يقال إن الحكومات الأسوأ حظا هي التي تأتي بعد الثورات حيث ترث الحكومة بعد الثورة بلدا منهكا ومدمرا في كل النواحي الاقتصادية وتلك المتعلقة بالبنية التحتية وأداوت الإنتاج والمرافق العامة والقطاعات الخدمية. وفيما يكون للشعوب سقف من الطموحات المرتفعة جدا بعد إسقاط نظام الفساد. وتظن الشعوب أنه بمجرد رحيل النظام السابق فستتغير الأمور تلقائيا.
ورغم الفيض الإيجابي الذي غمر الشعب السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد، وزوال المكابح التي وضعها النظام أمام مستقبل الشعب السوري، كان شعور كثيرين حضروا حفل التنصيب الوزاري في قاعة القصر الجمهوري في 29 مارس/آذار 2025، بأن تولي المنصب الوزاري في حالة تشبه الحالة السورية ضرب من الانتحار السياسي. وكانت تساؤلات تطرح عما هي القوى الخارقة والمعجزة التي ينتظرها هذا الطاقم الوزاري لحل أزمة البلد المعطوب في كل مرافقه، حيث إن نصف المدن الكبرى والبنية التحتية مدمرة بشكل كامل وقديمة ومتخلفة والأزمات تعصف بالبلد من كل الجوانب سواء الصحية أو التعليمية أو الاقتصاد. أضف لها أزمات الأمن والمخيمات واللجوء والتدخلات الخارجية التي تعمل على إفشال التجربة.
لا شك أن العمل في ظل هذا المشهد السوداوي يعد مجازفة من البعض الذي رضي بتسنم المسؤولية في مواجهة هذه التحديات الصعبة التي تحتاج إلى نوع من الاستجابة الاستثنائية والعمل بأقصى القدرات والطاقة.
أتيحت لي فرصة لقاء عدد كبير من وزراء الحكومة الجديدة في الأيام الأخيرة. ما خرجت به أن الطاقم الوزاري ينطلق من رؤية موحدة تعبر عن استراتيجية الرئيس أحمد الشرع الذي يولي الاقتصاد الأهمية الأولى ويعمل على تحقيق شروط التنمية الاقتصادية من خلال العمل الدبلوماسي النشط مع الدول الصديقة والشقيقة لرفع العقوبات وإعادة بناء مؤسسات الدولة المنهارة وبسط الأمن على كامل التراب السوري وتشجيع حركة الاستثمار و"تصفير المشاكل" مع الجوار واعتماد سياسة السوق المفتوحة ورفع الدعم عن السلع الأساسية، وقبل كل ذلك مواجهة استحقاقات العدالة الانتقالية لتحقيق الاستقرار والبناء على ذلك.
فقد كان من الملاحظ أن كل الوزارات كانت تعمل على تحقيق هذه الرؤية أو أنها تعمل والرؤية ماثلة في خطتها التنفيذية والملفات ذات الأولوية ومن الواضح أن الفريق الوزاري لم يكن مستسهلا للمهمة ومدركا لحجم الصعوبات والتحديات التي تتلخص بحسب من سمعت منهم في ثلاثة تحديات أساسية:
وبعد رفع العقوبات الغربية، يتمثل التحدي الأول بحجم الفساد الضارب بأطنابه في بنية مؤسسات الدولة وبطريقة شبكية ومافياوية من الصعب تطويقها.
الثاني هو التخلف التقني والتكنولوجي في المؤسسات التي لا تزال تعتمد أسلوب الورقيات والأرشيف الورقي في مراجعات المواطنين وإنجاز معاملاتهم كما أن البنية التكنولوجية الموجودة هي تكنولوجيا متخلفة. الثالث، الترهل الإداري والبطالة المقنعة حيث كانت سياسة النظام هي إغراق المؤسسات بالتوظيف وتقديم الوظيفة كرشوة للبعض من أجل امتصاص نقمة المجتمع وهو ما جعل المؤسسات الإنتاجية خاسرة وجعل المؤسسات الخدمية فاسدة لتتحول إلى عبء على الدولة. ويضاف إلى كل ذلك التخلف التشريعي الذي تحتاج البلاد إلى علاجه من أجل البلاد للنهوض.
على المستوى الشخصي كان من الملاحظ أن سوريا أمام فريق وزاري مختلف تماما عن كل الوزراء الذين مروا على البلاد الذين كانوا محتجبين عن الناس ولا نكاد نراهم إلا يوم استلام المنصب فقط. الأمر اليوم مختلف تماما فأغلب الوزراء هم من جيل الشباب وأغلبهم يمتلكون حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ويتواصلون مع الجمهور فبات من الطبيعي أن وزير الخارجية يرد على استفسار لصحافية على منصة "إكس"، ووزير آخر يستقطب أحد الكفاءات من خلال وسائل التواصل ووزير يتناول الغداء في مطعم شعبي ووزير آخر يعرض هيكل الوزارة على مجموعة من القانونيين والإداريين المستقلين قبل إعلانها.