لا يشبه متحف "غوغنهايم" الذي يقع في الجزء العلوي من الجادة الخامسة بمانهاتن (نيويورك) أي متحف آخر، لا لأن بنايته التي صممها فرانك لويد رايت هي عمل معماري فريد من نوعه، الأمر الذي جعل منها تحفة في حد ذاتها فحسب، بل أيضا لأن مقتنياته التي تربو على ثمانية آلاف عمل تضع المتلقي أمام منظر بانورامي يمثل أهم ما شهده الفن التشكيلي في الغرب من تحولات غيرت طريقة معرفتنا الجمالية وسبل الرؤية البصرية إلى العالم، بدءا من الانطباعية مرورا بالأساليب الفنية التي ظهرت في القرن العشرين.
هذا المتحف على أهمية مقتنياته، لا يكف عن متابعة دوره الطليعي في التقاط التجارب الفنية المتميزة من أجل ألا يأسره الزمن في وضع يكون فيه مجرد آلة عرض لما جرى في الماضي. لذلك يحرص القيمون على المتحف على إقامة معارض متحركة بين حين وآخر. وبسبب ما يضفيه العرض في "غوغنهايم" من أهمية استثنائية على الفنان، غالبا ما يختار فنانين ذوي اهتمامات فكرية وفنية متشعبة استطاعوا من خلالها توسيع نطاق الرؤية الفنية، إضافة إلى ما كرسوه من خبرات على مستوى تطوير الذائقة الجمالية لدى شرائح مجتمعية لم تتمتع في أوقات سابقة بنعمة الفن. في سياق ذلك المنظور، كان الفنان الأميركي رشيد جونسون الذي يقام له معرض في ثلاث طبقات من المتحف يملك ما يؤهله لكي يكون الاحتفاء به استثنائيا.
الموت الذي نعيشه
يضم المعرض الذي يحمل عنوان "قصيدة لمفكرين عميقين" لوحات ومنحوتات وصورا فوتوغرافية وأعمال تركيب وتجهيز ومواد جاهزة وصورا مطبوعة بتقنية الشاشة الحريرية وأفلام فيديو ومدونات. تلك صنائع جمالية يكمل بعضها البعض الآخر وتكشف عن تعدد وتنوع اهتمامات وانشغالات رشيد جونسون الفنية والفكرية، على الرغم من أنه وظفها جميعا لخدمة فكرته عن الموت التي لم يجد بدا من التعبير عنها بشكل مباشر حين كتب كلمة "موت" على لوحة بكاملها كأنها تشير إلى شي آخر.