادة على حدة، عن صاحب رواية "لعبة الحجلة"، تحت عنوان "الأرجنتيني الذي أحبه الجميع".
بين النزوع الذاتي والوعي الجمالي الجماعي المشترك
بحسب أرشفة الرسائل، كتب كارلوس فوينتس من المكسيك إلى خوليو كورتاثار طالبا منه مقالة لمجلة الأدب المكسيكية Revista Mexicana de Literatura وكان ذلك بمثابة الشرارة الأولى لعلاقة ستشمل لاحقا غارثيا ماركيز وفارغاس يوسا، لتشكل نسيجا إنسانيا رباعيا لم يكن في حسبانه، أنه في صدد تدشين ما سيسمى لاحقا بـ"البووم الأميركو- لاتيني.