توفي البابا فرانسيس عن عمر يناهز 88 عاما، بعد أزمة صحية بدأت بالتهاب الشعب الهوائية وتطورت إلى التهاب رئوي مضاعف. وقد أحدثت وفاته حزنا في أوساط قرابة 1.4 مليار كاثوليكي في جميع أنحاء العالم، مما أثار تساؤلات ملحة حول مستقبل الكنيسة الكاثوليكية وقيادتها.
وقدم المكتب الصحافي للكرسي الرسولي في وقت سابق إحاطات مرتين يوميا عن حالة البابا قبل وفاته.
وطالما كان البابا فرانسيس مدافعا قويا عن السلام والمصالحة في الشرق الأوسط، مشددا على أهمية الحوار والتعاطف في معالجة النزاعات المعقدة التي تؤثر على المنطقة. وقد كان موقفه مؤثرا بشكل خاص فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث لم يتوانَ عن إدانة العنف والدفاع عن حقوق جميع الأفراد، بغض النظر عن عقيدتهم.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، دعا البابا إلى إجراء تحقيق فيما إذا كانت الأعمال العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، مسلطا الضوء على الأزمة الإنسانية التي يواجهها الفلسطينيون.
اتخذ البابا فرانسيس خطوات مهمة لتعزيز التسامح والتفاهم بين الأديان المختلفة. وقد أكدت زيارته إلى بيت لحم في عام 2014، حيث صلى في زيارته الشهيرة عند جدار الفصل الإسرائيلي، رغبته في السلام وإنهاء المعاناة الناجمة عن الصراع.
البابا فرانسيس يصلي عند الجدار الفاصل الإسرائيلي في طريقه إلى قداس في ساحة المهد بجوار كنيسة المهد في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، 25 مايو 2014
علاوة على ذلك، وخلال زيارته لمصر عام 2017، وقّع البابا مذكرة تفاهم مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، مؤكدا على ضرورة الحوار والتعاون بين الأديان.
كما زار العراق عام 2021 في أول زيار بابوية للبلد، الذي مكث فيه أربعة أيام زار خلالها أربع محافظات مختلفة بالإضافة إلى إقليم كردستان العراق.
دعا البابا فرانسيس قبل وفاته إلى إجراء تحقيق فيما إذا كانت الأعمال العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، مسلطا الضوء على الأزمة الإنسانية التي يواجهها الفلسطينيون
وبينما تنعى الكنيسة الكاثوليكية فقدان البابا الـ266، يتم اتخاذ الترتيبات اللازمة لإقامة قداس جنازته ودفنه في كاتدرائية القديس بطرس في روما. وفي الوقت نفسه، يتم اتخاذ خطوات للبدء في عملية اختيار خليفته، حيث تتجه أنظار المجتمع الكاثوليكي العالمي نحو القيادة المستقبلية للكنيسة.
المجمع البابوي هو اجتماع يعقده مجمع الكرادلة في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية لانتخاب بابا جديد عقب وفاة شاغل المنصب، في عملية ينعزل خلالها الكرادلة ويصوتون سرا حتى يُنتخب البابا الجديد.
وتقع على عاتق عميد مجمع الكرادلة مهمة إبلاغ الأعضاء بوفاة البابا والدعوة إلى عقد المجمع، ويتعين على الكرادلة الناخبين العودة إلى الفاتيكان في أسرع وقت، عادة في غضون أسبوعين، حيث يقيمون في دار القديسة مرتا.
وكما أبرز فيلم "كونكليف"، الذي نال استحسانا كبيرا مؤخرا، تبدأ العملية بنقاشات مطوّلة بين الكرادلة حول الشخصية الأنسب لتولي هذا المنصب بالغ الأهمية. ورغم أن الشرط الرسمي الوحيد هو أن يكون البابا كاثوليكيا وذكرا، فإن الباباوات يُنتخبون منذ قرون من بين صفوف الكرادلة فقط، ولا يوجد حد أدنى أو أقصى للسن.
المجمع البابوي هو اجتماع يعقده مجمع الكرادلة في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية لانتخاب بابا جديد عقب وفاة شاغل المنصب، في عملية ينعزل خلالها الكرادلة ويصوتون سرا حتى يُنتخب البابا الجديد
في اليوم الأول من المجمع، يقيم الكرادلة الناخبون القداس المخصص لانتخاب البابا في كاتدرائية القديس بطرس، ثم يتوجهون لاحقا إلى كنيسة بولين داخل الفاتيكان لاستدعاء الروح القدس وأداء القسم جماعيا وفرديا، وتُجرى عملية الانتخاب داخل كنيسة السيستين.
يؤدي الكرادلة الناخبون قسم السرية، وتُغلق الأبواب عليهم، ويُحتجزون داخل الفاتيكان حتى انتخاب بابا جديد. ويُمنعون من أي تواصل مع العالم الخارجي طوال فترة الانتخاب، فلا رسائل ولا صحف ولا إذاعة أو تلفاز. يصلّون ويتناقشون ويصوّتون سرا، ويتقدم كل منهم على حدة إلى جدارية مايكل أنجلو "يوم الحساب" في كنيسة السيستين، مردّدين صلاة، ثم يضعون بطاقاتهم السرية المطوية في كأس كبير. تُحصى نتائج كل اقتراع علنا ويدوّنها ثلاثة كرادلة معيّنون.
ويشترط حصول المرشح على أغلبية ثلثي الأصوات ليُنتخب بابا، وقد تتطلب العملية عدة جولات تصويت تمتد لأيام حتى التوصل إلى قرار. وتُحرق أوراق الاقتراع بعد كل جولة، فإذا لم يُنتخب بابا بعد، يتصاعد الدخان الأسود من مدخنة الفاتيكان، مشيرا إلى استمرار المداولات.
البابا فرنسيس يطلق حمامة بيضاء قبل إقامة القداس الإلهي في كاتدرائية الروح القدس الكاثوليكية في إسطنبول في 29 نوفمبر 2014
يشترط حصول المرشح على أغلبية ثلثي الأصوات ليُنتخب بابا، وقد تتطلب العملية عدة جولات تصويت تمتد لأيام حتى التوصل إلى قرار. وتُحرق أوراق الاقتراع بعد كل جولة، فإذا لم يُنتخب بابا بعد، يتصاعد الدخان الأسود من مدخنة الفاتيكان، مشيرا إلى استمرار المداولات
أما إذا حصل أحد الكرادلة على العدد المطلوب من الأصوات وقَبِل المنصب، فيتصاعد الدخان الأبيض من المدخنة، في إشارة إلى انتخاب بابا جديد. يختار البابا الجديد اسما بابويا ويرتدي الرداء الأبيض، ثم يُعلَن من شرفة كاتدرائية القديس بطرس بكلمات "Habemus Papam" باللاتينية، أي "لدينا بابا"، ليطلّ بعدها ويمنح البركة للمؤمنين المتجمعين في ساحة القديس بطرس وللعالم أجمع.
وهذه الإجراءات مألوفة تماما للبابا الحالي، الذي تولى منصبه بعد الاستقالة المفاجئة لسلفه بندكت السادس عشر عام 2013، والتي أرجعت لأسباب صحية.
وُلد خورخي ماريو برغوليو في 17 ديسمبر/كانون الأول 1936 في بوينس آيرس، ورُسّم كاهنا يسوعيا عام 1969، ودرس في الأرجنتين وتشيلي وألمانيا. عُيّن كاردينالا لبوينس آيرس عام 1998. وكان الكاردينال برغوليو شخصية غير مألوفة نسبيا عند اختياره لخلافة بندكت السادس عشر. وبعد انتخابه، اختار اسم فرانسيس تكريما للقديس فرانسيس الأسيزي، ليصبح أول بابا من أميركا اللاتينية وأول يسوعي يتولى قيادة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
البابا فرنسيس يلقي خطبة من الشرفة المطلة على ساحة القديس بطرس في الفاتيكان في 16 أبريل 2017
وقد شكّل انتخابه مفاجأة لمن كانوا يتوقعون شخصية أصغر سنا، فقد كان يبلغ من العمر حينها 76 عاما. ونال دعم المحافظين والإصلاحيين معا، إذ اعتُبر تقليديا في المسائل الجندرية، وليبراليا في القضايا الاجتماعية.
نال البابا فرانسيس إعجاب مؤيديه ببساطته وتصميمه على إصلاح دوائر الفاتيكان، ومكافحة الفساد في بنك الفاتيكان، والتعامل مع الإرث الثقيل لانتهاكات الاعتداء الجنسي على الأطفال داخل الكنيسة. وقد أطلق عليه بعض منتقديه لقب "البابا المتيقظ" لمواقفه التقدمية تجاه قضايا المهاجرين والبيئة والزواج المثلي.
وتسود الآن مخاوف لدى الأوساط المحافظة من أن فرانسيس حرص خلال فترة بابويته على ملء مجمع الكرادلة، الذي يضم 252 عضوا، برجال يتقاسمون معه الرؤية ذاتها.
ومن بين هؤلاء، يحق فقط لـ138 كاردينالا المشاركة في التصويت لاختيار البابا المقبل، إذ تجاوز الآخرون سن الثمانين. ومن بين هؤلاء الـ138، عيّن البابا فرانسيس 110 كاردينالات، أي ما يقارب 80 في المئة.
ومن الأسماء البارزة المطروحة لخلافته: الكاردينال بيترو بارولين، أمين سر دولة الفاتيكان، والكاردينال بيتر توركسون من غانا، الذي ترأس المجلس البابوي للعدالة والسلام، والكاردينال لويس تاغلي، رئيس مجمع تبشير الشعوب منذ ديسمبر 2019، وكان سابقا رئيس أساقفة مانيلا. وهناك مرشحون آخرون محتملون، مثل الكرادلة ماتيو تسوبي، وغيرهارد مولر، وأنجلو سكولا، وأنجلو باغناسكو، وريموند بورك، وروبرت سارة، ومالكوم رانجيث.
وتأتي احتمالية انتخاب بابا جديد في وقت حرج عالميا، مع عودة الرئيس دونالد ترمب، وتصاعد التيار اليميني المتطرف في أوروبا، واحتدام الجدل حول قضايا الهجرة.
مرة أخرى، يمسك الكرادلة بمصير الكنيسة الكاثوليكية وتوجهاتها المستقبلية.
ويشير عدد الكرادلة الذين عيّنهم فرانسيس إلى أنه إذا ما انقسم المجمع المقبل بين محافظين وتقدميين، فإن التقدميين سيتفوقون عددا بسهولة، ما يعني أن البابا الجديد سيواصل على الأرجح أولويات فرانسيس وإصلاحاته.
وقال أوستن إيفري، المقرب من البابا فرانسيس ومؤلف سيرته الذاتية "المصلح العظيم: فرانسيس وصناعة بابا راديكالي"، في مقابلة حديثة مع صحيفة "ديلي تلغراف": "من خلال تعييناته، يريد البابا أن يضمن عملية تُنتج بابا يلبي احتياجات الكنيسة في هذا الزمن". وأضاف: "يريد البابا من مجمع الكرادلة أن يواجه واقع العالم. لقد اختار أشخاصا سيحملون إلى النقاش بشأن البابا المقبل صوت المهاجرين، والفقراء، وضحايا الحروب".
مع ذلك، ينتمي الكرادلة الذين عيّنهم فرانسيس إلى دول متعددة، ويحملون آراء متباينة بشدة بشأن قضايا مثل دور المرأة في الكنيسة والموقف من الكاثوليك المثليين.