أثارت احتجاجات لوس أنجليس خلال شهر يونيو/حزيران الجاري ضد تشديد سياسات الهجرة بالإضافة إلى تصريح حاكم ولاية كاليفورنيا، "جافن نيوسوم"، في 4 أبريل/نيسان 2025، حول "عزمه عقد اتفاقيات بشكل منفرد ومباشر بين الولاية وبقية دول العالم لتجنب تداعيات التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جدلا واسعا حول مستقبل العلاقة بين كاليفورنيا والحكومة الفيدرالية.
فعلى الرغم من أن نيوسوم لم يعلن مطلقا نيته للانفصال عن الاتحاد، بل جاء تصريحه بصيغة دبلوماسية غير مباشرة، ضمن دعوة لعدة إجراءات طارئة لمواجهة سياسات الحكومة الفيدرالية، لضمان استمرار واستقرار العلاقات التجارية للولاية مع شركائها في جميع أنحاء العالم، واصفا اقتصادها بأنه "عماد الخيمة" بالنسبة للاقتصاد الأميركي، إلا أن هذا التصريح أعاد للواجهة سجالا دستوريا قديما أقدم من نشأة الدستور نفسه حول "إمكانية انفصال الولايات عن الاتحاد الأميركي".
ويتجدد ذلك السجال كلما تصاعدت الخلافات بين الولايات والحكومة الفيدرالية المركزية، وتتداخل فيه عدة أبعاد دستورية وتاريخية وسياسية معقدة تثير عدة تساؤلات، حول مدى استقلالية الولايات وقدرتها على التصرف بمعزل عن السياسة الفيدرالية؟ هل يجيز الدستور انفصال الولايات بالإرادة المنفردة؟ هل هناك سوابق تاريخية لانفصال ولايات عن الاتحاد؟ هل توجد سوابق قضائية تناولت هذا الموضوع؟ هل يمكن عمليا على أرض الواقع أن تشهد الولايات المتحدة سيناريو انفصال ولاية بحجم كاليفورنيا، أم إن هذا من قبيل الخيال السياسي؟
الإطار الدستوري والقانوني للانفصال في الولايات المتحدة
لطالما كان حق الولايات في الانفصال بالإرادة المنفردة، نقطة توتر كامنة في النسيج السياسي والدستوري للولايات المتحدة منذ اللحظة الأولى لتأسيسها، وبخاصة تباين الرؤى حول طبيعة الاتحاد، هل هو مجرد "ميثاق" بين ولايات ذات سيادة كاملة، يمكن لكل منها الانسحاب منه متى شاءت، أم إنه اتحاد دائم وغير قابل للحل.
ويعود ذلك الجدل للظهور بين الحين والآخر، خاصة في أوقات الاستقطاب الشديد أو عندما تتصادم مصالح الولايات مع السياسات الفيدرالية، فبينما يراه البعض تعبيرا عن حق السيادة الذاتية للولايات، ورثته من مركزها القانوني السابق كدويلات مستقلة، ارتأت بإرداتها الحرة أن تكون عضوا في الاتحاد، ومن ثم يكون من حقها الانسحاب منه إذا تجاوزت الحكومة الفيدرالية حدود صلاحياتها، يراه البعض الآخر تهديدا وجوديا لمفهوم الأمة الواحدة، وتقويضا لأسس الدولة والاتحاد المكون للولايات المتحدة.