أميمة الخليل ذلك العصفور الذي أطل علينا من الشباك، كما تقول أغنيتها الشهيرة، صدح صوتها بالغناء وعلا فوق صوت الحروب والقصف والدمار. فعبر مسيرة فنية واثقة الخطوات واضحة الاختيارات استطاعت هذه المطربة اللبنانية أن تجدد أغنيتها من غير أن تتنكر لقناعتها الراسخة في أن القصيدة فكرة، وأن الأغنية موقف إنساني.
في هذا الحوار حديث عن تفاصيل خبيئة تخص علاقة أميمة بصوتها، وكيف ترعاه وتتعهده، وحديث عن نظرتها إلى القصيدة بما هي فكرة إنسانية أسمى وموقف ثابت.
لطالما وصف صوتك بالملائكي، فكيف تعيشين مع هذا الصوت، كيف تتعهدينه، وترافقينه في رحلة العمر والفن؟
يقينا، من الصعب جدا التعامل مع الصوت، هذه الآلة الموسيقية التي هي أكثر الآلات خفة ورهافة من بين كل الآلات الموسيقية. لكنها من ناحية أخرى أثقل الآلات من حيث العناية بها، والإحاطة بالظروف المناسبة لبقاء هذا الصوت متألقا صادحا متوقد الحضور. وهذا الصوت لست أحدده في الحنجرة، بل هو ممتد من الرأس إلى أخمص القدمين. وكل شيء يمكن أن يؤثر سلبا أو إيجابا على هذه الآلة. وفي الظروف التي نعيشها اليوم في لبنان، وفي العالم العربي، يستحيل ألا يتأثر صوتي بكل ما يجري، تقنيا ونفسيا، ومن حيث الجهوزية. لأجل ذلك، لا بد أن تعزل نفسك عن كل ما يحيط بك من ظروف اجتماعية وأمنية، أو لا أمنية، على الأصح، ومن ظروف شخصية، فكل هذا سيجلب لك التعب والإجهاد فترزح تحت هذه العوامل غير الصحية بالنسبة إلى الصوت. ومع ذلك لم أنجح في أن أعزل نفسي كليا عن هذه العوامل المؤثرة. خذ الموت مثلا، كثيرا ما يؤثر على صوتي ويجعل النفَس أقصر كل مرة. لنقل إنني أخاف على صوتي، خصوصا مع التقدم في العمر. بيد أنني أحرص كل الحرص على العناية به ، ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وأحاول قبل التسجيل أو الحضور أمام الجمهور في الحفلات، أن أدرب صوتي من خلال التمارين الخاصة، بغاية الحفاظ على مرونته. كما لا بد من تدريب النفَس، ولا بد من أن أسمع نفسي أولا، قبل أن أُسمع الجمهور أغنية ما. إنما أريد أن يقترب صوتي قدر الإمكان من نبرته التي ولدت معي. وأسعى بكل جهدي ووعيي إلى الحفاظ على تلك النبرة.
القصيدة
إذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى العمل الموسيقي، فماذا عن القصيدة، عن النص الذي يتم اختياره وعرضه ليتحول إلى لحن فأغنية؟
أول ما يهمني في القصيدة فكرتها، ثم طريقة التعبير عن هذه الفكرة أو الرؤيا. لا بد أن تكون ثمة فكرة في القصيدة، وإلا فلا يمكن الاقتراب منها. وهذه الفكرة العميقة وليست المباشرة، طبعا، هي التي تناديك من بعيد.