كان البابا فرنسيس، الذي وافته المنية عن عمر يناهز 88 عاما، أول بابا يأتي من أميركا اللاتينية، التي مرت بأزمات اقتصادية واجتماعية. منذ بداية حبريته، عبّر عن نقده لـ"الرأسمالية المفترسة" و"تجاوزات العولمة" و"الاقتصاد القاتل" مؤكدا بذلك تباينا واضحا عن أسلوب أسلافه في التعامل مع القضايا الاقتصادية.
يعزى الأمر الى نشأته في الأرجنتين حيث عايش عن كثب آثار الأزمات الاقتصادية الحادة على المجتمع، فيما ألقت تلك الأزمات بظلالها الكئيبة على أجيال من الأطفال. فقد تلمس بأم العين منذ الصغر ما يحدث عندما تخدم الأنظمة الاقتصادية المصالح الخاصة، من تفكك للمجتمعات وتفشّ للفقر والجريمة وإدمان الممنوعات. وقد نقل هذه الرؤى الى الساحة العالمية بعد تنصيبه بابا، فأصبح صوته من أشد الأصوات اقتدارا في العالم بتحدي البنى المالية والاقتصادية التي تحرم في نظره مليارات البشر من العدالة والكرامة.
"تقديس المال يغلق القلوب عن صوت الله"
وقد رجع البابا في انتقاداته للنظام الاقتصادي إلى الأساس، فذكر أن الأزمة المالية التي يعيشها العالم ترجع في أصلها إلى أزمة أنثروبولوجية عميقة تتمثل في إنكار أولوية الإنسان بخلق أصنام جديدة. فقد وجدت عبادة العجل الذهبي القديم نسخة مستحدثة في "تقديس المال" وفي "ديكتاتورية الاقتصاد" بدون أي هدف إنساني حقيقي، بل اختزال الاخير في أحد احتياجاته فقط وهو الاستهلاك والبحث المريض عن الملذات السطحية، فتنغلق الحياة الداخلية على مصالحها الخاصة، ولا يبقى هناك مكان للآخرين، خاصة الفقراء. كما أكد أن هذا التوجه يغلق القلوب عن سماع صوت الله ويفقد الإنسان فرح محبته، والحماسة لعمل الخير.